طه كلينتش - يني شفق
نظرا لأن مجال عملي الأساسي منذ سنوات هو الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، فإن عملي يزداد كثافة في أوقات الأزمات بشكل خاص. فأَصلُ ليلي بنهاري بين المؤتمرات والندوات وجلسات الاستشارة الخاصة ومجموعات تحليل الكتب والبث المباشر والمقابلات، وفي هذه الفترات تتاح لي فرصة السفر إلى مدن مختلفة والالتقاء بأشخاص من مختلف الشرائح.
هناك شيء لاحظته من خلال جميع هذه اللقاءات والمواجهات: وهو أن الشباب بشكل خاص يميلون إلى الانجراف نحو بحر اليأس والتشاؤم. وهناك الكثير من العوامل التي تغذي هذا الشعور. من عدم اليقين في الحياة الشخصية والأهداف إلى الاضطرابات التي تعصف بالعالم الإسلامي، هناك شعور بأننا "أينما اتجهنا نواجه الفشل". فيتحول اليأس إلى قنوط، والقنوط إلى خمول وعجز عن العمل.
ألاحظ خلال حديثي مع الشباب أن الكثير منهم يركز على "أهداف خاطئة" أو يُوجَّهون نحوها. وسأقدم وصفا ملموسا لما أعنيه:
تخيل قاعة مليئة بالمئات من الشباب. وعلى المنصة يقف أحد قادة الرأي يطلق الشعارات الحماسية بطريقة تشبه "العروض المسرحية". ويصرخ قائلا: "أيها الشباب لكي نحرر القدس، يجب على كل منكم أن يكون صلاح الدين، لقد كان فاتح القسطنطينية في سنكم عندما فتحها، يجب أن تكونوا فاتحين". وتطول قائمة الشخصيات التي يؤمر الشباب بأن يكونوا مثلها، بينما تضج القاعة بالحماس . وبعد انتهاء المحاضرة، يغادر الشباب المسلم المتحمس شوارع المدينة وهم يشعرون بأنهم أصبحوا مثل صلاح الدين أو محمد الفاتح، وتشعر الفتيات أنهن سيصبحن أمهات يلدن أمثال السلطان محمد الفاتح. فالدافع موجود، والحماس موجود، والتوجيه والتركيز على الهدف موجود.
ثم مع مرور الوقت، تبدأ حقائق الحياة في الظهور أمامهم. وبما شخصيةً كصلاح الدين الأيوبي أو السلطان محمد الفاتح أو أي شخصية تاريخية أخرى لا يمكن أن تأتي إلا مرة واحدة كل 300 أو 400 عام، وبشروط محددة لا تجتمع إلا في شخص واحد، فإن الشباب الذين لا يحققون "الهدف" يعانون من إحباط معنوي وانهيار نفسي لا يوصف.
لا شك أن دوافع المحفزين للشباب على المسرح ليست سيئة. فهم يفكرون عند طرحهم لأهداف بعيدة وكبيرة: "لنعرض الهدف الأبعد والأكبر، فلو حققه شخص واحد فقط، فهذا مكسب عظيم".
لكن كيف سنعوض الأحلام المحطمة، والعقول المشتتة، والاتجاهات الضائعة، واليأس الذي يعشش في نفوس الشباب؟ كيف يمكن للجميع أن يكونوا صلاح الدين في نفس الوقت؟ هل من السهل أن تكون فاتحا؟ هل يمكن أن يصبح جميع من في القاعة صلاح الدين؟
يواجهني الكثير من الشباب بالشكوى من شعورهم بالتعب العاطفي والفكري الشديد. يقولون لي: "لا شيء يتغير ولا يتحسن. انظر إلى غزة، انظر إلى مصر، انظر إلى سوريا، انظر إلى شرق تركستان... لا أرى أي شيء يمكني فعله. كل ما أفعله بنفسي يبدو بلا معنى وبلا فائدة". وقصة جميع هؤلاء الشباب متشابهة تقريبا: لقد حَدَّدَ لهم من سبقهم "أهدافا" بعيدة عن واقع الحياة ومنفصلة عن شروطها الحالية. وانتهى بهم المطاف في مستنقع عاطفي وحلقة مفرغة.
لذا سأقدم المثال التالي لجميع الشباب الذين أتحدث إليهم أو الذين يشاركوني همومهم:
لا شك أن انتصار صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين عام 1187 كان علامة فارقة في التاريخ الإسلامي، حيث استعاد القدس من الصليبيين. ولكن من المهم أن نتذكر أن هذا الانتصار كان نتاجا لعمل جماعي ضخم قام به آلاف الأشخاص من مختلف الرتب والمهن. كان عدد الجيش الإسلامي في ذلك الوقت حوالي 40 ألف شخص، لكن عدد الأشخاص الذين نعرف أسماءهم لا يتجاوز 100 شخص. نعرف اسم صلاح الدين ورجاله المقربين والقادة والمستشارين والمؤرخين، ولكن ماذا عن الباقين؟ كان هناك من يمهد الطريق للجيش وينشئ الجسور. وكان هناك من يقشر البطاطس ويقطع البصل ليطعم كل هذا العدد من الناس. وكان هناك من ينصب خيام الجيش ويجمع الحطب ويشعل النار. والأهم من ذلك كله، الحدادون الذين صنعوا حدوات الخيول. لا يسجل التاريخ أسماء جميع هؤلاء الأشخاص الذين قاموا بالخدمات الأخرى وساهموا في تحقيق النصر. فهل يمكننا القول إن عمل الحداد، على سبيل المثال، كان غير ضروري أو أقل أهمية من دور صلاح الدين؟
لذلك، يجب أن ننظر إلى الأمر من منظور آخر:
لكل منا دور يمكنه القيام به، اعتمادا على موقعنا وقدراتنا وظروفنا. يجب أن نبتعد عن فخ اليأس وأن نسأل أنفسنا دائما: "ما هو دورنا؟" بغض النظر عن ما تقوله الشعارات والخطابات الحماسية والهتافات، يجب أن نتذكر أن النصر لا يتحقق إلا من خلال مشاريع طويلة الأمد معقولة وقابلة للتطبيق.
لا يبدو أن هناك أي مخرج آخر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس