ترك برس
شهد الشارع التركي تصعيداً في استهداف اللاجئين والسوريين خصوصاً، وذلك بعد أيام فقط من تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن فيها استعداد بلاده للتطبيع مع نظام الأسد.
وعاد ملف اللاجئين السوريين ليتصدر بقوة اهتمامات وسائل الإعلام، وتصريحات المسؤولين والسياسيين الأتراك عقب الأحداث المؤسفة التي وقعت في مدينة قيصري بجنوب تركيا -التي تحتضن 82 ألف لاجئ سوري وفق بيانات رئاسة الهجرة التركية- وأسفرت عن اعتقال 474 متهما بالضلوع في أحداثها والتحريض عليها، وتسببت في خسائر مالية ضخمة بعد أن تم إضرام النيران في العديد من المنازل، والمحال التجارية، والسيارات المملوكة للسوريين، بحسب مقال على "الجزيرة مباشر".
المقال الذي حمل توقيع الباحثة في الشؤون التركية صالحة علام، أضاف أن هذه هي الأحداث "التي وصل مداها إلى العديد من المدن التركية الأخرى مثل قونيا، وهطاي، وبورصة، وغازي عنتاب، ومنطقة سلطان بيلي بإسطنبول، وألقت بظلالها على مناطق الشمال السوري، خاصة في درعا وريف حلب، الذي شهد في المقابل وقوع أحداث عنف طالت شاحنات تركية أُضرمت فيها النيران، وتم إنزال الأعلام التركية عن الأبنية الإدارية ردًّا على ما تعرض له السوريون على أيدي مواطنين أتراك".
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
تصاعد الأمور وخروجها عن السيطرة دفع الجانب التركي إلى إغلاق جميع المعابر الحدودية بين الجانبين، وشمل ذلك معابر باب الهوى، وباب السلامة، والراعي، وجرابلس.
وبغض النظر عن الأسباب التي تقف خلف اندلاع هذه الأحداث بتلك الصورة الدموية المقيتة، حيث تم ترويع الناس، ودفعهم إلى التزام منازلهم خوفا على حياتهم، فإنها تؤكد بصورة جلية أن حل أزمة اللاجئين السوريين في تركيا لن يتأتي من خلال التصريحات السياسية أو اللقاءات البروتوكولية التي تنعقد بين الفينة والأخرى بين مسؤولين أتراك وقيادات من المعارضة السورية.
كما لن يتم إنهاء المسألة السورية عموما عبر إجبار الملايين منهم على القبول بالعيش فيما يسمى بالمنطقة الآمنة التي تنشئها تركيا في الشمال السوري، ولا بمحاولات قتل ثورتهم عبر تجميدها وإبقاء الوضع على ما هو عليه، حتى يفقد الجميع شغفهم بالتغيير، وتشيع بينهم حالة من الإحباط وخيبة الأمل في إمكانية تحقيق مطالب ثورتهم، والحصول على حريتهم التي يتوقون إليها، ليعودوا مرغمين للعيش تحت حكم سلطة يرفضونها.
عند مناقشة الأحداث الأخيرة باعتبارها الأكثر اتساعا ودموية ضد الوجود السوري في تركيا منذ عام 2011 حتى الآن، ومحاولة البحث عن الأسباب الخفية التي تقف وراء كل هذا القدر من العنف، والحقد، والكراهية التي يبديها الأتراك لللاجئين في بلادهم عموما، والسوريين على وجه الخصوص، يبرز أمامنا ذلك الجدال الدائم والاتهامات المتبادلة بين الحكومة وأحزاب المعارضة بشأن هذه المسألة.
إذ ترى الحكومة أن أحزاب المعارضة هي السبب الرئيس في وقوع مثل هذه الأحداث، التي تبدو نتيجة منطقية لخطاب الكراهية وحملات التحريض التي دأبت على استخدامها في حملاتها الانتخابية، مؤكدة أن اللاجئين هم سبب الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، ومرجعة عدم قدرة المواطنين الأتراك على الوفاء بالتزاماتهم اليومية إلى هذا العدد الهائل من اللاجئين الذين يقاسمونهم خيرات بلادهم، وتمنحهم الدولة امتيازات لا يحصل عليها أبناء البلد؛ مما أوغر الصدور، وزرع بذور الحقد والكراهية، وأدى إلى انتشار حالات التعرض للأجانب لمجرد كونهم أجانب ولاجئون.
إلى جانب هذا الكم الهائل من الوعود لمواطنيهم بعزمهم على إعادة السوريين إلى بلادهم خلال عامين، عند فوزهم بالانتخابات، وتبوّئهم السلطة، وإجراء تغييرات جذرية في حزمة القوانين المرتبطة بالجنسية التركية والإقامات، للحد من منحها، بل ونيتهم مراجعة ملفات جميع من حصلوا على الجنسية التركية، تمهيدا لسحبها منهم.
أما أحزاب المعارضة فترى أن الحكومة وقعت في الكثير من الأخطاء عند تعاملها مع هذا الملف، وأنها أساءت استخدام سلطاتها، وفتحت الباب على مصراعيه أمام تدفق الملايين من اللاجئين سعيا وراء تحقيق مكاسب شخصية خاصة، وبعض الأهداف السياسية والاقتصادية التي أرادت اقتناصها من الاتحاد الأوروبي دون النظر إلى تداعيات هذه السياسة وانعكاستها السلبية على مواطنيها.
كما تتهم الحكومة بإيجاد مشكلة ديموغرافية -بقصد أو من دون قصد- لا يمكن تجاهلها أو السماح باستمرارها باعتبارها مسألة أمن قومي، وتقول المعارضة إن هذا هو سبب خطابها الهجومي على اللاجئين، إذ لا يمكن غض الطرف عن عدم الحفاظ على طبيعة التركيبة السكانية للمجتمع التركي أو تجاهل خطورة هذه المسألة، بل من المستحيل القبول بها والصمت تجاهها.
وفي خضم بحث الحكومة عن أصوات عاقلة تتولى مهمة تهدئة الشارع التركي، ووقف عمليات استهداف اللاجئين وممتلكاتهم باعتبار أن هذا سلوك غريب عن المجتمع التركي، ولا يمثل قيمه الحضارية والإنسانية كما قال وزير الداخلية، خرجت تصريحات عدد من رؤساء الأحزاب لتزيد الطين بله، حيث اتفق الجميع على ضرورة العمل بجدية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم باعتبار أن استمرار وجودهم على الأراضي التركية أصبح يمثل مشكلة أمن قومي، ويثير استفزاز المواطنين إلى درجة لا يمكن السكوت عنها.
إذ علق رئيس حزب الجيد موساوات درويش أوغلو في تغريدة له بمنصة إكس على أحداث قيصري قائلا: “قضية اللاجئين منذ البداية شكلت تهديدا شديد الخطر للأمن القومي ولمستقبل أمتنا التركية، وسبق أن حذرنا الحكومة وطالبناها بضرورة العمل على تجنب تدهور الأوضاع وانفلاتها كما حدث في قيصري، دون فائدة”.
أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر المعروف بعدائه الشديد للاجئين أكد أن أحداث قيصري أوضحت حجم الغضب الذي يشعر به المواطنون تجاه السياسة التي وصفها بأنها غير قانونية التي ينتهجها العدالة والتنمية في تعامله مع ملف اللاجئين.
واعتبر أن انطلاق شرارة العنف من مدينة قيصري تحديدا، التي يتمتع فيها العدالة والتنمية بوجود قوي إنما هو إشارة إلى ما يشعر به الناس حتى المحافظون والقوميون تجاه سياسة الحكومة وطريقة تعاطيها مع هذا الملف، مما لا يعد علامة جيدة، بل هو أمر يستلزم المزيد من الانتباه والحيطة والحذر.
حتى من داخل حزب العدالة والتنمية نفسه خرجت أصوات تطالب بضرورة إعادة النظر في سياسة تعاطي الحكومة مع ملف اللاجئين، إذ غرد مجاهد برينجي العضو السابق في اللجنة المركزية للحزب على منصة إكس مطالبا بترحيل اللاجئين السوريين، وإعادتهم إلى بلادهم فورا دون تأخير.
وأشار إلى أن الأزمة الاقتصادية الضاغطة على كاهل المواطنين تعزز مشاعر الغضب والكراهية تجاه اللاجئين في المجتمع، حتى إن غالبية الشعب التركي على اختلاف انتماءاته السياسية -كما يقول- أصبحت تطالب بضرورة إغلاق ملف اللاجئين السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة، حماية لهم من جهة، ولمنع حدوث انفجار اجتماعي أكبر عنفا وأكثر اتساعا، بعد أن تسببوا في ظهور مشكلة التغيير الديموغرافي التي تهدد الأمن القومي التركي.
وبينما يدور الجدال بين السياسيين، وردًّا على هذه التصريحات، تم إلقاء القبض على أحد الأشخاص في منطقة سرايير بإسطنبول، وهو يحمل بيده سكينا مهددا الأجانب، وملوحا به يمينا ويسارا، وذلك في حين تكثف وزارة الداخلية حملاتها الأمنية التي تستهدف أماكن تجمع اللاجئين السوريين في غازي عنتاب بجنوب تركيا، حيث يتم تعقبهم في مواقع إقامتهم، وأماكن عملهم، وفي الأسواق والمراكز التجارية، حتى في المركبات العامة ومحطاتها.
وصول الوضع إلى حد تهديد السلم الاجتماعي داخل المجتمع التركي سيكون في الأغلب حافزا ودافعا قويا للحكومة لتسريع ملف المصالحة مع دمشق وفق الرؤية الروسية المطروحة لهذه المسألة، حتى يمكن تحريك الماء الراكد بما يحقق النفع للبلدين، لتحافظ سوريا على وحدتها الترابية، وترفع تركيا عن كاهلها عبء هذا العدد من اللاجئين بطريقة تحفظ لها ماء وجهها، وتضمن لها الحفاظ على أمنها القومي.
لذا ليس من المستبعد أن نرى نشاطا دبلوماسية تركيا مكثفا خلال هذه المدة، يفضي إلى مصالحة تركية سورية.
ففي السياسة والعلاقات الدولية التي تحكمها المصالح ليس هناك صداقات دائمة ولا عداوات دائمة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!