د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
عندما أردت كتابة مقالي هذا اليوم، تذكرت مقالين سابقين كتبتهما بهذا الخصوص قبل خمس سنوات بعنوان مستقبل السوريين في تركيا الى أين !؟
ورأيت أن ما كتبته قبل خمس سنوات لايزال أمراَ واقعا ولانزال ندور بدائرة فاسدة مفرغة بعيدة عن الحل والعلاج .
يقول انيشتاين لوعندي ستون دقيقة لحل مشكلة لصرفت خمس وخمسين دقيقة منها لفهم المشكلة وتشخيصها وأن خمسة دقائق باقية هي كافية لوصف حل المشكلة وعلاجها. وبالطب نحن نقول أن التشخيص نصف العلاج ، بل لاعلاج بدون تشخيص، والعلاج بدون تشخيص هو تخبط وجنون واعتداء قد يؤدي لزهق روح المريض..
الطب الوقائي من أهم فروع الطب وهو حماية الانسان والمجتمع من الاصابة بالامراض ووقاية المجتمع من اي وباء والتبؤ بالأخطار قبل وقوعها، وهذا هو الأساس بالاضافة الى العلاج الصحيح بعد الاصابة إن وقعت..
وكذلك يجب أن يكون التصرف والتعامل أمام الأزمات الاجتماعية والكوارث الطبيعة والأحداث السياسية ..
فهل نستطيع أن نصف مايعيشه السوريون اليوم من أحداث بأنه أزمة وتحتاج لعصف ذهني من أجل العلاج!؟؟
وهل نحن اليوم أمام أزمة فعلاً !؟
وهل كنا غافلون عنها ولماذا لم نتنبأ بها !؟
أم أن تنبؤ البعض منا لم يؤخذ بعين الاعتبار أم أن المعرفة لم تكن كافية مع العجزعن القيام باي فعل !؟
وماهو التوصيف الصحيح لهذه الأزمة !؟
وأين يكمن الحل وهو الأهم..
تُعرف الأزمة بأنها حدث و موقف ، نتيجة لتراكمات وعوامل كثيرة ومتعددة ، ينتج عنه مخاطر متوقعة وغير متوقعة تهدد حياة أو ممتلكات أو أهداف أومعتقدات أومستقبل وأمن الأفراد أو المنظمات أو الدول.
ومن أكبر الأخطاء التي يقع بها الكثيرون هو الاستخفاف وعدم الأكتراث بالمشكلة والمصيبة والأشد خطئاً هو تجاهل وجود أصل المشكلة ونكرانها وهنا الكارثة ..
ومايعانيه السوريون اليوم ، هو أزمة حقيقية وخطيرة، ولها مضاعفاتها ، إن لم تعالج بشكل صحيح وبالوقت المناسب .
وخطوات علاج أي أزمة ، بشكل علمي وصحيح ، يكون بإدراك المشكلة بداية ، وتحديد الاسباب وجذور المشكلة، ومن ثم اختيار الحلول والبدائل الأفضل للعلاج، بعد عصف ذهني يسمح بمناقشة كل الاحتمالات والأفكار ، وأخيرا وضع الخطة التنفيذية واختيار الفريق المهني الصحيح للقيام بهذه المهمة.
لماذا وصلنا لهذه الحال..!؟
لم تعد الأسباب التي أوصلت السوريين لهذه الحال خفية على كثير من المتابعين والمراقبين ، وهذا شيء جميل وجيد ومؤشر وعي لإدراك المشكلة وقبولها.
جذور المشكلة كثيرة لكن يمكن حصرها بعدة عوامل اساسية رئيسية من أهمها :
أولاَ: عدم نجاح الثورة السورية وطول فترة اللجوء ، وطول بقاء اللاجئين بدأ يفرز المشاكل الفرعية للجوء وبدأت المضاعفات تظهر وخاصة عندما لا تكون هناك استراتيجية واضحة لاحتوائها.
