ترك برس
يرى الكاتب والمحلل السياسي التركي يحيى بستان، أن الانقسامات بين تركيا وإيران تبدأ في سوريا، وتتعمق في العراق، وتتحول إلى فجوة في جنوب القوقاز مع أذربيجان.
ويشير بستان في مقال بصحيفة يني شفق إلى حدوث تطورات مهمة في المنطقة، لافتا إلى تصريح لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، عن الحرب في غزة، يقول فيه إن "التصعيد يمكن أن يتحول إلى دوامة توتر جيوستراتيجي لا يستطيع أحد الهروب منها بسهولة"، وذلك لأن جميع اللاعبين الإقليميين باستثناء تركيا، يرون ما يحدث في غزة فرصة تسهل تحقيق مكاسبهم الاستراتيجية. ولهذا يتجهون إلى سياسات عدوانية.
وهذا ما يفسر قيام إيران بنقل التوتر في غزة إلى اليمن، على بعد مئات الكيلومترات، وضربها باكستان وأربيل بالصواريخ. وكذلك تحديث إسرائيل أهدافها المتعلقة بلبنان وجنوب سوريا، واستهدافها لكبار القادة الإيرانيين في سوريا. بحسب الكاتب.
"كما يظهر الروس وجودهم في منطقة هضبة الجولان في هذا الإطار. ويمكن تفسير إرسال الولايات المتحدة للسفن الحربية إلى المنطقة واستهدافها لقوى إيرانية وكيلة في العراق وسوريا من نفس المنظور. وتعتبر هجمات تنظيم "بي كي كي" الإرهابي ـ الذي يعمل كوكيل لعدة جهات فاعلة ـ على جنودنا في شمال العراق، جزءًا من نفس السياق".
وأكد بستان أنه في ظل هذه الظروف الصعبة زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أنقرة، والتقى بالرئيس أردوغان في إطار الاجتماع الثامن لمجلس التعاون رفيع المستوى بين البلدين، الذي تم تأجيله إلى بسبب هجوم إرهابي في إيران. وتناول الاجتماع مجموعة من القضايا الإقليمية الشائكة بما في ذلك غزة والعراق وسوريا وجنوب القوقاز وباكستان.
ففي غزة - يضيف بستان - يلتقي النهج التركي الإيراني في السياق الإنساني. لكن الانقسامات تبدأ في سوريا، وتتعمق في العراق، وتتحول إلى فجوة في جنوب القوقاز مع أذربيجان. فهناك مصالح مشتركة وتهديدات ومجالات للتعاون، لكن الفجوة تتسع تدريجياً نحو الشمال. وكان القوقاز حتى وقت قريب القضية الأكثر سخونة في العلاقات الثنائية. ويبدو أنه قد حلَّ مكانه وجود تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في سوريا والعراق.
في الأسبوع الماضي قدَّم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى البرلمان التركي معلومات مهمة عن التطورات الأخيرة، عقب الهجمات الإرهابية في شمال العراق، وتضمنت تلك المعلومات تأكيداً مهماً، لم يحظَ بالاهتمام الكافي، فقد حدد فيدان الدول التي ترتبط بعلاقات مع تنظيم "بي كي كي" الإرهابي واحدة تلو الأخرى.
وشدد على أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تدعم التنظيم بحجة محاربة داعش. كما أشار إلى أن روسيا تتغاضى عن أنشطة تنظيم "بي كي كي" في غرب نهر الفرات. ولم يغفل فيدان ذكر إيران أيضًا.
وباختصار، قال إن هناك معسكرات مسلحة لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي على طول الحدود الإيرانية، وهناك امتدادات لـتنظيم "بي كي كي" داخل إيران. ونتيجة لصعوبة استقطاب عناصر جديدة في تركيا، يسعى تنظيم "بي كي كي" الإرهابي إلى توسيع نفوذه من خلال سوريا وإيران.
