ترك برس

قال الإعلامي التركي المعروف إحسان أقطاش، إنه في خضم كل المعاناة التي تشهدها غزة، يسطر بضعة من المجاهدين الفلسطينيين "ملحمة بطولية تعيد إحياء الفخر العربي الضائع".

وأضاف أقطاش مقال بصحيفة يني شفق: منذ طفولتنا اعتدنا على مأساة تتكرر في كل عيد؛ إما أن يقتحم الجنود الإسرائيليون المسجد الأقصى بأحذيتهم العسكرية ويعيثون في روحانية المكان فسادا، أو يثيرون الفوضى حول المسجد الأقصى ويمارسون العنف ضد المسلمين.

وتقتصر ردود الفعل في العالم الإسلامي على إدانات خجولة، ثم سرعان ما ينسى الأمر، بينما يستمر الفلسطينيون في المدن والقرى والبلدات والمزارع، في معاناتهم اليومية والموت ببطء.يقول الكاتب.

وأوضح أن العالم شهد موت الفلسطينيين ببطء على مدار 75 عاما. وفي غزة اليوم لا يزال الفلسطينيون يموتون بشكل جماعي. إن ما يتعرضون له من ظلم وعذاب يفوق وصف الإبادة الجماعية، ويتجاوز قدرة الجسد البشري على التحمل.

وبحسب أقطاش، يشير الكاتب البيروتي الشهير أمين معلوف في كتابه "غرق الحضارات" إلى حرب 1967 العربية-الإسرائيلية، ويذكر أنه حتى تلك الحرب كان هناك نوع من الشعور بالعزة والفخر العربي نابع من القومية التي أنشأها جمال عبد الناصر. ويقول: "إن هزيمة الدول العربية في الحرب قضت على الفخر العربي، وتحولت هذه الهزيمة والشعور بالإذلال إلى عقدة نفسية ومتلازمة دائمة في الدول العربية".

ويضيف الكاتب: "اليوم في خضم كل هذه المعاناة يسطر بضعة من المجاهدين الفلسطينيين الوطنيين ملحمة بطولية تعيد إحياء الفخر العربي الضائع، لكنني لست واثقا إن كان هناك أي وجود للعرب اليوم".

وتابع المقال:

في سبعينيات القرن الماضي احتلت ثروة النفط مكانة بارزة بين ثروات العالم. وبرزت دول مثل تركيا وباكستان وإيران وماليزيا وإندونيسيا ومصر بفضل التطور التكنولوجي والنهضة العمرانية وكثافة سكانها. بينما تخلفت الدول العربية المنتجة للنفط كثيرا عن ركب التقدم، ولم يعد لها أي تأثير يذكر في العلاقات الدولية سوى في مجال الطاقة. فقد قامت الدول الغربية، بدوافع مختلفة، بتحويل معظم الدول العربية إلى كيانات فاقدة للسيادة وسلب صفة الدولة الحقيقية منها. ونتيجة لذلك أصبحت الشعوب خاضعة لتأثيرات الدول شبه المستعمرة، مما زاد من سلبية تلك الشعوب.

في تركيا الحكومة حية لكن المجتمع المدني ميت. عندما يحدث ظلم أو انتهاك للعدالة أو حقوق الإنسان في أي مكان في العالم، ينتفض المجتمع المدني أولا ويطالب الحكومات بتطبيق السياسة الصحيحة. لقد وصلت موجة الاحتجاجات في جميع أنحاء أوروبا، وخاصة في الجامعات الأمريكية إلى مستوى من النجاح يستحق الاحترام والتقدير. فقد تجاوزت هذه الاحتجاجات كونها مجرد هزيمة لإسرائيل في حربها الإعلامية، بل وصلت إلى حد إثارة مشاعر الكراهية تجاه اليهود في الجينات الغربية.

ولا تدرك المنظمات غير الحكومية في تركيا أنها أصبحت في وضع قيادي في الدول الإسلامية والعالم التركي وأفريقيا والبلقان. فقد كانت تركيا مجتمعا مغلقا حتى عهد الرئيس أوزال. بينما كانت بعض التيارات الفكرية الإسلامية قد تطورت في دول أخرى بشكل أسرع ، وفي ذلك الوقت كانت تركيا تستورد بعض الأفكار من مصر ولبنان وإيران عبر الكتب المترجمة. لقد أظهر عمق التاريخ والحضارة في هذه الأرض أن تراكم تركيا المعرفي ومناخها الديمقراطي وتطورها الإنساني أكثر تقدما من العالم الخارجي من حيث ثراء الأفكار.

