ترك برس
سلط تقرير للكاتب الصحفي التركي سلجوق تورك يلماز، الضوء على الأفكار الغربية وتأثيرها على الفكر الحالي، مركزًا بشكل خاص على الإمبريالية الأنجلوسكسونية وتأثيرها على العالم.
وتناول التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق المفاهيم المتعلقة بالاستعمار البريطاني وكيفية تبنيه نظامًا استعماريًا يُعتبر أقل عنفًا وأكثر "عقلانية" مقارنة بأنظمة الاستعمار الأخرى كالإسبانية والبرتغالية والفرنسية.
كما ناقش الخطأ في استخدام المصطلحات المرتبطة بالاستعمار والتبعات الناتجة عن ذلك، مع التركيز على الفرق بين الاستعمار الاستيطاني وأنواع الاستعمار الأخرى.
وتطرق التقرير إلى تأثيرات هذه الأفكار والمفاهيم على التمييز العنصري في إسرائيل وكيف يمكن فهمها ضمن سياق الاستعمار البريطاني والتباينات التاريخية المتعلقة بها.
وفيما يلي نص التقرير:
لا تزال الأفكار الغربية التي توجه عالمنا الفكري، تحدد نظرتنا للأمور في الوقت الحاضر. ويمكننا أن نرى انتشار هذه الأفكار في مجالات متعددة، من عالم السياسة إلى عالم الاقتصاد، ومن الفكر الديني إلى الحياة الفكرية. ومن بين هذه الأفكار الشائعة، الادعاء أن الإمبريالية الأنجلوسكسونية ولدت عنفًا أقل من غيرها. ويدعي أنصار هذا الرأي أن البريطانيين، ، بنوا نظامًا أكثر "عقلانية" وحتى أكثر إنسانية مقارنة بالإمبرياليات الإسبانية والبرتغالية والفرنسية. ويزعمون أن البريطانيين اتبعوا سياسة أكثر "دهاءً"، حيث تسللوا إلى عقول السكان الأصليين في المستعمرات وسيطروا عليها. كما أن مفهوم احتلال العقول والاستعمار الذهني يدعم هذا الرأي. إن الخطأ في اختيار المصطلح يؤدي حتمًا إلى أخطاء في التعاريف اللاحقة. فمفهوم "الاستعمار الذهني" مثلاً، نظرًا لتعبيره عن حالة غامضة، يؤدي إلى ابتعادنا عن الواقع بسبب استخدامنا الخاطئ للمفاهيم."
إن كشف إرث الاستعمار البريطاني ومقارنته بالأنظمة الاستعمارية الأخرى يعد بطبيعة الحال أمرا مهماً لفهم السياق التاريخي للقرون الخمسة الماضية. ويمكننا مقارنة الإمبراطوريات الحديثة بالإمبراطوريات الكلاسيكية مثل الإمبراطورية الرومانية والعثمانية. ويمكن لهذه المقارنات أن تؤدي إلى نتائج ملهمة ومفيدة. سأركز هنا على خطأ شائع في فهم مفهوم "الاستعمار". فبناءً على المعنى الشائع لهذا المصطلح، غالبًا ما تصل الدراسات إلى نتائج مضللة. ففي الكثير من اللغات ارتبط مصطلح "الاستعمار" ارتباطًا وثيقًا بـ"الاستغلال"، مما أدى إلى تصنيف دول مثل الدولة العثمانية على أنها "استعمارية"، وهو تصنيف لا يعكس بالضرورة حقيقة الأمر. في الواقع، المصطلح الأصلي هو (Colonialism)، والذي يشير إلى نظام استعماري محدد ظهر في العصر الحديث. ركزت الدراسات الأكاديمية الغربية على هذا النوع الجديد من الاستعمار، والذي يختلف عن الأنظمة الإمبراطورية السابقة، حيث كان هدفه الأساسي ليس مجرد الاستغلال الاقتصادي للموارد، بل إنشاء مجتمعات جديدة تحمل نفس الثقافة والقيم والحكم مثل الدولة الأم، كما فعلت بريطانيا في مستعمراتها وحتى مفهوم المستعمرة غير كاف لوصف هذه الحالة. هذا النوع من الاستعمار، الذي يسمى "الاستعمار الاستيطاني"، كان يهدف إلى خلق "إنجلترات" جديدة في أراضٍ بعيدة، في الأراضي الخارجية التي تم الاستيلاء عليها تحت السيطرة الإمبراطورية.
أثناء بناء هذا النظام الجديد، أبدى البريطانيون عنفًا غير مسبوق تجاه السكان الأصليين في أمريكا الشمالية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، وهو ما لم يُشهد له مثيل في الإمبراطوريات الاستعمارية الأخرى. فقد كان الهدف في هذا النظام الجديد هو تغيير التركيبة الديموغرافية لهذه المناطق بشكل كامل. من الصعب تفسير هذه الأعمال الوحشية بمفهوم "الاستغلال" وحده. وعلى الرغم من أن وضع الأفارقة الذين نُقلوا إلى أمريكا الشمالية تحت الحكم البريطاني قد يكون مختلفًا بعض الشيء، إلا أنه لا يمكن فهمه إلا في سياق هذا النظام الاستعماري."
ليس من قبيل المصادفة أن يُقارن النظام الإسرائيلي بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا قبل التسعينات. فكلا النظامين هما نتاج للإرث الاستعماري البريطاني. ولكن يجب تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي تكونت في الأذهان حول طبيعة الاستعمار البريطاني. كانت التعبيرات المستخدمة في وصف هذا النظام تبرز "العقل البريطاني" مما أدى إلى الابتعاد عن الواقع. لقد كانت عملية استقلال جنوب إفريقيا في نهاية القرن الماضي مهمة للغاية لفهم الواقع. فذاكرة النظام الناتج عن المستعمرات الاستيطانية البريطانية لا تزال تثير الكراهية حتى اليوم. وقد أطلق على هذا النظام في جنوب إفريقيا نظام الأبارتهايد، وكان مبنيًا على التمييز العنصري. وكان المستوطنون الأنجلو-سكسونيون هم أساس هذا النظام. والسمة المميزة للاستعمار الاستيطاني هي التمييز العنصري. إن وصف هذا النظام بأنه نتاج "العقل البريطاني" أو "الدهاء" أوالقدرة على الإدارة، أو "الاستعمار الذهني"، هو وصف خاطئ للغاية. فهذه الأوصاف تطمس جرائم مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ومصادرة الممتلكات. وقد حقق البريطانيون أهدافهم بالفعل من خلال الدعاية في القرن الماضي. وكان اليهود والصهاينة من أركان هذا النظام.
لقد صنفت محكمة العدل الدولية، بناءً على طلب من الأمم المتحدة، إسرائيل بأنها نظام مبني على التمييز العنصري (الأبارتهايد). في الواقع، أظهرت المحكمة السمة المميزة للاستعمار البريطاني. ومن الواضح للغاية أن هذا الوصف لم يأتِ هذه المرة من العواصم الغربية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!