ترك برس
دخلت العلاقات التركية اليونانية مرحلة جديدة تبدي فيها البلدان الجاران والحليفان لدى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، رغبة للتركيز على نقاط الوفاق لا الخلاف فقط، وهو ما انعكس على الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى والتي كان آخرها زيارة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أنقرة مؤخراً، بعد أشهر قليلة من زيارة مماثلة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أثينا.
ويختبر الخصمان العتيقان، تركيا واليونان، مدى نجاح مبادرة الصداقة المستمرة بينهما منذ خمسة أشهر، بعد أن جمعهما عقود من العداء المتبادل، وحدود متوترة ومياه متنازع عليها، اتفقا على تهميش الخلافات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وبدلاً من ذلك، راحا يركزان الجهود على التجارة والطاقة، وإصلاح العلاقات الثقافية، وقائمة طويلة من البنود الأخرى التي أدرجت على ما يسمى بالأجندة الإيجابية.
في إطار الجهود المبذولة بهدف تحسين العلاقات في أعقاب التضامن الذي أظهرته أثينا مع أنقرة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا العام الماضي، جاء لقاء ميتسوتاكيس بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، بحسب تقرير لـ "إندبندت التركية".
ومن المعلوم أن هناك خلافات حادة بين الزعيمين في شأن الحرب بين إسرائيل و"حماس"، إلا أنهما يحرصان على العمل من أجل كبح مزيد من الاضطرابات في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط مع استمرار الصراع في أوكرانيا.
قبيل الزيارة، قال ميتسوتاكيس إن بلاده "تتعامل دائماً مع تركيا بثقة ومن دون أوهام بأن المواقف التركية لن تتغير بين لحظة وأخرى". وأضاف "ومع ذلك، أعتقد أنه من الضروري أنه عندما نختلف، يجب أن تكون قنوات الاتصال مفتوحة دائماً".
وتابع "علينا أن نختلف من دون توتر ومن دون أن يتسبب ذلك دائماً في تصعيد على الأرض".
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيلكنت في أنقرة البروفيسور إيوانيس غريغورياديس ذكر أن تركيز الزعيمين سيكون منصباً على سبل "لتوسيع الأجندة الإيجابية والتفتيش عن مواضيع يمكن لكل من الجانبين أن يسعى من خلالها إلى العثور على حلول مربحة لكل منهما"، كما الحال في مجالات التجارة والسياحة والسياسة والهجرة.
أردوغان كان زار أثينا في أوائل ديسمبر الماضي، وتواصلت منذ ذلك الحين اتصالات منتظمة رفيعة المستوى بين البلدين من أجل تعزيز مجموعة متنوعة من المبادرات التي أطلقت بهدف رأب الصدع، بما في ذلك التبادلات التعليمية والسياحة.
عقب هذه التطورات أصبح بإمكان المواطنين الأتراك في هذا الصيف زيارة 10 جزر يونانية بفضل تأشيرات الدخول التي تمنح لهم بشكل فوري، التي تمكنهم من تخطي الإجراءات الأكثر تعقيداً اللازمة للدخول إلى منطقة السفر المشتركة في أوروبا، والمعروفة باسم منطقة شنغن.
وأشار غريغورياديس إلى أن "هذا لا يوفر فرصة عظيمة فقط لتحسين العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، بل كذلك للتقريب بين المجتمعين اللذين يتمتعان بالاستقرار، ولكي يدرك اليونانيون والأتراك أن لديهم أشياء مشتركة أكثر مما يعتقدون".
وكادت الخلافات بين أثينا وأنقرة، التي تركز معظمها على الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الموارد في بحر ايجه وشرق البحر الأبيض المتوسط، أن تدفع بهما إلى الحرب في مناسبات عدة على امتداد العقود الخمسة الماضي.
ويخوض البلدان أيضاً نزاعاً في شأن جزيرة قبرص، التي قسمت في عام 1974 عندما تعرضت للغزو من تركيا بعد انقلاب قام به أنصار توحيد الجزيرة مع اليونان. وتعتبر تركيا الدولة الوحيدة التي تعترف بالدولة المستقلة التي أعلنها القبارصة الأتراك في الثلث الشمالي من الجزيرة.
وأدى الخلاف حول التنقيب عن موارد الطاقة إلى مواجهة بحرية في عام 2020 وتعهد أردوغان بوقف المحادثات مع حكومة ميتسوتاكيس. لكن الرجلين التقيا ثلاث مرات العام الماضي بعد ذوبان الجليد في العلاقات وبذل أردوغان جهوداً أوسع في سياق محاولته للانخراط مع الدول الغربية.
وكان أردوغان أعلن قبل أسابيع فقط من زيارة ميتسوتاكيس افتتاح كنيسة سابقة في إسطنبول تعود للعصر البيزنطي تم تحويلها إلى مسجد، مما أثار انتقادات من جانب اليونان والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية. وشأنها شأن كنيسة آيا صوفيا التاريخية في إسطنبول، كانت تشورا لعقود من الزمن بمثابة متحف قبل أن يجري تحويلها إلى مسجد.
في غضون ذلك انتقدت تركيا الخطط التي كشفت عنها اليونان أخيراً لإعلان مناطق في البحر الأيوني وبحر إيجة "منتزهات بحرية"، وذلك من أجل الحفاظ على الحياة المائية. وتعترض تركيا على الإعلان الأحادي الجانب في بحر إيجه، إذ لا تزال بعض المناطق موضع نزاع. ووصفت هذا الإجراء بأنه يمثل "خطوة تخرب عملية التقارب".
وقال غريغورياديس إن بإمكان تركيا واليونان التركيز على ترميم الآثار العثمانية المهملة في اليونان والآثار الأرثوذكسية اليونانية في تركيا، وأضاف "ستكون هذه فرصة" لتحسين العلاقات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!