وبينما يجسد الرئيس أردوغان نموذجا لقائد إقليمي يحظى بالتقدير والاحترام والمناقشة على الصعيد العالمي، فإن منظمات المجتمع المدني لدينا تتصرف وكأنها منظمات غير حكومية في أوغندا.

إن جزءا كبيرا من الحروب يخاض في ساحة الإعلام والتواصل، فليس من الضروري دائما حشد ملايين الأشخاص في الميادين لخلق تأثير إعلامي، بل قد تساهم أفعال فردية أو رموز معبرة أو مبادرات صغيرة في إيصال الصوت إلى جميع أنحاء العالم.

لنكن واضحين في الأشهر الأولى من الحرب، بادرنا بتوثيق الأحداث. واستمرينا لمدة شهر كامل من خلال الأكاديميات، والقانون والتصوير الفوتوغرافي والرسوم الكاريكاتورية والندوات والبث المباشر. تقوم العديد من المنظمات غير الحكومية بتنفيذ فعاليات كبيرة وصغيرة، لكن لتحقيق تأثير عالمي، يجب التخطيط للعمل مع الجامعات التي تشهد احتجاجات ومع المتظاهرين والأكاديميين والمشاهير الناشطين في جميع أنحاء العالم، وعمل ما يلي:

1. إقامة محكمة إنسانية في ميدان السلطان أحمد: يمكن تنظيم حدث عالمي واسع النطاق في ميدان السلطان أحمد من خلال دعوة نشطاء مشهورين مناهضين للإبادة الجماعية، وحقوقيين مشهورين، وطلاب الجامعات الذين يحتجون على إسرائيل، وصولا إلى البرلمانيين الذين يتحدثون في البرلمان الأوروبي، ويمكن محاكمة انتهاكات إسرائيل بندا بندا.

2. توثيق الحرب وإنشاء سجل تاريخي شامل: يمكن فيه مناقشة موقف الدول والبرلمانات والجامعات ووسائل الإعلام بدءا من اليوم الأول للإبادة الجماعية وحتى يومنا هذا، ويمكن تنظيم ندوات وتسجيلات أكاديمية وأرشيفات بصرية رقمية حول كل موضوع. ويمكن أن تصبح الأعمال القيمة التي تقوم بها وكالة الأناضول قضية عالمية عبر منظمات المجتمع المدني.

3. الذاكرة الجماعية: يمكن أن تلتقي الشخصيات البارزة على مستوى العالم في إحدى العواصم العالمية وتصدر بيانات مشتركة.

4. تنظيم ورشة عمل لابتكار أساليب احتجاج جديدة: لدينا مئات الآلاف من الطلاب الموهوبين في جامعاتنا، ويمكن أن تؤدي هذه الورشة إلى ابتكار مجموعة واسعة من الأفكار الجديدة والأنشطة غير المسبوقة، قد يكون لها تأثير قوي على الشباب الغير قادرين على فهمهم في جميع أنحاء العالم. من يدري؟

تتمتع منظمات المجتمع المدني في تركيا بخبرة واسعة تقدر بأربعين عاما، وليست مجرد هياكل نُظِّمت في الأحياء الفقيرة للبحث عن الحقوق. ولكن تكمن المشكلة في أن هذه المنظمات لا تدرك تماما دورها القيادي الذي وصلت إليه. وإذا كانت هذه المنظمات تعاني من مشاكل في فهمها لروح العصر الجديد بسبب سيطرة الجيل القديم على مناصب القيادة فيها، فتركيا بلد غني بشبابه النابض بالحياة. فليصغوا باهتمام إلى أفكار الشباب وأصواتهم، أو يفسحوا المجال لهم لتولي مناصب القيادة بكل فخر. فالشباب هم الأكثر قدرة على فهم روح العصر.

ستنتهي هذه الحرب يوما ما، وستزول هذه الآلام. دعونا لا نعاني من مرارة العجز طوال حياتنا باسم الإنسانية. فلنبادر جميعا باتخاذ خطوات صغيرة، ونرى ما يخبئه لنا القدر.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!