ترك برس
تناول تقرير تحليلي للكاتب والخبير التركي نيدرت إيرسانال، أبعاد الدعوة التي وجهها الاتحاد الأوروبي إلى تركيا للمشاركة في الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دوله الأعضاء "جيمنيتش"، الذي سيعقد في بروكسل.
وقال إيرسانال في تقريره بصحيفة يني شفق إنه بعد خمس سنوات وجَّه الاتحاد الأوروبي دعوة إلى تركيا للمشاركة في الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دوله الأعضاء "جيمنيتش"، الذي سيُعقد في بروكسل ومن المتوقع أن يشارك وزير الخارجية هاكان فيدان في هذا الاجتماع.
ووصفت وزارة الخارجية التركية هذه الدعوة بأنها تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يدرك ضرورة تطوير العلاقات مع تركيا في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية. ونشرت بعض الصحف التركية هذه الدعوة بحماس، ووصفتها بأنها دليل على أن "تركيا لا يمكن الاستغناء عنها". وفقا للكاتب.
وقد علق جولدنار سونموت، الخبير بالشؤون الأوروبية على هذه الدعوة بأنها تعكس حاجة الاتحاد الأوروبي إلى مناقشة قضايا مثل غزة وأفريقيا وليبيا وشرق المتوسط مع تركيا بشكل مباشر. لكن غلدنر، بحسه الأخلاقي، يشير إلى أنه لا ينبغي أن ننخدع بالمظاهر، قائلاً: "لقد دعونا بصفتنا دولة مرشحة، لكن هذا لا يعني أنه سيتم فتح فصول جديدة."
وبالتالي، هناك فرق كبير بين حاجة الاتحاد الأوروبي لهذه الدعوة وبين اعتقاد أن تركيا قد حصلت على مكسب كبير وأن هذه الدعوة فرصة ثمينة.
وتابع المقال:
أنتم من لا تستطيعون التخلي عن الاتحاد الأوروبي..
بعد أن سمعنا تصريحات تفيد بأننا لا يجب أن نتوقع أي تقدم في عملية انضمامنا إلى الاتحاد الأوروبي، كان من الطبيعي أن نتساءل لماذا لا ننهي هذا المسار. ولكن حتى ردنا الأكثر هدوءًا، وهو اعتبار هذه الدعوة دليلاً على سعي الاتحاد الأوروبي للحوار، يكشف عن مدى تمسكنا بأمل ضئيل.
فإذا وصلت علاقتنا بالاتحاد الأوروبي، بعد نصف قرن من الزمن، إلى نقطة يبحث فيها الاتحاد عن إمكانية الحوار معنا، فما يجب قوله ليس "لا يمكنهم الاستغناء عن تركيا"، فمن هم ليقرروا ما إذا كانوا سيستغنون عنا أم لا؟ السؤال الحقيقي هو: "هل تستطيعون أنتم الاستغناء عنهم؟"
وإذا كان الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الكبرى يهتمون حقًا بآراء تركيا وتأثيرها في المنطقة، ويعتبرونها شريكًا في حل المشاكل، فيجب أولاً أن يعترفوا ببعض الحقائق. فالدول الأوروبية هي المسؤول الأول عن الوضع المأساوي في العديد من مناطق العالم، بما في ذلك غزة. فكيف يمكننا أن نقبل دعوة للتفاوض حول غزة، في حين دعوتهم التي أرسلوها إلى تركيا ملطخة بالدماء؟
والحال نفسه ينطبق على مناطق أخرى. ففي شرق البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، قصص جرائم الغرب تعود لقرون، لكنهم في هذه المناطق، سواء في ليبيا أو قبرص أو البحر المتوسط أو سوريا، بل وحتى في أوكرانيا، ألم يحاولوا محاصرة تركيا وإقصاءها عن هذه المناطق؟ أليسوا مستمرين في ذلك أيضاً؟
فماذا عن عشرات الدعوات والمبادرات التي أطلقتها أنقرة لحل الأزمات الإنسانية؟
هل أدركوا الآن، وهل ترون أي علامات على الندم؟ هل يعقل أن تُستخدم ورقة ضغط عالمية في اجتماع غير رسمي؟
ثالثاً: فقد الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء قدرتهم على إنتاج حلول لمشاكلهم الداخلية والإقليمية والعالمية. وبعد الأزمة الأوكرانية، أصبحت الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر بمثابة كابوس يقض مضاجعهم.
فلماذا الآن، يسعون إلى الحوار مع تركيا بعد سنوات؟
لقد تم دفع أوروبا إلى موقع عالمي من الاستقطاب لم تكن ترغب فيه. فهي تدرك جيدًا صعوبة التعامل مع روسيا، وتحاول حاليًا بناء علاقات مع الصين. وباختصار فإن أوروبا بحاجة إلى تركيا كوسيط بينها وبين الشرق.
هذا جيد، ولكن لماذا تقدم تركيا كل هذه الأوراق القوية، مثل الطاقة والطرق البحرية والقوة العسكرية، من أجل حوار على مستوى منخفض؟ أليس الاجتماع غير رسمي؟
من أجل المال؟ أم من أجل الحصول على تأشيرات؟ أم من أجل طائرات يوروفايتر؟ أم من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟ هذه الأوراق التي تمتلكها تركيا ستصبح من أغلى الأوراق في العالم عندما يتم تطويرها، ولا يمكن لأي رئيس أمريكي، سواء كان ترامب أو كامالا أو غيرهما، أن يغير ذلك بحلول عام 2028.
لماذا قضى بوتين الليلة في باكو…
باختصار، دعونا نركز على ما يحدث هنا، بدلاً من النظر إلى هناك.
فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا يفيد بوجود وثيقة سرية أصدر فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن توجيهات إلى البنتاغون بالاستعداد لحرب نووية محتملة مع روسيا والصين وكوريا الشمالية.
وتشير صحيفة "فاينانشيل تايمز" إلى أن شراء تركيا منظومة إس-400 الروسية يعد أكثر قرارات الرئيس أردوغان إزعاجًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو). لكن المشكلة الأكبر في العلاقات التركية الروسية تكمن في مشروع محطة أكويو النووية.
إذا جمعنا الاثنين معًا؟ وأضفنا إليهما نظرة أمريكا إلى إيران من خلال أزمة إسرائيل ونهجها تجاه الأنشطة النووية لهذا البلد.
على سبيل المثال..
لنتأمل هذا الخبر المنشور في صحيفة واشنطن بوست: "إيران تسعى لإقامة شراكات مع شركتين صينيتين للأقمار الصناعية". وتضيف الصحيفة: "الاتفاق بين إيران والصين قد يزود طهران بقدرات محسنة لترسانتها من الصواريخ الباليستية".
أو مثلاً: تقدمت أذربيجان بطلب رسمي للحصول على عضوية كاملة في مجموعة البريكس، مدفوعًا باتفاقيات أبرمتها مع الصين في يوليو/تموز والزيارة التي قام بها بوتين إلى باكو.
ماذا تعني هذه التطورات بالنسبة للمنطقة؟ وما هو موقف أنقرة من كل هذا؟
إنها وسيلة جديدة لفهم الشرق والغرب...
إن مجرد تسليط الضوء على النتائج الجيوسياسية التي ستنتج عن هذه الأحداث وما شابهها يخلق فهمًا محدودًا للعالم.
ولكن عندما نقارن بشكل عام - وهذه تقنية غير مستخدمة وغير فعالة - بين طبيعة الأحداث التي تجري في الغرب وتلك التي تجري في الشرق، ستدركون فورًا أن العقول التي تحاول حبسكم في وهم 'لا يمكنهم الاستغناء عنا' تحول دون وصولكم إلى عالم جديد.
إن تزايد حجم التجارة بالعملات المحلية بين الصين وروسيا لتصل إلى 95%، وتوسع نفوذ بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون في منطقة القوقاز، واستياء الهند من سعي الولايات المتحدة لتوحيد أوروبا خلفها من أجل أوكرانيا ومحاولتها تكرار نفس السيناريو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلى التعديلات الجديدة في سياسة الهند مع روسيا والصين، وتأثيرها على باكستان ودول الخليج والدول التركية، وصولًا إلى مساعي موسكو وبكين لإعادة تنظيم العلاقات بين باكو وطهران. ولا ننسَ طموحات تركيا، التي تتمتع بقوة إقليمية، والتي تسعى إلى توحيد أراضيها ثم المنطقة، مع الحرص على عدم الانحياز إلى أي من القوى العظمى، ولكنها مضطرة إلى بناء علاقات تجارية وعسكرية وفي مجال الطاقة معها. كل هذه التطورات تستدعي منا نظرة أعمق وأشمل.
هناك فارق شاسع بين أن يكون المرء مدركًا للواقع وبين أن يتخذ خطوات عملية بناءً على هذا الإدراك. أليس كذلك؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!