وتطالب تركيا إيران بالتعاون في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مكافحة تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في العراق وسوريا، و"بجاك" (PJAK) الجناح الإيراني لـ "بي كي كي" الإرهابي.
وقد أكد الرئيس رجب طيب أردوغان ذلك بقوة في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي. ورغم أن الرئيس الإيراني قال إن "أمن تركيا هو أمننا"، إلا أنه لم يصرح بذكر أسماء المنظمات الإرهابية ذات الصلة، باستثناء تنظيم داعش.
وبحسب بستان، يعد شمالي العراق وسوريا مصدراً لتهديد الإرهاب بالنسبة لتركيا. ولدى إيران أيضًا خطط خاصة بهذين المنطقتين. لكنها تتعارض مع نهج تركيا وحساسياتها. ويمكن القول إن هذا الاختلاف سيزداد عمقًا في الفترة المقبلة.
وتابع المقال: لا يمكن لإيران أن تتفق مع حكومة بارزاني في العراق. فقد قصفت أربيل بالصواريخ الأسبوع الماضي، بحجة استهداف عناصر الموساد في المنطقة. وتدعم إيران التحالف الثلاثي في العراق ضد بارزاني والذي يهدد أيضًا أمن تركيا، ويعتمد هذا التحالف على التعاون بين تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، وفصائل "الحشد الشعبي"، وحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة بافل طالباني. ويعمل "بي كي كي" وطالباني مع الولايات المتحدة من جهة ومع إيران من جهة أخرى.
وتفيد المعلومات الواردة من المنطقة أن هذا التحالف سيزيد من التوترات في شمال العراق لتغيير التوازنات مع قدوم أشهر الربيع، مما قد يؤدي إلى صراعات داخلية. وأي توتر يحقق فيه "بي كي كي" الإرهابي وطالباني مكاسب على الأرض سيهدد أمن تركيا.
تولي أنقرة اهتماماً بضمان أمن واستقرار بغداد. وفي هذا الإطار تشكل حوار قوي بين البلدين يستند إلى مبدأ المنفعة المتبادلة، ويعد مشروع طريق التنمية ـ الذي هو في جوهره خطة أمنية ـ أحد ثمار هذا الحوار.
في 19 كانون الأول/ديسمبر،عُقدت قمة أمنية تركية عراقية في أنقرة. وبعد هذه القمة صنفت العراق "بي كي كي" كمنظمة إرهابية لأول مرة. عقب ذلك وقعت هجمات إرهابية في شمال العراق. ولم تصب أنقرة كامل اهتمامها على تنظيم "بي كي كي" الإرهابي فقط، بل ركزت أيضًا على بافل طالباني. ووجهت له تحذيرات واضحة. والجدير بالذكر أن طالباني لا يستمع إلى التحذيرات التركية. فقد تعرضت البنية التحتية للطاقة لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي في شمال سوريا للقصف بطائرات بدون طيار، ولكن واصل طالباني التعاون مع "بي كي كي"، حيث سعى إلى تلبية احتياجات التنظيم الإرهابي من الطاقة.
أجرى رئيس رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن، زيارة مفاجئة إلى بغداد مؤخرًا، والتقى بالرئيس العراقي، عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني. ويبدو أن هذه الزيارة (والتطورات الأخرى) قد أزعجت الجانب الطالباني.
وقامت وسائل الإعلام التابعة للطلاباني بنشر تقارير عن نتائج اجتماعات قالن وفيدان تضمنت ما يلي:
ـ أنقرة تطالب العراق بإصدار قرار برلماني يعترف بـ "بي كي كي" كمنظمة إرهابية.
ـ تم إرسال مواقع تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في العراق إلى بغداد، والتأكيد على أن هذه النقاط هي أهداف مفتوحة لتركيا.
ـ ألمح رئيس الوزراء العراقي السوداني بأنه لن يعارض العمليات التركية مع التعبير عن قلق.
يبدو أن المنطقة ستشهد نشاطًا كبيرًا مع حلول فصل الربيع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!