ندرت إيرسانال - يني شفق
هناك مجموعة من الأحداث المترابطة بدأت بواقعة الدفاع المشروع في 7 أكتوبر واستمرت حتى يومنا هذا، مما دفع الأطراف في أوكرانيا إلى تغيير توجهاتهم بسرعة وإعادة ترتيب أوراقهم.
الآن نلاحظ وجود تلازم بين حدثين آخرين: اغتيال هنية والهجوم الأوكراني "غير المتوقع" على كورسك، وكلاهما يبدوان متزامنين ومتناسقين.
سنرى في النهاية أن جميع الأحداث مرتبطة بـ 5 نوفمبر.
لا شك أن حادثة كورسك أثارت اهتمام الضباط العسكريين من الناحية العسكرية والتقنية. ومن جهة أخرى يجب التأكيد على أن هذه الحادثة تمثل إحدى أكبر هزائم روسيا المخجلة. يجب التحقيق فيما إذا كانت هذه الهزيمة نتيجة لإهمال التركيز على الهدف أو للاسترخاء، أو ربما بسبب أخذ غفوة أثناء الحراسة. لكننا كمتابعين من الخارج لا يمكننا إلا أن نقول إن موسكو ارتكبت خطأ فادحًا.
وبالطبع هناك احتمال أن تتمكن روسيا في النهاية من السيطرة على الوضع وتطهير أراضيها، وهذا ممكن. ولكن يبدو أن الأمر لن يكون سهلاً أو سريعًا أو زهيد التكلفة كما كان في حالة فاغنر.
هناك أمر جديد على الجبهة الغربية.
إن عملية كورسك التي نفذتها أوكرانيا هي نتيجة تخطيط جيد من قبل القيادة الأوكرانية، ويبدو أنه رغم خروجها عن سيطرتهم إلا أنها لم تغب عن أذهان قادة كييف.
في حرب طويلة الأمد، حيث يُفترض أن كل خطوة ممكنة قد تم قياسها واتخاذ التدابير اللازمة بشأنها، فإن إنشاء جبهة "بلا حدود" أو فتح حدود "بلا جبهات" هو أمر يستحق التقدير. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام القوات العسكرية المشتركة في كورسك وتحقيقها النجاح سيؤدي بلا شك إلى مكافآت، ولكن دراسة ذلك الأمر تقع ضمن اختصاص الخبراء.
هل ستتمكن أوكرانيا والقوى الداعمة لها من التمسك بموقعها هنا والتوسع أكثر؟ وكيف ستتم إدارة الجانب اللوجستي؟ وكيف ستجمع روسيا قوتها وما هي الخطط التي ستعتمدها لطرد العدو من أراضيها؟ كل هذه الأسئلة مشروعة ومطروحة حالياً. ولكن في حرب تم تجميدها لفترة طويلة تحت شعار "لا جديد في الجبهة الغربية"، هناك شيء جديد الآن.
ما تخبرنا به معركة كورسك في الوقت الحالي هو أنها تمثل ضربة موجعة لروسيا من الناحية العسكرية والسياسية. وسيكون إنشاء قاعدة عسكرية أو مقر قيادة في المنطقة مهيناً للغاية. أما مسألة ما إذا كانت هذه المعركة ستكون حاسمة في نتيجة الحرب فهي مسألة أخرى.
صورة شخصية للكرملين..
هذا يعني أن الحرب في أوكرانيا لم تنته بعد، وهو ما يتزامن تماماً مع دخول روسيا مرحلة الفوز في الحرب وخنق كييف.
نقرأ بين الحين والآخر تحليلات دولية تزعم أن ما يحدث هو في الواقع كمين روسي، وأن الهدف هو اجتذاب الجيش الأوكراني إلى داخل الأراضي الروسية ثم محاصرته وتدميره. هل هذا ممكن؟ ربما. ولكن الأمر لا يبدو كذلك.
بل يبدو أن هذا الوضع تسبب في فوضى كبيرة داخل روسيا، ودفع مئات الآلاف من المدنيين الروس إلى الفرار في حالة من الذعر. سيؤدي التعامل مع هذا الأمر إلى إضاعة قدر كبير من الوقت والمال، كما أنه سيعطل التركيز العسكري. وفوق ذلك فإن الأسلحة الغربية، بدءًا من الدبابات الأمريكية والبريطانية والألمانية ووصولًا إلى جميع أنواع الذخيرة، موجودة الآن داخل روسيا، هذا يعني تجاوز الخطوط الحمراء الكبيرة، وهو أمر مهين للكرملين. إن شبح الحرب العالمية الثانية يطارد روسيا.
