أ.د أحمد أويصال - الشرق

تأسست الدولة العثمانية في غرب آسيا وسيطرت بسرعة على منطقة شاسعة عند تقاطع القارات الثلاث، وهي آسيا وأوروبا وأفريقيا. فتح العثمانيون القسطنطينية وأنهوا الإمبراطورية البيزنطية في عام 1453 وظهرت روسيا القيصرية، مدعية إرث روما الشرقية بعد مائة سنة. وسعت روسيا أراضيها نحو آسيا الوسطى التركية ونحو الأراضي العثمانية في الجنوب وشرق أوروبا. وبعد أن ادركت الدولة العثمانية ضعفها توجهت الى العرب كحل لها.

انغمست الدولة العثمانية في جهود التغريب أحيانًا بسبب انبهارها بالغرب وأحيانا اخرى بسبب فرض الغرب عليها. بعد إضعافها من قبل روسيا خلال القرن التاسع عشر، دمر الغرب الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وتأسست الجمهورية التركية الجديدة في معاهدة لوزان. كان مؤسسو تركيا الجديدة مقتنعين بالفعل بتفوق الغرب، في حين طالبت القوى الغربية أيضًا بتغريب البلاد بالكامل، بما في ذلك إلغاء الخلافة وتغيير الأبجدية وفرض الملابس الغربية إلخ.

بعد الحرب العالمية الثانية، كانت تركيا قلقة بشأن مطالب ستالين بالسيطرة على مضيقي إسطنبول وجناق قلعة. لذلك، واصلت تركيا البحث عن مستقبلها في المعسكر الغربي، بل وأرسلت جنودًا إلى الحرب الكورية لإرضاء الغرب والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي باعتباره التحالف الأمني الرئيسي. لم يتصور المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة نظامًا ديمقراطيًا واقتصادًا متطورًا في تركيا كما فعل مع ألمانيا واليابان. بدلاً من ذلك، فضل الغرب نظامًا مليئًا بالصراعات الاقتصادية والتدخلات العسكرية، كما هو الحال في الشرق الأوسط.

من الطبيعي أن يفضل الغرب تركيا الضعيفة التي يمكن السيطرة عليها بواجهة ديمقراطية ضد توسع الكتلة الشيوعية بقيادة روسيا. ومع ذلك، كان هناك دائمًا توتر بين هذا النموذج والتطلعات التنموية للقادة المنتخبين ديمقراطيًا مثل عدنان مندريس وبولنت أجاويد. وعندما طالبوا بمزيد من المساعدات المالية والاستثمارات إلى جانب نقل القدرة الإنتاجية من الغرب، تم رفضهم بشكل مهذب. الغرب تفضل دول الشرق الاوسط كسوق لها، ليس كشريك كما نراه في تعاملهم مع تركيا والدول العربية. تركيا تنافس مع البضائع الغربية في الأسواق العالمية ولكن لا نرى نفس التنافس مع روسيا لأن الإنتاج الصناعي الروسي ليس قويا إلا في بعض القطاعات.

حينما حاولت الحكومات الديمقراطية في تركيا نقل الصناعة الثقيلة من الغرب، قوبلت بآذان صماء ولكنها وجدت الاتحاد السوفييتي أكثر استجابة. على سبيل المثال، ساعدت روسيا السوفيتية تركيا في إنشاء بعض مصانع الزجاج والنسيج والمعادن خلال ثلاثينيات القرن العشرين. وخلال الستينيات، قدمت روسيا السوفيتية دعمًا فنيًا وماليًا لمشاريع صناعية ثقيلة مثل مصانع الصلب والبترول في مدن تركية مختلفة. وفي التسعينيات، قدمت تركيا خدمة كبيرة لروسيا بشراء الغاز الطبيعي منها لتلبية احتياجاتها من الطاقة.

 وعندما تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في عام 2002، لاحظ أن العلاقات التجارية لتركيا كانت في الغالب مع أوروبا. وفضلت حكومة حزب العدالة والتنمية الجديدة بقيادة أردوغان تنويع علاقتها الاقتصادية مع مناطق مختلفة من العالم مع انفتاحها على آسيا وأفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية. لقد حد هذا التنوع من التأثير السلبي للأزمة الاقتصادية التي انتشرت من الغرب في عام 2008. إن حاجة تركيا إلى رأس المال والمواد الخام والأسواق كانت تستلزم الانفتاح على العالم. فتركيا تشتري الغاز الروسي وتستقبل السياح الروس بكميات كبيرة والتجارة قوية بين البلدين. وبطبيعة الحال فإن روسيا لا تريد تركيا قوية لأنها قلقة بشأن دورها في القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط ولكن البلدين وجدا توازنا بين المنافسة والتعاون.

 أحدث الربيع العربي توترًا كبيرًا في العلاقات بين تركيا وروسيا في سوريا وليبيا. كما حدثت مشاكل مماثلة في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا حيث قاومت تركيا أيضًا الخطط الغربية في الشرق الأوسط مثل إنشاء دولة كردية. ونتيجة لذلك، أرادت الولايات المتحدة معاقبة تركيا من خلال ممارسة الضغوط الاقتصادية ورفض بيع الأسلحة والطائرات الحربية مثل طائرات F-15 و F-35 وأنظمة الدفاع الجوي (أي الباتريوت) لتركيا. ثم عادت تركيا مرة أخرى إلى روسيا للدفاع الجوي واشترت منظومة إس-400، كما تساعد روسيا في إنشاء محطات الطاقة النووية، وهو ما لن يفعله الغرب أبدًا. وحافظت الدولتان على علاقات متوازنة مع بعضهما البعض، في حين تحاول تركيا موازنة علاقاتها مع الشرق والغرب.

عن الكاتب

أ.د أحمد أويصال

مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس