ترك برس
توقع الخبير والمحلل السياسي التركي إبراهيم ألاجوز، أن يلعب الاتفاق البحري الذي أبرمته تركيا مع الصومال دوراً مهماً في دعم الجهود الدولية المبذولة لضمان الأمن قبالة السواحل الصومالية، وأن يفتح آفاقاً واسعة لتعزيز التنمية الاقتصادية في الدول الساحلية.
وفي 8 من فبراير/شباط الماضي، التقى وزير الدفاع التركي، يشار غولر، ونظيره الصومالي، عبد القادر محمد نور في العاصمة التركية أنقرة لتوقيع الاتفاق الإطاري بشأن التعاون الدفاعي والاقتصادي.
ووافق في 21 فبراير/شباط الماضي، البرلمان الصومالي على الاتفاقية التي تيسّر إنشاء قوة بحرية مشتركة، كما تعهدت تركيا بحماية المياه الصومالية لمدة عشر سنوات والمساعدة في تطوير الموارد البحرية للبلاد.
ويقول ألاجوز في مقال نشره مركز سيتا التركي للدراسات، إن الاتفاق يعد خطوة فريدة نحو تعزيز قدرات الصومال في المجالين الاقتصادي والأمني، مع إمكانية تحقيقه آثاراً إيجابية واسعة النطاق على المنطقة، ما يتطلب دعماً من الفاعلين الدوليين.
ويضيف: تعتبر الموارد المالية الدولية وتدفقاتها محدودة بطبيعتها، ولا يمكن ضمان استدامتها على المدى الطويل، فما التوقعات المرتبطة بالاتفاقية؟ وكيف يمكن أن تُسهم في تعزيز الأمن الإقليمي وتحسين رفاهية الأفراد بمجرد دخولها حيّز التنفيذ؟
وأوضح أن القرن الإفريقي ظل لفترة طويلة منطقة ذات أهمية كبيرة في صراع القوى العظمى خلال الحرب الباردة بسبب موقعه الاستراتيجي الذي جعله ساحةً للصراع بالوكالة بين القوتين العظميين، ورغم تراجع أهميته الاستراتيجية بعد انتهاء الحرب، فإنه عاد الاهتمام به مجدداً في إطار ما يُسمى الحرب العالمية على الإرهاب.
ويتميز القرن الإفريقي - وفق الكاتب - بموقعه على البحر الأحمر وخليج عدن، ويجاور المملكة العربية السعودية واليمن على طول مضيق باب المندب، وهو بوابة للمحيط الهندي وممر حيوي للبحر الأحمر.
وشهد القرن الإفريقي بعضاً من أعنف الحروب التقليدية في القرن العشرين، كان أبرزها حرب إثيوبيا والصومال (1977-1978) والصراع الحدودي بين إثيوبيا وإريتريا (1999-2000).
ومع ذلك، ربما لم يرق أي حدث سياسي آخر في القرن الإفريقي إلى مستوى التحولات الجذرية التي أحدثها تفكك الدولة الصومالية عام 1991. ونتج عن ذلك تحديان رئيسيان أمام بنية الأمن الدولي، وهما ظهور الإرهاب في أعقاب التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال في أواخر عام 2006، وتهديد القرصنة قبالة سواحل الصومال وخليج عدن. وفق ألاجوز.
وتابع المقال:
تشير هاتان الظاهرتان، الإرهاب والقرصنة، إلى أنه بطريقة أو أُخرى، فإن حالة العنف والعشوائية ارتبطت بكيفية استخدام أسلوب القوة لإرساء النظام في ظل غياب حالة الأمن التي تخلقها مؤسسات الدولة.
منذ عام 1991، ضخّ المجتمع الدولي مبالغ هائلة تقدر بمئات المليارات من الدولارات في مساعي بناء الدولة في الصومال، كما أُنفقت مبالغ مماثلة لمكافحة الإرهاب والقرصنة في خليج عدن.
لا شك أن هذه الخطوات تمثل مغامرة محفوفة بالمخاطر، تتخللها إيجابيات وسلبيات. وغالباً ما تسير الجهود المحلية جنباً إلى جنب مع مساعٍ خارجية، مع وجود احتمال دائم للنجاح أو الفشل.
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، تبقى هذه الجهود مفيدة للمبادرات القادمة. وربما حان الوقت الآن لاستكشاف نهج بديل والمضي إلى الأمام في الصومال.
البحث عن الاستقرار في القرن الإفريقي
في عام 2011، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العاصمة الصومالية، مقديشو، وكان حينها رئيساً للوزراء، تلبية لدعوة الرئيس الصومالي في ذلك الوقت، شريف شيخ أحمد، وكان الصومال يعيش آنذاك في بيئة من الجفاف والمآسي الإنسانية التي أثرت بشدة في حياة الملايين في البلاد.
فيما يتعلق بالصوماليين، تعتبر تلك الزيارة نقطة تحول باعتبارها الأولى لزعيم دولة غير إفريقية منذ عام 1991.
وفي 21 من فبراير/شباط من عام 2024 ، قال الرئيس الصومالي الحالي، حسن شيخ محمود، عبر بيان بعد اجتماع مجلس الوزراء إن “الصومال لديها عديد من الحلفاء والأصدقاء الذين دعموا جهود التعافي. ومع ذلك ، فتركيا واحدة من الدول الصديقة التي تستحق تقديراً خاصاً. لقد دعمت تركيا الصومال في درء المجاعة المدمّرة التي حدثت عام 2011، وكانت زيارة رئيس الوزراء آنذاك أردوغان مهمة”.
افتتحت تلك الزيارة فصلاً جديداً في العلاقات الثنائية بين البلدين، التي تعود إلى القرن السادس عشر. ومنذ عام 2011، حشدت تركيا مبادرات دبلوماسية إنسانية استجابة للاحتياجات الإنسانية الملحة للشعب الصومالي، مثل الغذاء والصحة والمأوى.
عقب تقديم المساعدات الإنسانية، توسعت جهود تركيا لدعم الصومال لتشمل المساعدة الفنية وبناء القدرات في مختلف القطاعات. على سبيل المثال، افتُتحت القاعدة العسكرية التركية “توركسوم” للتدريب العسكري في الصومال في سبتمبر/أيلول من عام 2017، ضمن مساعٍ لتعزيز الأمن، ما يعتبر أحد العناصر الأساسية لبناء الدولة.
ووفرت القاعدة التركية التدريب للجيش الصومالي، الذي كان سيتولى مسؤولية الأمن والحماية في البلاد من قوات الاتحاد الإفريقي. وكان سفير تركيا لدى مقديشو، محمد يلماز الذي خدم في الفترة بين عامي 2018 و2022 كشف أن تركيا في طريقها لتدريب نحو ثلث القوات المسلحة الصومالية، أي ما يقدر بنحو 15 و16 ألف فرد.
وقد سبق هذه الخطوة في عام 2016 افتتاح تركيا أكبر سفارة لها في العاصمة الصومالية مقديشو، وذلك في عهد الرئيس الصومالي الحالي حسن شيخ محمود.
تبرز ثلاثة عناصر رئيسية في مبادرات تركيا في منطقة القرن الإفريقي، وهي: تكريس المساعدات الإنسانية التي تقدمها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية التركية في بناء القدرات، المساهمة في حماية أمن السواحل الصومالية وفق قرار مجلس الأمن الدولي بصفة تركيا عضواً بارزاً في حلف الناتو. فضلاً عن الدور التي تلعبه تركيا في إعادة بناء القطاع الأمني الصومالي والحفاظ على العلاقات الثنائية المتوازنة والاستراتيجية مع دول القرن الإفريقي في مجالات الدفاع والأمن والتجارة.
ويمكن فهم الاتفاق الأخير بين تركيا والصومال على أفضل وجه على خلفية تاريخ العلاقات الثنائية الممتد لـ13 عاماً.
مكاسب محتملة للصومال والمنطقة
تفتح اتفاقية تركيا والصومال آفاقاً واسعة للتعاون والتطور في مجالات عدة، بما في ذلك الاقتصاد والأمن البحري والتنمية الإقليمية.
كما تُقدم إمكانية فتح الباب أمام عملية واسعة النطاق، تشمل مجالاتٍ حيوية، مثل الأمن البحري، وموارد المياه والقطاع السمكي، وتحديث وتطوير المواني، والمواصلات، والخدمات اللوجستية، والسياحة، وخاصة معالجة مشكلة القرصنة قبالة سواحل الصومال.
ويعتبر خط ساحل الصومال الأطول في إفريقيا، إذ يمتد لمسافة 3898 كيلومتراً، بدءاً من جيبوتي في الشمال إلى كينيا في الجنوب، ويضم بعضاً من أكثر النظم البيئية إنتاجية في غرب المحيط الهندي. كما تمتلك الصومال أيضاً منطقة اقتصادية خاصة تبلغ مساحتها نحو مليون كيلومتر مربع، وتمتد لمسافة 200 ميل بحري قبالة الشاطئ.
وعلى الرغم من هذه الثروة، لا تستغل الصومال الإمكانات الاقتصادية لمواردها البحرية بشكل كامل. ويعود ذلك إلى عدة عوامل، أهمها ضعف البنية التحتية لقطاع الصيد والمواد اللوجستية، فضلاً عن المشكلات الأمنية المتعددة التي تُهدد المنطقة البحرية.
وتُعد الصومال عرضة بشكل خاص للصيد غير القانوني وغير المنظم والجرائم المرتبطة به، وذلك بسبب موقعها الجغرافي الفريد وامتلاكها أطول ساحل في القارة.
ويتعرض قطاع صيد الأسماك في الصومال لخسائر فادحة تقدر بـ300 مليون دولار سنوياً، بسبب الصيد الجائر، ويُعد استخدام أسلوب صيد السمك بالتفجير من أهم مسببات هذه الخسائر، إذ يُلحق ضرراً بالغاً بالموارد البحرية المحلية، ويُهدد معيشة الصيادين الصوماليين.
ومع ذلك، يلعب قطاع صيد الأسماك الوطني دوراً مهماً في الاقتصاد الصومالي، إذ يوفر الغذاء وسبل العيش والدخل لأكثر من 400 ألف شخص يشاركون بشكل مباشر أو غير مباشر في أنشطة مختلفة ضمن سلسلة قيمة صيد الأسماك والخدمات ذات الصلة. ووفقاً لدراسة نشرها معهد هيريتيج للسياسات وجامعة مدينة مقديشو، فإن قطاع صيد الأسماك يولد 135 مليون دولار أمريكي سنوياً، وهو ما يعادل نحو 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي للصومال.
لذلك، يُعد قطاع صيد الأسماك في الصومال ذا إمكانيات هائلة، إذ يمتلك القدرة على إمكانية توليد ما يصل إلى 500 مليون دولار أمريكي سنوياً، ما يُسهم بشكل كبير في إعادة تنشيط الاقتصاد الصومالي، علاوة على ذلك، إذا وصل إلى إمكاناته المستدامة، فيمكن للبلاد صيد أكثر من 200 ألف طن من الأسماك سنوياً.
ومع ذلك، تُشير بيانات الحكومة الصومالية في عام 2022 إلى أنّ إنتاج الصيادين المحليين لم يتجاوز 6000 طن متري، بينما تصطاد السفن الأجنبية الصناعية ما يقدر بـ13000 طن سنوياً.
وفي إطار التعاون التركي الصومالي، يجب أن توفر الإيرادات الناتجة عن الاستثمارات في القطاع البحري فرصة ذهبية لتنمية هذا القطاع الحيوي مثل التدريب وتوفير المعدات للصيادين الصوماليين، وتحسين البنية التحتية، وتطوير مشاريع جديدة لحماية الموارد البحرية، ويعني أيضاً تنويع مصادر الموارد الشحيحة في البلاد.
علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تنمية قطاع صيد الأسماك بشكل محتمل، من خلال جذب الاستثمار الأجنبي لخلق إيرادات تصدير مستدامة.
كما أن القرصنة تهدّد منذ فترة طويلة شركات الخدمات اللوجستية والشحن الدولية، وخاصة تلك التي تعمل في خليج عدن. ووفقاً لشركة تحليل النفط Vortexa، مر أكثر من 7.80 مليون برميل يومياً من شحنات النفط الخام والوقود عبر المضيق في أول 11 شهراً من عام 2023، بينما في عام 2022 مرَّ 6.60 مليون برميل يومياً.
وفقاً لمنصة جمع البيانات Statista، بلغت هجمات القرصنة في المياه الصومالية ذروتها في عام 2011، إذ سجلت 160 حادثاً، وارتفعت إلى 358 في فترة السنوات الخمس بين 2010 و2015، وانخفض هذا الرقم إلى ثمانية في السنوات السبع بين 2016 و2022.
لكن رغم أهمية هذه الأرقام، إلّا أنها لا تروي القصة كاملة في بعض الأحيان، فوفقاً لتقرير صادر عن مجلس العموم في المملكة المتحدة لعام 2010-2012، فإن “العمليات البحرية قبالة سواحل الصومال تكلف نحو ملياري دولار في السنة، لكن تكمن المشكلة في أن هذه النفقات “تعالج فقط أعراض المرض من دون معالجة جذورها”.
علاوة على ذلك، ارتفع إجمالي تكلفة القرصنة على الاقتصاد العالمي إلى نحو 7 مليارات دولار أمريكي في عام 2011 مع نفقات إضافية.
وفي هذا السياق، يُتوقع أن يلعب الاتفاق المذكور دوراً مهماً في دعم الجهود الدولية المبذولة لضمان الأمن قبالة السواحل الصومالية، وأن يفتح آفاقاً واسعة لتعزيز التنمية الاقتصادية في الدول الساحلية، فضلاً عن إتاحة الفرصة لتنشيط قطاعات المواني والخدمات اللوجستية والنقل وإنشاء آلية بناءة ومربحة أكثر للمنطقة من خلال تعزيز التجارة والنقل والفرص الاقتصادية، ما يحسن من معيشة سكان المنطقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!