ترك برس
تناول تقرير تحليلي للسياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، الجدل المحيط بالدعوة التي وُجهت للرئيس الفلسطيني محمود عباس، لإلقاء خطاب في البرلمان التركي، مع التركيز على التساؤلات حول مدى ملاءمة عباس لهذا الدور، خاصة في ضوء موقفه من الهجمات الإسرائيلية على غزة وتعامله مع حركة حماس.
ولفت أقطاي في مقاله بصحيفة يني شفق إلى أن البعض يرى أن دور محمود عباس يتماشى مع تأمين مصالح إسرائيل أكثر من تمثيل المقاومة الفلسطينية، وأن تعاونه مع إسرائيل أمنيا أثر على موقفه من الهجمات الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتطرق التقرير إلى ردود فعل أعضاء البرلمان التركي على خطاب عباس، بما في ذلك تصرفات بعض الأحزاب مثل "الدعوة الحرة" و"الجيد"، وكيف أن هذه التصرفات أكملت الرسائل السياسية الموجهة إلى إسرائيل والولايات المتحدة.
وفيما يلي نص التقرير:
لقد كان خطاب محمود عباس في البرلمان التركي بصفته رئيسًا لدولة فلسطين حدثًا بالغ الأهمية خرق العديد من المسلمات لدى الكثيرين من نواحٍ عديدة، كان التفكير في دعوة عباس للتحدث في البرلمان التركي بمثابة رد على استقبال القاتل مرتكب جرائم الإبادة الجماعية، بنيامين نتنياهو، بحفاوة وتصفيق في الكونغرس الأمريكي، رغم جميع جرائمه ضد الإنسانية. ولكن منذ اللحظة الأولى التي طُرحت فيها هذه الفكرة، أثيرت تساؤلات حول ما إذا كان محمود عباس هو الشخص المناسب لهذا الغرض. فبعد الهجوم الوحشي الذي تعرض له أهل غزة منذ السابع من أكتوبر، لم يتخذ محمود عباس، بصفته الممثل الرسمي لفلسطين، موقفًا مميزًا يختلف عن صمت باقي القادة العرب. بل إنه زاد الطين بلة بتصريحاته التي حمل فيها حماس ـ بدلًا من إدانة إسرائيل ـ مسؤوليةَ المجازر الوحشية والهجمات في غزة التي أيقظت ضمير الإنسانية ضد إسرائيل.
في الواقع السبب الرئيسي لوجود محمود عباس، هو ضمان أمن إسرائيل، كما صرح هو نفسه مرارًا بذلك في مناسبات مختلفة، مثل اجتماعات الجامعة العربية،. ليس سرًا أن مهمته الأساسية تتمثل في منع الروح المقاومة التي تنبض في الشعب الفلسطيني من تهديد إسرائيل بسبب سياساتها التوسعية والاستيطانية وانتهاكاتها للمسجد الأقصى.
فحتى في الضفة الغربية التي تخضع لسيطرة حكومته، شهدنا منذ السابع من أكتوبر آلاف الهجمات الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل واعتقال آلاف الفلسطينيين. ورغم ذلك، تعاونت قوات الاستخبارات والشرطة التابعة لعباس مع إسرائيل في مواجهة الغضب والأنشطة الفلسطينية المقاومة، وكانت مهمته هي الوصول إلى الأماكن التي لا تستطيع إسرائيل الوصول إليها وقمع المقاومة نيابة عنها، وهذا معروف لدى الجميع. ولذلك في ظل الأجواء التي تشكلت منذ السابع من أكتوبر، لم يُنظر إلى عباس على أنه الشخص المناسب لتمثيل المقاومة الفلسطينية، بل لا يمكن أن يكون حتى آخر من يمثلهم. وحتى ولو كان ذلك رداً على نتنياهو، كانت دعوته للتحدث في البرلمان التركي خطوة أثارت الكثير من الاستغراب.
في الحقيقة، كانت أنقرة على دراية بهذه المفارقة ولذلك، تم التفكير في أن يصاحب الرئيس عباس في هذه الزيارة زعيم حركة حماس، بهدف التخفيف من حدة هذه المفارقة. من ناحية أخرى، كانت خطوة منطقية تتسق مع نهج تركيا الثابت تجاه القضية الفلسطينية. فتركيا رغم هذه التصورات السلبية عن عباس أو الدور الذي يلعبه، كانت تصر على ضرورة توحيد الأطراف الفلسطينية وتمثليها فلسطين معًا. ولكن استشهاد إسماعيل هنية جعل التمثيل الثنائي في هذه الزيارة مستحيلاً.
من جهة أخرى، رغم الوضع الفعلي أو الرسمي لعباس، لا يمكن تجاهل موقعه كممثل رسمي لكل الشعب الفلسطيني، بمن فيهم حركة حماس. وفي خطابه أمام البرلمان التركي تجاوز عباس دوره المعتاد بشكل كبير.حيث لم يوجه أي اتهام لحماس، بل اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وأشار إلى الولايات المتحدة كشريك في هذه الجرائم. ربما لم يكن ليتمكن من إلقاء مثل هذا الخطاب في أي مكان آخر غير تركيا.
إن إلقاء عباس لهذا الخطاب، وإن جاء متأخراً، يعني أنه قد قام بما كان ينبغي عليه فعله منذ 7 أكتوبر. فلم يكن محتوى خطابه مختلفاً عما قد يقوله أي متحدث باسم حماس. فقد صاغت البيئة المحيطة به، وتوقعات العالم منه عبر تركيا، محتوى هذا الخطاب. كما أن الترحيب الحار الذي لقيه من جميع أعضاء البرلمان التركي، بتصفيقهم ووقوفهم المتكرر، لم يكن تعبيرًا عن تقدير شخصي له، بل كان رسالة موجهة إلى إسرائيل، والولايات المتحدة، وكل من دعم المجازر فعليًا أو بالصمت أو التصفيق.
ربما لم يكن من الواضح تمامًا فهم هذه الرسالة، لذا فإن الرسائل التي قدمها أعضاء البرلمان من مختلف الأحزاب أثناء استماعهم للخطاب ساعدت في توضيحها بشكل أكبر. على سبيل المثال، فإن قيام نواب حزب "الدعوة الحرة" بوضع صور إسماعيل هنية ويحيى السنوار على مقاعدهم وعدم مشاركتهم في التصفيق والوقوف كان بمثابة إتمام رائع للجوانب المفقودة من هذه الرسالة.
كما تم استكمال جانب آخر من الرسالة من خلال وضع حزب "الجيد" لعلم تركستان الشرقية على مقاعد البرلمان. فمن المعروف أن محمود عباس قد أيد السياسات التمييزية في تركستان الشرقية خلال زيارته إلى الصين، مدعيًا أن الصين تكافح الإرهاب.
وفي الوقت الذي كان فيه شعبه يتعرض لمجازر مروعة على مدار عام تقريباً، فإن عدم قيامه بما كان يجب عليه فعله حتى الآن سيبقى بلا شك عبئاً ثقيلاً عليه. إلا أن تصنيفه لما يجري في غزة ــ بصفته رئيس فلسطين ـ على أنه إبادة جماعية وتحميل إسرائيل وأعوانها مسؤولية ذلك، بالإضافة إلى تذكيره بالشهيد إسماعيل هنية الذي أقاله من منصب رئاسة الوزراء، وقراءة الفاتحة على روحه، وإعلانه عزمه زيارة غزة مع جميع إخوته، حتى وإن جاء متأخرًا، يمثل مكسباً كبيراً للقضية الفلسطينية وللمقاومة في غزة ضد إسرائيل، بغض النظر عن آراء الآخرين.
ورغم أن خطط إسرائيل والولايات المتحدة تشمل انتقال عباس إلى غزة لتولي الإدارة فيها بدلاً من حماس، فإن الوضع الآن قد يسمح بزيارة عباس إلى غزة بالتعاون مع حماس وليس رغماً عنها. وهذا سيكون نتيجة طبيعية لخطاب عباس في البرلمان التركي.
بمناسبة ذلك أعتقد أن موقف جميع أعضاء البرلمان التركي تجاه هذه القضية، رغم اختلافاتهم، قد شكل تركيبة مهمة ومصدر فخر لتركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!