ترك برس
تباينت آراء الخبراء والمحللين السياسيين بشأن تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، التي أعلن فيها عن صفقة لتزويد مصر بالطائرات المسيرة تركية الصنع قبل أيام من زيارة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى مصر.
وفي تقرير حول العلاقات التركية-المصرية، أشار موقع قناة الحرة إلى أنه قبل الزيارة المقررة للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى القاهرة، وهي الأولى منذ 2012 وفي عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كشف وزير خارجيته فيدان عن قضية لم يسبق أن تطرق إليها البلدان من قبل، معلنا موافقة بلاده على توريد مسيّرات قتالية إلى مصر.
وبحسب التقرير، تعطي هاتان الخطوتان مؤشرا على أن العلاقة بين تركيا ومصر وصلت إلى مستويات "أكثر إيجابية" خلافا للمرحلة التي فرضها تولي السيسي الحكم بعد إطاحته في 2013 الرئيس الإسلامي محمد مرسي، متسائلا: "فما الذي تغيّر وما المتوقع على صعيد المستوى الثنائي والإقليمي؟".
فيدان قال إن "عملية التطبيع اكتملت بشكل كبير"، وإن "العلاقات بين البلدين مهمة للأمن والتجارة في المنطقة"، مضيفا بعد إثارته قضية الطائرات من دون طيار: "يجب أن تربطنا علاقات جدية بمصر من أجل الأمن في البحر الأبيض المتوسط".
ولم يصدر أي تعليق رسمي مصري بشأن قضية الطائرات "القتالية"، وطلب توريدها، ومن ثم الاتفاق التركي، ويوضح مدير تحرير صحيفة "الأهرام"، أشرف العشري لموقع "الحرة" أن الأوساط الإعلامية تنتظر ردا رسميا بشأن ما أعلنه وزير الخارجية التركية.
ومع ذلك يشير إلى أن العلاقات المصرية-التركية أخذت أكثر من بعد إيجابي خلال الفترة الأخيرة، و"جاري العمل لحل القضية الخلافية المتعلقة بعناصر جماعة الإخوان المسلمين، وتسليمهم للقاهرة".
ويتم العمل أيضا "على تنقية العلاقات على مستوى الخلافات المتعلقة بليبيا وغاز شرق المتوسط والتطورات الخاصة بتنافس الدور المصري والتركي في الإقليم"، وفق العشري.
لأعوام، مثلت ملفات جماعة الإخوان المسلمين، وشرق المتوسط، وليبيا، القضايا الخلافية الأبرز بين القاهرة وأنقرة.
ومنذ فتح الباب الأول لعملية التطبيع التدريجي، شكّل البلدان لجان استكشافية استمر عملها بين العاصمة المصرية والتركية لأكثر من عام، من أجل حل النقاط العالقة بالملفات المذكورة.
وبعد أخذ ورد وتصريحات بالإيجاب والسلب انتهى عقد من القطيعة رسميا بمصافحة بين إردوغان والسيسي في قطر، في نوفمبر 2022، واتجاههما بعد ذلك إلى اتخاذ قرار تعيين السفراء بشكل متبادل، في يوليو 2023.
ويعتقد الباحث السياسي المختص بالشأن التركي، محمود علوش، أن زيارة إردوغان للقاهرة "ستُتوج الوضع الجديد في العلاقات منذ إصلاحها وإعادة تبادل السفراء"، لكن ذلك لا يعني أن جميع الخلافات التي كانت قائمة انتهت.
ويضيف لموقع "الحرة" أن "القضية الوحيدة التي يُمكن القول إنها لم تعد مؤثرة بقوة في العلاقات كما السابق هي ملف الإخوان المسلمين، خصوصا بعد أن ابتعدت أنقرة عن الجماعة".
وسيبقى أيضا الملف الليبي إحدى القضايا المعقدة في العلاقات الجديدة، كما يرى الباحث وكذلك الوضع في شرق البحر المتوسط.
ويشير الصحفي أشرف العشري إلى "وجود تفاهمات بعدما سعت تركيا إلى علاقات إيجابية مع مصر طيلة الفترة الأخيرة".
ويعتقد أن زيارة إردوغان المقررة في 14 فبراير الحالي "سيتم خلالها تسوية القضايا وكل ما يتعلق بالخلافات بما فيها جماعة الإخوان وترتيبات العلاقات على المستوى الثنائي أو الإقليمي، وخاصة ليبيا".
وقد يكون هناك تعاون وبحث ضم تركيا إلى "منتدى غاز المتوسط"، حسب الصحفي المصري.
ويجب النظر إلى "المشتركات" بين تركيا ومصر وعند تقييم العلاقة الحالية بينهما، كما يوضح المحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو.
ويعتبر في حديثه لموقع "الحرة" أن "المشكلات التي تتعرض لها مصر بحاجة إلى تغيير ونوع من أنواع الاستراتيجية والتكتيك الجديد".
وفيما يتعلق بتركيا، يضيف رضوان أوغلو أنها "بحاجة للعلاقات على المستوى الكبير مع مصر، كون الأخيرة تحظى بواقع عربي وأفريقي كبير".
وهناك حاجة تركية أيضا للقاهرة، كون مصر تعد سوقا تجاريا ضخما، فضلا عن أنها جزء من المحور العربي، الذي كانت أنقرة قد فتحت الأبواب معه بشكل كامل مؤخرا، وكما حصل مع السعودية ودولة الإمارات.
"دائرة نار كاملة"
المحلل رضوان أوغلو يشير إلى أن مصر تعاني من مشكلات الحرب الداخلية في السودان وحالة من عدم الاستقرار في ليبيا، إضافة إلى مشكلة المياه مع إثيوبيا.
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي تحوّلت "الحرب" إلى أراضيها، في إشارة من المحلل لما يجري في قطاع غزة ومنطقة رفح الحدودية.
ويضيف: "الواضح أن مصر في دائرة نار كاملة ولابد من التخلص من هذه المشكلة بتوسيع العلاقات والصداقات والاستراتيجيات، وهو ما يحصل الآن مع تركيا".
ولدى مصر علاقة أكثر من ممتازة مع دول الاتحاد الأوروبي واليونان، و"هي بحاجة الآن لدولة قوية مثل تركيا"، كما يعتقد رضوان أوغلو.
ويوضح الصحفي العشري أن الرغبة في نقل العلاقات إلى مرحلة كبيرة ليست مصرية فحسب، بل من جانب تركيا أيضا.
ويقول إن "زيارة إردوغان ستفتح أفقا كبيرا على المستوى الثنائي وقضايا الإقليم التي مازالت وكانت محل خلافات".
الباحث السياسي التركي علوش يوضح من جانبه أن "إصلاح العلاقات وبناء دبلوماسية القادة بين إردوغان والسيسي يخلقان بيئة أكثر مناسبة لمساعدة البلدين في إدارة مشتركة للقضايا الخلافية، والتركيز على المصالح المشتركة بقدر أكبر من الخلافات".
ويضيف أن "الأزمة بين البلدين كان لها عواقب كبيرة على علاقاتهما ومصالحهما الإقليمية".
ويعتقد الآن أن "إردوغان والسيسي يسعيان للاستفادة من تجربة العقد الماضي وتعويض الفرص الضائعة التي تسببت بها الأزمة".
"مؤشّر علاقة بالمسيّرات"
ووفقا لبيانات رسمية تركية وقّعت شركة "بايكار" المنتجة للطائرات القتالية من دون طيار في عام 2022 عقود تصدير مع 27 دولة، بإجمالي عائدات بلغت 1.18 مليار دولار.
ومن أبرز المُشترين أوكرانيا وبولندا وأذربيجان والمغرب والكويت وإثيوبيا وتركمانستان وقرغيزستان ورومانيا وألبانيا.
وكان لافتا منذ 2022 انضمام الإمارات والسعودية إلى قائمة المشترين أو "التوطين"، وحتى الكشف عن الاتفاق الجديد مع مصر.
ويرى الباحث السياسي علوش أن "مبيعات الأسلحة، خصوصا الطائرات المسيرة، أصبحت إحدى أدوات السياسة الخارجية التركية لبناء النفوذ وتوثيق العلاقات مع دول المنطقة".
وبالطريقة التي تعمل بها هذه المبيعات على توطيد علاقات تركيا الجديدة مع دول الخليج، وفي أفريقيا "فإنها مُصممة أيضا لنفس الغرض مع مصر"، حسب الباحث.
وسبق لتركيا أن باعت إثيوبيا هذا النوع من الطائرات، ويُمكن النظر إلى تزويد مصر أيضا بها، كما يضيف علوش "على أنه مُصمم تركيا لموازنة العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا".
وتواجه مصر تحديات أمنية كبيرة خصوصا في مجال مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.
وقد يساعد حصولها على طائرات مسيرة تركية "على أن تكون أكثر فعالية في مواجهة هذه التحديات"، حسبما يعتقد الباحث السياسي التركي.
ويضيف رضوان أوغلو أن "المسيرات أصبحت عنصرا فعالا في تركيا"، وأن الأخيرة طوّرت بعض العلاقات بدول أفريقية عن طريق إعطائها هذا النوع من السلاح القتالي.
المحلل يوضح أن "المسيرات سياسة خارجية ناجحة وموازية لسياسة تركيا الجديدة، وهي زيادة الأصدقاء وتقليل الأكبر من الأعداد".
ويرى أن "حرب غزة لا يمكن فصل تداعياتها كسبب للتقارب الحاصل على نحو كبير الآن"، لاسيما أن أنقرة أصبح لها مشكلات مع إسرائيل في ظل حكم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو القائم، وكذلك الأمر بالنسبة للقاهرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!