ترك برس

يرى الكاتب والإعلامي التركي إحسان أقطاش، أن تنظيم داعش ظهر بشكل مفاجئ، مثيراً حالة من الذهول والتساؤل في العالم، حيث استخدم خطاباً مدروساً وشعارات مؤثرة لجذب الانتباه الدولي وكراهية الغرب، بينما تنظيم "غولن" يشكل مثالاً آخر على تنظيمات يشتبه في دعمها من قبل أجهزة استخبارات غربية لأهدافها السياسية العالمية.

وقال أقطاش إنه: في اليوم الأول لظهور تنظيم داعش الإرهابي عاش العالم حالة من الذهول، وكان الجميع يكافح لفهم هذا التنظيم الإرهابي. كانت خطاباتهم مدروسة، وشعاراتهم جاهزة، وسلوكهم متغطرسًا من بقايا فترة الإسلاموية في الحزام الأخضر، وكانوا أشبه بشبكة قتل كاملة، يقطعون الرؤوس بالسيف، ويجعلون من الأطفال مجرمين قتلة، و يغتصبون الأيزيديات أو يبيعونهن كعبيد لجذب انتباه الغربيين وكراهيتهم، لضمان استمرار وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وأضاف في تقرير بصحيفة يني شفق المحلية: بالنسبة لأولئك الذين لا يعرفون كيف أنشأت إنجلترا ديانات جديدة وطرق جديدة ومذاهب جديدة في بداية عهد احتلالها للهند، وكيف تم اضطهاد المسلمين بواسطة حكام مسلمين، ولا يعرفون كيف تم تنظيم القاعدة بواسطة الولايات المتحدة، فإن داعش ليست منظمة إرهابية يفهمها أولئك الذين يلومون الإسلام على كل مشكلة تحدث في العالم.

وذكر أنه: في الأيام الأولى من ظهور داعش على الساحة بدعم من الولايات المتحدة، عقدت ندوة في أكاديمية الشرطة. وكنت أدير الجلسة التي كانت تحت عنوان الأمن والإرهاب. كان هناك مشاركون من أوروبا حضروا للبرنامج. وكانت المواضيع التي تناولوها هي استراتيجية التواصل وخطاب داعش. فتساءلت قائلاً: هؤلاء الأكاديميون الغربيون مثقفون ومحترمون جداً، لكنهم يحبون الانشغال بالتفاصيل السطحية لإخفاء الحقيقة. دعوكم من استراتيجية التواصل الخاصة بداعش، من الذي أسس هذه الشبكة الإجرامية؟

وتابع المقال:

من أين تأتي الموارد الاقتصادية لهذا التنظيم المؤقت الذي لم يشهده الإسلام في أي فترة من تاريخه؟ من العقل المدبر وراء هؤلاء الرجال الذين لا يهاجمون إسرائيل بدعوى عدم وجود فتنة هناك، بينما يقتلون المسلمين بوحشية؟

إذا كان هناك انضمام من جميع أنحاء العالم لمنظمة إرهابية منذ حرب أفغانستان حتى اليوم، وإذا كان من الممكن تجنيد إرهابيين لداعش من خلال إعلانات في مسجد لندن المركزي، فاعلموا أن قوة عظمى تقف وراء هذه المنظمة.

في المقال قسمت المسلمين إلى ثلاث مجموعات رئيسية:

1. الأمة الوسطى: أمة ثابتة في عقيدة التوحيد، تتبع النبي صلى الله عليه وسلم بدون شك أو تردد، وهي جزء من التراث الذي شكله القرآن والحديث والإسلام على مدى أكثر من ألف عام.

2. الأمة المتشددة: وهي التنظيمات الإرهابية التي تظهر بين الحين والآخر على يد وكالات الاستخبارات الغربية بهدف تفكيك التيار الإسلامي الرئيسي. وتشكل القاعدة وداعش خير مثالين على هذه المجموعة.

3. الأمة المُخَدّرة: وهي فئة من المسلمين، تشبه المسيحيين إذا جاز التعبير، إسلامهم بلا شريعة، ولا نظام قانوني، ولا تأثير له في حياتهم اليومية.

وعندما يتعلق الأمر بتنظيم "غولن" الإرهابي، فإن لسان المرء يعجز عن وصف هذا التنظيم بالأمة. هذا التنظيم الذي تم تخديره واستعباده واستغلاله لخدمة الإمبريالية العالمية، يعكس تمامًا خصائص المجموعة الثالثة.

في بعض مقالاتي، كنت أستخدم داعش كمثال لتوضيح تنظيم "غولن" الإرهابي. والآن يحاول علماء السياسة الغربيون والسياسيون شرح داعش بقولهم إنها تشبه تنظيم "غولن"، خاصة من حيث كونهما منظمتين من صنع الولايات المتحدة.

كلا التنظيمين الإرهابيين تنظيمان لا دينييان. ولا أقصد باللادينية هنا الكفر والإيمان، بل أن كلا التنظيمين لا يهدفان إلى تحقيق أي غاية تتعلق بالدين الإسلامي. بل هما يسعيان إلى تدمير المؤسسات الدينية بذاتها. وتُعدّ قضية إسرائيل بمثابة اختبار حقيقي لكلا التنظيمين، فبينما تدعي داعش أنه لا فتنة في إسرائيل، تُعدُّ إسرائيل كعبة تنظيم "غولن" الإرهابي. في أحد البرامج التلفزيونية كنت أتحدث مع أحد الأعضاء المشهورين في تنظيم "غولن" الإرهابي خلال الفاصل، فقال لي: "أنا أتقبل الصهيونية. فالصهيونية هي حق اليهود في امتلاك الأرض". فسألته: " حتى لو كانت هذه الأرض هي أرض فلسطين المحتلة والمغتصبة، والمسجد الأقصى؟" فعبس وجهه ولم ينبس ببنت شفة.

وبينما كان داعش يقتل المسلمين في سوريا، كان تنظيم "غولن" الإرهابي مشغولا بأعمال أكثر تطوراً. اغتيالات مهندسي "أسيلسان" والعلماء الكبار في حي "تشارشامبا"، والراحل محسن يازجي أغلو، وهرانت دينك، والكاهن سانتورو، وآلاف جرائم القتل السياسية التي لا نعلم عنها شيئًا.

إن محاولة تعريف تنظيم "غولن" الإرهابي أشبه ما تكون بمحاولة وصف فيل من قبل شخصٍ معصوب العينين. إنّها بنية متطورة ومخطط لها بعناية، لدرجة أنّني أعتقد أنها أكبر إنجاز تجاري لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في العالم. مواردها البشرية من أبناء الأناضول، ومصادرها المالية من تركيا. وفوق هذا لم تكتفِ بتقويض أسس تركيا فحسب، بل أنشأت شبكة تجسس تمتد عبر جميع الدول الإسلامية كالأخطبوط .

ماذا سيحدث الآن؟ بالرغم من أن التنظيمات المبنية على فكرة المهدوية تتعرض لأضرار جسيمة عندما يموت المهدي، تمامًا كما يحدث مع مدعي النبوة الكذبة، إلا أن هذه المنظمة قد أسستها الـCIA ووكالات الاستخبارات الغربية. لذلك لن يزول خطر تنظيم "غولن" إلا بإلغاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نفسها.

الإدمان على التنظيم كالإدمان على الهيروين. فلا يتخلى أي عضو في تنظيم "غولن" الإرهابي عن قضاياه. لذا، يجب النظر إلى هذه المنظمة على أنها شبكة تجسس لدولة أجنبية أثناء مكافحتها لأنهم نجحوا في تحويل مئات الآلاف من أبناء الوطن إلى أعداء لتركيا بحجة السياسة وأردوغان. صرح أكرم دومانلي في أحد بياناته قائلاً: "أنا لا أؤمن بمفهوم الوطن، فالوطن هو العالم بأسره".

في مواجهة هذه الشبكة التي لا تؤمن بدينها ولا بتاريخها ولا تربطها أي صلة بوطنها، والتي تسعى دائمًا إلى نصب الفخاخ لبلدها وشعبها، فمن الصواب اتباع نفس النهج المتبع في مكافحة تنظيمي "داعش" و "بي كي كي" الإرهابيين.

أكثر الجوانب إشكالية في هذا الصراع هو أن بعض الشخصيات لا ترغب في تحمل المخاطر في محاربة تنظيم "غولن" الإرهابي. والعديد من الأشخاص الذين عينهم أردوغان يتخذون موقفاً ويتصرفون وكأنهم معينون من قبل تنظيم "غولن" الإرهابي. ومع ذلك، فإن هذا المجتمع وتقاليده الحكومية لن تسمح لهذه الشبكة الخائنة بالعودة إلى سابق عهدها مرة أخرى. ما أعظم هذه الأمة!، لقد أنجبت ملايين الأشخاص المستعدين للتضحية بأنفسهم من أجل وطنهم. نستذكر شهداءنا الذين خرجوا إلى الشوارع ليلة الانقلاب ودافعوا عن وطنهم وتاريخهم وأمتهم بالرحمة.

خاتمة

يشكل تنظيما "غولن" "وداعش "الإرهابيان تهديدات كبيرة للإنسانية والديمقراطية على مستوى العالم، وليس فقط لتركيا. فكلا التنظيمين يستغلان القيم الدينية بينما يهدفان في الحقيقة إلى تدمير الدين، مما يجعلهما أدوات في يد الإمبريالية العالمية. إن ظهور هذه الجماعات ونشاطاتها يتم التحكم فيهما من قبل أجهزة الاستخبارات الدولية، بهدف زعزعة استقرار المنطقة والعالم على المدى الطويل. لذا، فإن مكافحة التنظيمات الإرهابية كـ "غولن" و"داعش" ليست ضرورية للأمن القومي فقط، بل هي أيضًا أساسية لتحقيق السلام العالمي والإنسانية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!