ثانياً: عدم وجود استراتيجية واضحة وكافية للدولة المضيفة للتعامل العلمي والانساني والواقعي مع كل تفرعات الوجود السوري بتركيا ، رغم كل الاجراءات الكبيرة التي بذلت بهذا الخصوص لكنها لم تكن شاملة وكافية.
ثالثاً:الفشل الذريع بتشكيل البديل الناجح بالمناطق التي هي خارج سيطرة النظام . عدم تشكيل هذا البديل هو سبب لكثير من المضاعفات التي يعاني منها السوريون وتركيا اليوم .
رابعاً:الاخفاق بادارة ملف اللاجئين بداخل تركيا بشكل كافي وصحيح ومن كل الجوانب الانسانية والمدنية والحقوقية والسياسية . وهذا يتحمله طرفي المعادلة ، الدولة المضيفة والسوريين معا..
خامساَ: فقدان الشجاعة المدنية لانصاف دور السوريين بتركيا ، عدم ابراز دورهم المشرق والايجابي ، وتصوريهم على انهم مجرد عالة على المجتمع التركي والاقتصاد التركي والأمن التركي .
سادساً: وهو أكبرها ، تسييس موضوع اللاجئين واستخدام هذه الورقة بشكل يجرح مشاعر السوريين ويصب الزيت على النار ويفاقم من أزمتهم ومستقبلهم بتركيا . هذا التسييس لا تتحمله المعارضة فقط بل كل الاحزاب شاركت به باشكال مختلفة ..
سابعاً: الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا ، والتي فاقمت من أزمة السوريين وتم تحميلهم ظلما وزر هذه المشكلة ،على عكس ما يظن السوريون من دور ايجابي واضافات ايجابية لهم على الاقتصاد والتجارة والتصدير
بالاضافة الى المعتقدات والقناعات الفكرية والتاريخية والسياسية العالقة بأذهان كثير من الكتاب وحملة الاقلام والسياسيين وكثير من المواطنيين بتركيا تجاه العرب والمسلمين بشكل عام والسوريين بشكل خاص..
هذه القناعة السلبية المبدئية التي كان لها جذورها، لكنها تفاقمت وازدادت بشكل كبير ومخيف ، مما جعل النظرة لكل اللاجئين السوريين بسلبية مضرة وفوقية ظالمة.
الحل والعلاج:
الحل لم يعد اليوم سهلا بعد تشكل هذه القناعة السلبية التي يجب العمل على تغييرها من خلال منظمات مجتمع مدني وسياسيين وكتاب ومفكرين، ومهما كان الأمر فلابد من تدارك ما يمكن عمله والعلاج يبدأ من حل سريع وعلمي ومهني لكل اسباب وجذور المشكلة سالفة الذكر.
الحل يبدأ من امتلاك السوريين لرؤية واضحة لمستقبلهم وخارطة طريق معلنة للجميع وواضحة المعالم ومستقلة القرار، لكي تكون معروفة لكل مواطن سوري مهما كانت مؤلمة ومهما كان طعم العلاج مرا..
واستكمال الحل يكون بقبول الدولة المضيفة شراكة السوريين بالحل والتعامل معهم على هذا الاساس وسماع مقترحاتهم وتقبل انتقاداتهم مهما كانت محرجة فهي لمصلحة الجميع
والبعد عن فرض وتنصيب ممن لا شعبية ولاقبول ولا حضور لهم .
فالجميع في زورق واحد والمصير مشترك مهما حاول البعض تفريقه وتصوير الأمر على عكس ذلك ..
المشكلة أن المعطيات الأخيرة تنذر بأزمة جديدة وشرخ جديد فالأمور تتجه نحو سماع الصوت الآخر والمقترحات التي ترى الحل بعودة العلاقة مع نظام الأسد وليس سماع من كانوا يسمون بممثلي الشعب السوري وتطلعاته وهذا منعطف جديد وخطير على التواجد السوري ومنذر لأزمة جديدة ..
فهل يعي أهل الحل والعقد والمنطق أهيمة وخطورة ما تمر به المنطقة من هزات مجتمعية خطيرة وجيوسياسية عميقة لا تهدد مستقبل السوريين فقط بل المنطقة برمتها !؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس