د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

 من صحابة رسول الله ﷺ الكرام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة الذين نزلت فيهم آيات من القرآن الكريم، ومن الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنه، وأحد الستة من أهل الشورى الذين تُوُفِّي رسول الله ﷺ وهو راضٍ عنهم، ومن الذين كانوا مع رسول الله ﷺ على الجبل فتحرَّك بهم، والذي قال عنه رسول الله (ﷺ) "من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله"،  كما سماه النبي يوم أحد "طلحة الخير" وفي غزوة ذي العشيرة "طلحة الفياض" ويوم خيبر "طلحة الجود".

اسمه ونسبه وكنيته:

هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لـؤي بن غالب القرشي التيمي، يجتمع مع النبي ﷺ في مرة بن كعب، وأمه رضي الله عنه: الصعبة بنت الحضرمي امرأة من أهل اليمن، وهي أخت العلاء بن الحضرمي، أسلمت ولها صحبة، وظفرت بشرف الهجرة.

إسلامه:

اتفق أهل المغازي والسير على أن طلحة كان من السابقين إلى الإسلام، وقال المسعودي الإمامي بعد أن ذكر إسلام عثمان ابن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص، وطلحة بن عبيد الله، على يد الصديق: «فهؤلاء النفر سبقوا الناس بالإيمان»، وذكر في إسلام طلحة قولان: الأول: دعوة أبي بكر الصديق له للإسلام» وقد اشتهر هذا بين أهل السير والمغازي؟ والثاني: لْقَاؤه براهب في بصري، ذكر له قرب مبعث النبي ﷺ فعاد إلى مكة فسأل أبا بكر فدله على النبي ﷺ فأسلم.

ابتلاؤه وهجرته:

 أوذي طلحة (رضي الله عنه) في الله ولقي أذى كبيراً من المشركين ومن عشيرته الأقربين، وبقي طلحة (رضي الله عنه) صابراً على الأذى والعذاب، حتى أذن الله عز وجل بالهجرة، ولما ارتحل رسول الله ﷺ مهاجراً إلى المدينة لقيه طلحة قادماً من الشام في عير، فكسا رسول الله ﷺ وأبا بكر من ثياب الشام، ثم مضى طلحة إلى مكة حتى فرغ من حاجته، ثمّ خرج بعد ذلك بآل أبي بكر؛ فهو الذي قدم بهم المدينة، فطلحة من المهاجرين الأوّلين (رضي الله عنهم)، ولما قدم المدينة آخى رسول الله ﷺ بينه وبين أبي أيوب الأنصاري.

إنفاقه في سبيل الله:

عن قبيصة بن جابر قال: صحبت طلحة، فما رأيت أعطى لجزيل مالٍ من غير مسألة منه،،  وعن موسى عن أبيه طلحة: أنه أتاه مال من حضرموت سبعمئة ألف، فبات ليلته يتململ، فقال: ما ظنّ رجل بربه يبيت، وهذا المال في بيته؟ قالت: فأين أنت عن بعض أخلائك، فإذا أصبحت، فادع بجفان وقصاع فقسمه، فقال لها: رحمك الله إنك موفقة بنت موفق، وهي أم كلثوم بنت الصديق، فلما أصبح دعا بجفان، فقسمَها بين المهاجرين والأنصار، فبعث إلى عليّ منها بجفنة، فقالت له زوجته: أبا محمد، أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟ قال: فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقي قالت: فكانت صرة فيها نحو ألف درهم. وعن سُعدى بنت عوف المرية، قالت: دخلت على طلحة يوماً وهو خاثر، فقلت: مالك؟ لعل رأبك من أهلك شيء؟ قال: لا والله، نعم خليلة المسلم أنتِ، ولكن مالٌ عندي قد غمَّني، فقلت: ما يغُمُّك؟ عليك بقومك، قال: يا غلام ادع لي قومي، فقسّمه فيهم، فسألت الخازن: كم أعطى؟ قال: أربعمئة ألف.

وعن الحسن البصري: أن طلحة بن عُبيد الله باع أرضاً له بسبعمئة ألفٍ، فبات أرقاً من مخافة ذلك المال، حتى أصبح ففرَّقه. وعن عليّ بن زيد قال: جاء أعرابي إلى طلحة يسأله، فتقرب إليه برحم، فقال: إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك، إن لي أرضاً قد أعطاني بها عثمان ثلاثمئة ألف فاقبضها، وإن شئت بعتها من عثمان ودفعت إليك الثمن، فقال: الثمن، فأعطاه. وكان (رضي الله عنه) لا يدع أحداً من بني تيم عائلاً إلا كفاه وقضى دينه، وكان يرسل لعائشة أم المؤمنين كل سنة بعشرة آلاف، إنه طلحة الخير وطلحة الفياض وطلحة الجود، وقد سمّاه رسول الله ﷺ بالفياض لسعـة عطائه وكثرة إنفاقـه في وجوه الخير، فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى موسى بن طلحة: أن طلحة نحر جزوراً وحفر بئراً يوم ذي قـرد، فأطعمهم وسقاهم فقال النبي ﷺ: «يا طلحـة الفياض»، فسمي طلحة الفياض.

من فرائد أقواله ودُرَر جواهر كلامه:

ومن أقواله: إن أقلّ عيب الرجل جلوسه في بيته، ومما حفظ عنه قوله: الكسوة تظهر النّعمة، والإحسان إلى الخادم يكبت الأعداء، ولطلحة ـ رضي الله عنه ـ آراء ثاقبة وصحيحة في الناس، فكان لا يشاور بخيلاً في صلة، ولا جباناً في حرب.

جهاده واستشهاده:

في غزوة بدر:

كان طلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه) كلّف بتحسس عير قريش، وذلك لما تحيّن رسول الله ﷺ وصول عير من الشام لقريش، فقد بعث ﷺ طلحة وسعيد بن زيد رضي الله عنهما يأتيانه بالأخبار، فخرجا وبلغا الحوراء، فلم يزالا مقيمين هناك حتى مرت العير، فتساحلت، فعادا إلى المدينة بالأخبار، كان رسول الله ﷺ قد خرج بالمسلمين في غزوة بدر، فأسرعا لينضما إلى الجيش، إلا أنهما لم يدركا المعركة، وضرب لهما رسول الله ﷺ بسهمهما وأجورهما، سهم كالمقاتلين وأجر كالمجاهدين.

في غزوة أحد:

عن قيس بن حازم قال: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي ﷺ يوم أحد. وجُرح في تلك الغزوة تسعاً وثلاثين، أو خمساً وثلاثين، وشُلّت إصبعه أي: السبابة والتي تليها. وروى أبو داود الطيالسي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحُد قال: ذلك اليوم كله لطلحة. وعن عائشة وأم إسحاق بنتي طلحة قالتا: جُرح أبونا يوم أُحُد أربعـاً وعشرين جراحـة، وقع منها في رأسه شجة مربعة، وقُطع نساه ـ يعني العرق ـ وشُلَّت أصبعه، وكان سائر الجراح في جسده، وغلبه الغَشي ـ الإغماء ـ ورسول الله ﷺ ـ يرجع به القهقرى؛ كلما أدركه أحد من المشركين، قاتل دونـه حتى أسنـده إلى الشعب، حتى قال عنـه ﷺ: «أوجب طلحـة حين صنع برسول الله ما صنع».

شهيد يمشي على الأرض:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ كان على جبل حراء، فتحرك. فقال رسول الله ﷺ: «اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد»، وعليه النبي ﷺ وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنهم، فلما علم طلحة بأنه سيموت شهيداً وذلك بعد أن سمع تلك البشرى من الحبيب المصطفى ﷺ، ظل يبحث عن الشهادة في مظانها، فشهد المشاهد كلها مع النبي ﷺ عدا غزوة بدر، فقد كان في مهمة كلَّفه بها رسول الله ﷺ كما مرّ معنا، وقال عنه النبي ﷺ: «من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله».

شهادة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه:

لما حضر يوم الجمل، واجتمع به علي فوعظه، تأخَّر فوقف في بعض الصفوف، فجاءه سهم غرب فوقع في ركبته، وقيل: في رقبته، والأول أشهر، وانتظم السهم مع ساقه خاصرة الفرس فجمح به حتى كاد يلقيه، وجعل يقول: إليّ عباد الله، فأدركه مولى له، فركب وراءه وأدخله البصرة، فمات بدار فيها، ويقال: إنه مات بالمعركة، وإن علياً لما دار بين القتلى رآه، فجعل يمسح عن وجهه التراب ، ثم قال: عزيز عليّ أبا محمد أن أراك مُجندلاً في الأودية، ثم قال: إلى الله أشكو عُجري وبُجري، وترحم عليه، وقال: ليتني مِتُّ قبل هذا بعشرين سنة، ولا شك أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه من أهل الجنة، فقد روى الترمذي بإسناده إلى عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله ﷺ: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة». ثم قال: وقد روى هذا الحديث، عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه، عن سعيد بن زيد، عن النبي ﷺ نحو هذا؛ ففي هذا الحديث منقبة واضحة لطلحة رضي الله عنه، حيث شهد له النبي ﷺ أنه من أهل الجنة، وأكرم بها من شهادة، فإنها تضمنت الإخبار بسعادته في الدنيا والآخرة.


المراجع:

طلحة بن عبيد الله، حافظ أسدرم، مركز البحوث والدراسات بمبرة الآل والأصحاب، ط1، 2014، ص 27.
علي بن أبي طالب، علي الصلابي، ط8، دار المعرفة، بيروت، 2011م، ص 502-506.
سير أعلام النبلاء للذهبي (1/30-32).
البداية والنهاية، ابن كثير، (7/258).

عن الكاتب

د. علي محمد الصلّابي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس