إسماعيل ياشا - عربي21
يشهد حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، تنافسا على رئاسة الحزب، بين رئيسه الحالي كمال كليتشدار أوغلو، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو. ويُتوقع أن يشتد هذا التنافس في الأيام القادمة، مع وضع كلا المتنافسين أوراقهما على الطاولة من أجل الفوز.
كليتشدار أوغلو خاض الانتخابات الرئاسية كمرشح تحالف الطاولة السداسية المعارض، وخسرها أمام رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان. إلا أنه لا يرى نفسه فاشلا، ويرفض المناشدات التي تطالبه بالاستقالة ليفسح المجال أمام التغيير، ويسعى إلى الاحتفاظ بمنصبه حتى الانتخابات المحلية المتوقع إجراؤها بعد تسعة أشهر، ويأمل في تحقيق نجاح في تلك الانتخابات يسمح له بمواصلة رئاسته لحزب الشعب الجمهوري.
قدرة كليتشدار أوغلو على المناورة لتصفية منافسيه في حزب الشعب الجمهوري يجب أن لا يستهان بها، وأكبر دليل على ذلك، فرض نفسه على قادة الطاولة السداسية كمرشح التحالف للانتخابات الرئاسية، رغم معارضة نسبة كبيرة من أعضاء حزب الشعب الجمهوري لترشيحه، بالإضافة إلى إلحاح رئيسة الحزب الجيد، مرال أكشينار على ترشيح إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش. كما أن هناك شخصيات في قيادة حزب الشعب الجمهوري ربطوا مصيرهم بمصير كليتشدار أوغلو، ما يعني أنهم سيدعمونه بقوة ليحتفظ برئاسة الحزب أو ليسلم منصبه إلى رئيس جديد سيواصل العمل معهم في قيادة الحزب.
إمام أوغلو يرى أنه لن يتمكن من الفوز برئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية القادمة، بل وربما لن يتم ترشيحه، كما يدرك أنه سيفقد القدرة على المنافسة على رئاسة حزب الشعب الجمهوري في حال ترشح لرئاسة بلدية إسطنبول مرة أخرى وخسرها، وبالتالي ينظر إلى الظفر بمنصب رئيس حزب الشعب الجمهوري كخيار وحيد متاح لإنقاذ مستقبله السياسي.
هناك عوائق عديدة أمام تولي رئيس بلدية إسطنبول رئاسة حزب الشعب الجمهوري؛ أولها الصورة السوداء التي رسمها في أذهان الناخبين منذ توليه رئاسة أهم بلدية في البلاد، بسبب فشله الذريع في خدمة سكان المدينة العريقة، كما أنه سيضطر إلى الاستقالة من رئاسة بلدية إسطنبول في حال توليه رئاسة حزب الشعب الجمهوري، ويعني ذلك انتقال رئاسة بلدية إسطنبول إلى رئيس ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية حتى الانتخابات المحلية، نظرا لسيطرة هذا الأخير على مجلس البلدية الذي سينتخب الرئيس الجديد.
كليتشدار أوغلو يطلب من إمام أوغلو أن يبقى في منصب رئيس بلدية إسطنبول كيلا تنتقل رئاسة البلدية من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب العدالة والتنمية، وأن يفكر في تولي رئاسة حزب الشعب الجمهوري بعد أن يفوز في الانتخابات المحلية، إلا أن إمام أوغلو يعرف جيدا أن هذه مناورة لإبعاده عن التنافس على رئاسة حزب الشعب الجمهوري، وبالتالي يحرّض الإعلاميين المؤيدين له على انتقاد كليتشدار أوغلو ومطالبته بالاستقالة.
إمام أوغلو يدعو كليتشدار أوغلو إلى التنحي عن رئاسة حزب الشعب الجمهوري ويطلب منه دعمه ليتولى رئاسة الحزب بعده، ويتردد في التمرد على كليتشدار أوغلو، ويخاف من الهزيمة في التنافس معه، ويريد أن يسلم رئيس حزب الشعب الجمهوري منصبه إليه "على طبق من ذهب". وهو أمر مستبعد للغاية في الظروف الراهنة، كما أن الزعامة السياسية تتطلب الثقة بالنفس والجرأة على المنافسة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: "ماذا سيفعل إمام أوغلو إن أصر كليتشدار أوغلو على الاحتفاظ بمنصب رئيس حزب الشعب الجمهوري؟". وقد يستنجد رئيس بلدية إسطنبول بأصدقائه في الداخل والخارج ليمارسوا ضغوطا على كليتشدار أوغلو، إلا أن رئيس حزب الشعب الجمهوري يبدو مستعدا للتصدي لمثل تلك الضغوط. ويدور الحديث حول احتمال انشقاق إمام أوغلو عن حزب الشعب الجمهوري ليؤسس حزبا جديدا، إلا أن خطوة كهذه تعد مغامرة كبيرة، في ظل التجارب السابقة التي تؤكد أن نجاح المنشقين عن الأحزاب ذات الجذور ليس مستحيلا ولكنه أمر نادر في تاريخ السياسة التركية.
حزب الشعب الجمهوري دخل في نفق مظلم بعد خسارته في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، وبدلا من قراءة نتائج الانتخابات، ودراسة رسائل الناخبين وتصحيح الأخطاء، ينشغل بمؤامرات بيزنطية يخوضها المتنافسون على رئاسة الحزب. ويخشى أنصار حزب الشعب الجمهوري من أن يؤدي هذا الصراع الداخلي إلى هزيمة مدوية في الانتخابات المحلية، في ظل مؤشرات تشير إلى أن الأحزاب المتحالفة مع حزب الشعب الجمهوري لن تدعم مرشحيه هذه المرة إلا في حال حصلت على مكاسب كبيرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس