ترك برس
أكد السياسي التركي والنائب السابق في حزب العدالة والتنمية الحاكم ياسين أقطاي، أنه "لا مستقبل لأي جامعة في عالمنا لا ترى الحقائق التي تكشفها غزة وتسلط عليها الضوء".
وفي مقال بصحيفة يني شفق، قال أقطاي إن موجات طوفان الأقصى تُواصل اشتدادها يوما بعد يوم؛ "ويبدو أن كل من يتجاهل هذا الطوفان أو يقف مكتوف الأيدي تجاهه، محكوم عليه بالغرق في أمواجه العاتية".
واستشهد أقطاي بتصريح ليحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في عام 2017 لمراسل بي بي سي، قال فيه: "إن حركة ستبدأ في غزة ستؤثر على العالم بأسره، بل ستحدث تغييرا في جميع أنحاء العالم".
وأضاف: "في الواقع تؤكد هذه التصريحات على عمق الرؤية الاستراتيجية والوعي لدى قيادة حماس".
ولفت إلى أن غزة وفلسطين تتعرضان بشكل عام منذ 75 عاما لكل أنواع الظلم، من قِبل نظام احتلالي غير مسبوق. لكن في نفس الوقت، تظهر مقاومة لا مثيل لها من حيث الحكمة والجودة مقارنة بكافة حركات المقاومة الأخرى ضد أنظمة الاحتلال. فغالبا ما تنتهي حركات المقاومة ضد الاحتلالات الأخرى في التاريخ بالتحول إلى حركات انتقامية وثأرية. وينتهي الأمر بمعظمهم إلى تبني جميع ثقافات وقيم وأنماط حياة المحتلين الذين طردوهم، مما يؤدي إلى هزيمتهم ذهنيا أيضاً. يمكن رؤية ذلك في الهند، وفي شمال إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وفي كل مكان آخر. وبالتالي فإن أحد النتائج الأكثر شيوعا لحركات المقاومة ضد المحتلين هو أن المقاومين يصبحون بمرور الوقت نسخاً مطابقة لأعدائهم. لقد تنبأ علي عزت بيجوفيتش بهذا، في كفاحه ضد حرب الإبادة الجماعية الصربية، وحذر من أنه إذا لم يتم الانتباه، فقد يحدث ذلك لهم أيضا. حيث قال مقولته التاريخية: "لا تخسر الحرب عندما تهزم في ساحة المعركة، بل عندما تصبح شبيها لعدوك".
وقال إن اللجوء إلى أساليب العدو الوحشية، كقتل الأطفال واغتصاب الأسرى وتعذيبهم ومحاولة الانتقام، عندما تسنح الفرصة، يعد هزيمة نكراء، بل إن محاكاة سلوكيات العدو الذي تقاتله، وتبني أسلوب حياته، يعتبر من أعظم أنواع الخزي والهوان.
وتابع المقال:
إن أجمل ما يميز النضال الفلسطيني عن غيره هو رفضه التام لتقليد المحتل الصهيوني، فرغم كل ما واجهه أهل غزة من ظلم، لم يفقدوا كرامتهم ورؤيتهم الواسعة وفلسفتهم العميقة للحياة، بل قدموها للعالم بعزة أكبر. إنهم لا يطلبون من العالم مجرد مد يد عون ضد إسرائيل مرتكبة الإبادة الجماعية في غزة، بل يدعون البشرية جمعاء إلى رؤية ومقاومة هذا النظام الإبادي الكاذب والاستعماري والمحتال الذي استعبد العالم بأسره. فأهل غزة يدعون العالم إلى اليقظة، ورؤية حالهم، واتخاذ التدابير اللازمة لمقاومة النظام الاستعماري الذي تغلغل في أعماقهم. ومن خلال إعلانهم عن الطوفان يحذرون من كارثة وشيكة تزداد حدة يوما بعد يوم، ويدعون البشرية إلى ركوب سفينة النجاة.
إن الاحتجاجات التي اندلعت في الجامعات الأمريكية وانتشرت منها إلى جميع أنحاء العالم تشير إلى أن الدعوة بدأت تجد آذانا صاغية. إن ردود فعل الحكومة على الاحتجاجات التي بدأت في الجامعات الأمريكية، بما في ذلك خطابات نتنياهو التي هي بمثابة توجيهات مباشرة إلى الجامعات وتدخلات الشرطة، تسلط الضوء بشكل متزايد على قضايا تتجاوز مسألة غزة لتشمل أوضاع المجتمع الأمريكي. ومن المرجح أن يتحول النقاش سريعا من تركيزه على الدفاع الإنساني عن أطفال غزة، إلى نقاش حول حالة الحريات في أمريكا، واستقلالية الجامعات، وحرية التعبير والبحث العلمي، ومستقبل الديمقراطية، وأخطار النزعات الاستعمارية الأمريكية، وسياساتها الداخلية والخارجية التي تسيطر عليها إسرائيل. تشير هذه النقاشات إلى أن الأمور لن تستمر كما كانت في الماضي، في الولايات المتحدة وعلى الساحة السياسية العالمية، وحتى في الشرق الأوسط.
إن الضغوط الحكومية التي تُمارَس على المظاهرات الطلابية الداعمة لفلسطين في الولايات المتحدة، والتي لم تمارس أبدا ضد احتجاجات أخرى، تظهر بوضوح أن هذه المظاهرات قد لامست نقطة ضعف حقيقية. كلما زادت الحكومة من ضغوطها، وكلما قمعت الشرطة بشدة، المظاهراتِ التي تناشد الضمائر ضد إبادة جماعية واضحة، ازدادت قوة الرياح التي تدفع نحو التغيير. عندما تبلغ القوى العظمى ذروة قوتها تبدأ بالتغاضي عن صورتها، وتتصرف بأفعال تتناقض مع ما تقوله دائما، فتدق بذلك مسامير نعشها.
وبالمناسبة يمكننا أن نلاحظ وجود تشابه بين أحداث الجامعات التي أشعلتها غزة وأحداث عام 68، حيث يمكننا القول إن "التاريخ يعيد نفسه". فكما تعلمون بدأت الثورة الطلابية عام 68، في جميع أنحاء العالم كحركة تمرد ضد أنظمة "الستار الحديدي" الاشتراكية، وضد الرأسمالية والأنظمة الشمولية والقمعية، بينما اتخذت مسارا مختلفا تماما في تركيا.
ورغم ذلك يجب ألا ننكر وجود مظاهرات تضامن مع غزة في جميع جامعات تركيا بشكل متزايد، والتي ترسل تحية للمظاهرات الجامعية في جميع أنحاء العالم. ولكن ألا يستحق غياب أي أثر لهذه الحركة العالمية في أوساط الجامعات التي تحدث ضجة كبيرة بسبب تغيير رئيس جامعة، والتي رفعت رايات الحرية الفردية والعلمية والجنسية، اهتماما خاصا؟
في الواقع تجبرنا غزة على إعادة النظر في النظام العالمي بأسره، وسرديات الحرية الفردية، وكل النظريات المتعلقة بالعلاقات الدولية، والفلسفة، وعلم الاجتماع، والتاريخ، وتاريخ الأديان، والشريعة، من منظور جديد تماما. بعبارة أخرى، لا مستقبل لأي جامعة في عالمنا لا ترى الحقائق التي تكشفها غزة وتسلط عليها الضوء.
لذلك لا يمكن للجامعات التي تدرك قيمة ذاتها أن تكون محايدة وتكتفي بمشاهدة ما يجري. أما أولئك الذين يبقون محايدين ويكتفون بالمشاهدة، فسيفقدون بسرعة الصفات التي تميز الجامعة والجودة التي تتطلبها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!