ترك برس
سلط مقال للكاتب الصحفي التركي طه كلينتش، الضوء على "نظرية مثيرةٌ للجدل" متداولة في تركيا حول حركة حماس الفلسطينية، مفادها أن إسرائيل هي التي أسستها.
وقال كلينتش في مقاله بصحيفة يني شفق إنه "في ظل سيطرة الشائعات على الحقائقِ، وتناقلها على ألسنة الملايين في بلادنا، تُطرح نظرية مثيرةٌ للجدل حول حركة حماسِ، مفادها أن "إسرائيل هي من أسست حماس".
وبحسب الكاتب، فإن أصحاب هذه النظرية يستندون إلى سيناريو مُختلق في ذهنهم عن فلسطين في الثمانينيات، حيث يُؤكدونَ أن "إسرائيل قامت بتشكيل مجموعة من الشباب الفلسطينيين المتشددين بهدف إضعافِ ياسرِ عرفات ومنظمة التحريرِ الفلسطينية (فتح)". ويضيفون أن "هذه المجموعة التي هاجمت أهداف فتح بدعم وتوجيه من المخابراتِ الإسرائيليةِ هي من أسستْ حماس لاحقًا".
ولكن لا تتوقف النظرية عندَ هذا الحدّ، بل تواصل رحلتها إلى الحاضرِ، مؤكدة - وفق كلينتش - أن "هجمات إسرائيل على حماس هي جزء من استراتيجية مدروسة، وأن حماس مجرد أداة أعدتها إسرائيل لتدميرِ الشعب الفلسطيني". بل إن بعض المحللين يذهبون أبعد من ذلك فيقولون: "لقد وقع الإسلاميون السياسيون في فخ إسرائيل".
وتابع الكاتب:
هذهِ النظرية ليست بِجديدة، فقد سبق وأن تم تطبيقها على جماعة الإخوان المسلمين، حيث يؤكد البعض أن "البريطانيين هم من أسسوا جماعة الإخوان ووسعوها" وسيطروا عليهم لعقود طويلة. وأن أعضاء الجماعة عملاء للبريطانيين.
وكذلكَ الحال بالنسبة لـ "الربيع العربي"، حيث يرى البعض أنه كان مؤامرة غربية محكمة ضد المسلمين، وأن خططه قد تم وضعها منذ سنوات، ثم أُنشئت الظروف اللازمة، وعندما حان الوقت تم الضغط على "الزر". نعم كلمة "الزر" الغامضة هذه تلعب دورًا محوريًا في هذه التقييمات. ولحكمة ما يبدو أن الزر دائمًا موجود على ظهورنا، والذين يضغطون عليه دائمًا هم الغربيون والجهات الخارجية. ولا يوجد أي ذِكر لِزرٍّ واحد ضغط عليه المسلمونَ، وإذا حدث ذلك، فإن الغرب هو من سمح لهم بالضغط عليه لتحقيق أهدافه الخاصة.
تؤدّي هذه التحليلات المكتبية السطحية إلى حدوث انحراف في الرؤية ومفاهيم خاطئة لأسباب ثلاثة:
أولا: هناك فرق جوهري بين قيام جهات خارجية بإنشاء وتنظيم الحركاتِ والقدرات، وبين استغلال الحركات الموجودة وحرف مسارِها من قبلِ هذه الجهات. وإن الخلط بين هذين الأمرين يُؤدي إلى المبالغة في تقدير قدرات أعداء المسلمين ونسبة القوى الخارقة لهم. فمثلاً قد يُنظر إلى "الموساد" الإسرائيلي على أنه "جهاز استخبارات خارق" يُحقق النجاحات في كل مرة ولا يحيد عن أهدافه، بينما لا يَذكر أحدٌ إخفاقاته وفشله، ونقاط ضعفه الاستخباراتية.
ثانياً: تؤدي التعميمات المُفرطة إلى نتائج خطيرة، حيث تهمل التوازنات المحلية وتكسر سلسلة السبب والنتيجة التي تشكل الأحداث، ممّا يجعلُ فهمَنا للأحداثِ على النحو الصحيح مستحيلاً. فعلى سبيل المثالِ، إذا اعتبرنا أن "الربيع العربي" كان ناتجًا عنْ "تأثيرات خارجية" فقط، فسوف نغفل عن الأسباب الداخلية التي دفعتْ الناسَ إلى الغضب والنزول إلى الشوارع، ممّا يؤدي إلى تبرئة الأنظمةِ الديكتاتورية. وهذه النظرة تلغي قاعدة أساسية، وهي أن "أي قوة خارجية لا تستطيع تنفيذ سيناريوهاتِها دون وجود أسباب داخلية".
ثالثاً: وهو الأهم، أن هذه التفسيرات تصور العالم الإسلامي كساحة مفتوحة لِلجميع ليتدخل ويفعل فيها ما يشاء، وأن المسلمينَ هم ضحايا ساذجون يتعرضونَ دائمونَ للخداع والاستغلال والصفع ويتم إقصاؤهم من اللعبة. لكن الواقعَ يؤكد أنّ الغرب و"القوى الخارجيةَ" ليسوا مُخططين مثاليين كما يتم تصويرهم، وأن المسلمينَ ليسوا عاجزينَ تمامًا. ففي كل لعبة وسيناريو، هناك مفاجآت لا تحصى، ولا تسير الأمور إطلاقاً كما هو مخطط لها منذ البداية.
دائمًا ما أقول للشباب الذين يرغبون في دراسة الشرق الأوسط ويطلبون مني المشورة: أنتم في نفس الوقت محظوظون جدًا وغير محظوظين.
غير محظوظين لأن لديكم 85 مليون منافس، كلهم يتحدثون في هذا المجال كما يشاؤون. لكنكم محظوظون أيضًا لأن هناك فجوات كبيرة في الأدبيات، مما يعني أن أي شيء تكتبونه بطريقة منظمة سيخلد في التاريخ.
في هذه البيئة التي يتحدثُ فيها الجميع، سواء كانوا متخصصين أم لا، ويصدرون أحكامًا دون علم، فإن إصدار تقييمات عقلانية وآراء سليمة يتطلب جهدًا كبيرًا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!