يعتقد بوتين نفسه أن هجوم كورسك كان عملاً مدبرًا من الغرب بهدف تقوية موقفهم في المفاوضات المستقبلية. وهذا الاحتمال وارد. بالطبع يجب تحليل هجوم كورسك من منظور سياسي ودبلوماسي، وسنقوم بذلك، ولكن هذا التحليل لن يغير حقيقة أن الصورة الحالية تبدو كارثية. كل ما يحتاجه الغرب هو تلك اللقطة الواحدة، التي قالوا فيها "ابتسموا".
الساعة الرملية..
إن حرب إيران وإسرائيل وفلسطين/غزة، إلى جانب الحرب الأوكرانية، ستشكل "إرث" إدارة بايدن. ولن يقتصر الأمر على ذلك، بل سيؤثر بشكل حاسم على فرص كامالا هاريس في الفوز أو الخسارة في الانتخابات الرئاسية. لذا فإن هاتين الحربين تحملان أهمية حيوية لإدارة واشنطن الحالية.
لتبسيط الأمر فإن السؤال الحاسم هو: هل سيفيد ضرب إيران لإسرائيل وانتصار روسيا على أوكرانيا، بايدن وهاريس أم ترامب؟ ويمكن توسيع هذا السؤال ليشمل: من ستدعم أوروبا؟ ومن ستدعم الصين؟ ومن سيدعم الاقتصاد العالمي؟ من ستدعم تركيا، وما إلى ذلك.
وثمة سؤال آخر مثير للقلق، وهو بما أن الرهان والمكافآت بهذا الحجم الكبير، فما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟ فمن الواضح أن الغرب بدأ يتجاهل بشكل متزايد يومياً، تهديدات روسيا باستخدام الأسلحة النووية في حال وصلت إلى طريق مسدود.
إن تحويل الحرب من مرحلة "يمكن السيطرة عليها" كهجمات بطائرات مسيرة وتخريب في نقاط حيوية داخل الأراضي الروسية، إلى غزو روسي، حتى ولو بشكل رمزي ولفترة قصيرة، يشير إلى دخولنا مرحلة جديدة خارجة عن السيطرة. وإذا كان الموعد النهائي هو الخامس من نوفمبر، فهذا يعني أن الضغط الزمني آخذ في الازدياد.
رحلة عباس...
إن كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجلسة الطارئة للبرلمان التركي، مخاطباً العالم، تعد حدثاً بالغ الأهمية بلا شك.
كان التوقيت قد أُعدَّ لظروف مختلفة، وكان الأجدر أن يتم بالتزامن مع خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي. وكان من الممكن تعزيز هذا الحدث بمشاركة الشهيد إسماعيل هنية. ولكن ذلك لم يحدث...
وأنا على يقين أن من استمع إلى عباس وهو يلقي خطابه على منبر البرلمان يوم الخميس، قد تردد في داخله: "كان من حق هنية أن يكون هنا، فهو الأجدر والأحق بذلك".
إن موقف تركيا لا يثير أي استغراب؛ فنحن ندعم القضية الفلسطينية، وهذا موقف صائب. ولذلك فلا غرابة في استضافة عباس. بل إن الأمر يعد رسالةً واضحة إلى الدول التي تسعى منذ البداية إلى إقصاء تركيا عن هذه القضية.
من ناحية أخرى، كان خطاب عباس ضعيفاً جداً، وقد شعر بذلك الجميع وإن لم يصرحوا به. لو أن رئيس البرلمان نعمان كورتولموش هو من ألقى هذا الخطاب بدلاً من عباس، لرأينا كيف يتم الدفاع عن قضية ما، بحماس وروح وإخلاص وطاقة. باختصار يجب على تركيا التفكير في ما بعد عباس.
أما قرار عباس بالذهاب إلى غزة فنحن نؤيده ونشجعه، ولكن لا أعتقد أنه يحمل أي مخاطر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس