ترك برس
تستعد تركيا للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق قبالة سواحل الصومال، في منطقة بحرية تعدّ واحدة من الأكثر توتراً وخطورة بين نظيراتها حول العالم، في خطوة تعكس اهتمام أنقرة المتزايد بالموارد الطبيعية والإستراتيجية في المنطقة.
وبالتزامن مع الإعلان عن هذا القرار، أرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طلبًا إلى البرلمان التركي للحصول على إذن لنشر قوات من الجيش التركي على سواحل الصومال لمدة عامين، في إطار دعم الأنشطة الرامية إلى ضمان أمن الصومال ضد الإرهاب والتهديدات الأخرى.
التنقيب عن النفط والغاز
وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، أوضح في تصريحات صحفية أن سفينة الأبحاث "الريّس عروج" التركية ستتوجه إلى الصومال برفقة سفن الدعم في نهاية سبتمبر/أيلول المقبل لبدء التنقيب.
ويقدر أن عمليات التنقيب عن النفط في الصومال ستستغرق بين 3 و5 سنوات، بحسب ما نقلته "الجزيرة نت".
وتعتزم تركيا التنقيب عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة السواحل الصومالية، وقد باتت تركيا واحدة من الدول التي تمتلك أهم أساطيل سفن التنقيب في أعماق البحار، حسب الوزير الذي أكد أن بلاده لا تجري التنقيب في مياهها الإقليمية فحسب، بل ستجري عمليات تنقيب في سواحل دول عدة، وأن الاتفاقية المبرمة مع الصومال دليل على ذلك.
وفي إطار تعزيز العلاقات الثنائية، وقعت تركيا والصومال في مارس/آذار الماضي اتفاقية دولية ومذكرة تفاهم لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي في المناطق البرية والبحرية بالصومال.
وشملت جهود تركيا في الصومال بناء مدارس ومستشفيات وتطوير البنية التحتية، فضلا عن تقديم منح دراسية للصوماليين للدراسة في الجامعات التركية.
وفي عام 2017 افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في مقديشو حيث توفر التدريب للقوات المسلحة والشرطة الصومالية، في خطوة تعزز من قدراتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار.
رافعة اقتصادية
وترى الأكاديمية الاقتصادية غامزي أوزديمير -في حديث للجزيرة نت- أن الاتفاق الموقع مع الصومال سيوفر على المستوى الاقتصادي رافعة مهمة لتعزيز الوجود التركي في سوق البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وشددت على أن العوائد الاقتصادية من المفترض أن تفوق النفقات المالية، أو على الأقل تتعادل مع الإيرادات الناتجة عن حقوق الاستخراج.
وأكدت أوزديمير أن تنفيذ مثل هذه العمليات المعقدة يتطلب خبرة جادة. ومع التطورات التي شهدتها تركيا منذ عام 2016، أصبحت الآن في وضع يسمح لها بتنفيذ هذه الأنشطة بنجاح، حسب قولها.
وأوضحت أنه لتنفيذ مشروعات الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في الصومال من المتوقع أن تستثمر تركيا بصورة كبيرة، مع تقديرات تشير إلى تكاليف محتملة تبلغ نصف مليار دولار.
ولفتت إلى أن تقديرات الحكومة الأميركية تشير إلى أن الصومال يمتلك احتياطيات لا تقل عن 30 مليار برميل من النفط والغاز، وأن تطوير هذه الموارد سيتطلب وقتا واستثمارات كبيرة، مع بدء الحفر في مربعات بحرية محددة خلال المرحلة القادمة.
وأشارت إلى أن الدور العسكري لتركيا على سواحل الصومال قد يقود في المستقبل إلى زيادة التعاون والتقارب بين تركيا وواشنطن وحلف الناتو، موضحة أن أنقرة تدرك أن الحضور العسكري الأميركي في المنطقة قد لا يكون دائما، وأن واشنطن تفضل الاعتماد على حلفائها في الشرق الأوسط لتأمين الاستقرار، وذلك مما يعطي تركيا ورقة ضغط تنافسية مع واشنطن إن تراجعت العلاقات بين البلدين.
شراكة دفاعية
ويعتزم البرلمان التركي في الأسبوع الجاري مناقشة طلب قدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشأن إرسال قوات بحرية تركية إلى السواحل الصومالية بالتزامن مع بدء عملية التنقيب عن النفط والغاز.
وأشار الطلب إلى أنه رغم امتلاك القوات الصومالية للقدرات البشرية والموارد الأخرى، فإنها لم تتمكن من الوصول إلى المستوى المطلوب بسبب التحديات الاقتصادية، وأن الحكومة الفدرالية الصومالية تسعى حاليا إلى السيطرة على المناطق البحرية الاقتصادية غير المستغلة وتعزيز الاقتصاد البحري لتحقيق التنمية المستدامة.
وأوضح الطلب أن التعاون بين تركيا والصومال يهدف إلى حماية الموارد الاقتصادية الصومالية، والإسهام في استقرار المنطقة وأمنها، ومن ذلك مناطق خليج عدن والبحر العربي، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الودية بين البلدين ودعم الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والقرصنة.
وفي إطار الأهداف المتفق عليها في الاتفاقية الموقعة بين تركيا والصومال في 8 فبراير/شباط الماضي، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين، أشار الطلب إلى أن الصومال طلب دعما من القوات المسلحة التركية لمكافحة الإرهاب، والقرصنة البحرية، والصيد غير القانوني، وجميع أنواع التهريب والتهديدات الأخرى.
ووفق الاتفاق الممتد 10 سنوات، ستتولى تركيا حماية ما يقرب من 3 آلاف كيلومتر من ساحل الصومال، من كينيا إلى جيبوتي، بواسطة سفن حربية وجنود أتراك، ولم يتضح إذا كانت هذه الحماية ستشمل خليج عدن ومنطقة أرض الصومال إذ سيجري تحديد الوضع بدقة إثر توقيع البروتوكولات الفرعية للاتفاق.
وفي إطار الاتفاق، وصلت سفينة عسكرية تركية إلى ميناء مقديشو الدولي في أبريل/نيسان الماضي، في إشارة إلى التنفيذ العملي لاتفاق التعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين.
تعزيز الشراكة
وقال الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون التركية محمود علوش -في تعليق للجزيرة نت- إن خطوة تركيا تأتي في إطار الشراكة الإستراتيجية المتنامية بين أنقرة ومقديشو على مستويات متعددة، معتبرًا إياها خطوة لتعزيز الحضور العسكري التركي في منطقة القرن الأفريقي، في ظل المنافسة الجيوسياسية المتصاعدة حول هذه المنطقة الحيوية.
وأوضح أن الوجود العسكري التركي في المياه الصومالية يهدف إلى توفير بيئة أمنية مناسبة لأعمال التنقيب عن النفط والغاز، خاصة في مواجهة التحديات المحتملة المتمثلة في الإرهاب والقرصنة.
وأكد أن تركيا تسعى من خلال شراكتها الإستراتيجية مع الصومال إلى تقديم نفسها وسيطا للاستقرار وقوة داعمة في القرن الأفريقي، وتسعى لتطبيق هذا النموذج مع دول أخرى في المنطقة مثل جيبوتي.
وأشار الباحث إلى أن هذه الخطوة تعزز من قدرة الصومال على حماية مياهه الإقليمية، ولا تستهدف أي دولة أخرى، مؤكدًا أن ذلك يندرج في إطار جهود تركيا لدعم مسيرة التعافي الصومالية من آثار الحرب، إذ إن آثار الحرب الأهلية جعلت الصومال غير قادر على حماية سواحله ومواجهة الطموحات الإثيوبية التي تهدد وحدة أراضيه، ومن ثم فإن تعزيز علاقاته مع تركيا يساعده في تقويض طموح إقليم أرض الصومال بالانفصال وإحداث توازن للقوى مع إثيوبيا.
وأضاف أن تصاعد الصراع الصومالي الإثيوبي إلى مستويات أكثر اضطرابا بعد اتفاق أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال يشكل اختبارًا صعبا لتركيا في التعامل مع الديناميكيات المحلية والإقليمية المعقدة في منطقة القرن الأفريقي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!