ترك برس
سلط مقال تحليلي للكاتب والخبير التركي إسماعيل ياشا، الجدل الذي أثارته هتافات عدد من الضباط الأتراك الجدد عقب حفل تخرج حضره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ووفقا للكاتب، قام عشرات من الطلاب الأتراك المتخرجين من كلية الحرب البرية في جامعة الدفاع الوطني، السبت الماضي، بتنظيم حفل ثانٍ لأداء القسم بعد أن أدوا القسم في حفل التخرج. ولم يكن هذا الحفل الموازي مدرجا في برنامج الحفل الرسمي الذي أقيم لطلاب كليات الحرب البرية والبحرية والجوية.
ولفت ياشا في مقاله بصحيفة "عربي21" إلى أن الطلاب حولوا حفل القسم الذي كتبوا نصه إلى مظاهرة رفعوا فيها سيوفهم، وهتفوا "نحن جنود مصطفى كمال"(في إشارة إلى مؤسس الجمهورية أتاتورك)، الأمر الذي اعتبره كثير من المحللين "رسالة سياسية" و"تمردا" يدق ناقوس الخطر، فيما قلل آخرون من أهمية الحدث، وقالوا إنه أمر طبيعي لا داعي للمبالغة في تفسيره.
وزارة الدفاع التركية نفت في بيان فتح تحقيق بحق هؤلاء الطلاب من قبل الجامعة بسبب مشاركتهم في تلك المظاهرة، لأنهم لم يعودوا طلابا بعد التخرج، إلا أن الكاتب التركي، علي إحسان كاراحسن أوغلو، انتقد هذا التهرب من المسؤولية، ولفت في مقاله بصحيفة "يني آكيت" إلى أن هؤلاء الطلاب خططوا لتلك المظاهرة قبل تخرجهم، ما يعني أنه، من الناحية القانونية، يمكن أن تفتح إدارة الجامعة تحقيقا في حقهم، لأن مجرد تخرجهم لا يسقط مسؤولية الإدارة.
المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، عمر تشليك، قال في تعليقه على مظاهرة الطلاب العسكريين في حفل التخرج، إنه من الطبيعي أن يهتف الضباط الجدد باسم "القائد الأعلى الأبدي" للجيش التركي، مصطفى كمال أتاتورك، ورفض انتقاد الطلاب المتخرجين والإساءة إليهم بسبب ما قاموا به، مضيفا أن هؤلاء تم تدريبهم ليشكلوا مستقبل البلاد. إلا أن رئيس حزب الحركة القومية، دولت باهتشلي، تساءل عن مغزى إقامة ذاك الحفل غير الرسمي، مشككا في نوايا المنظمين له، وحذر من استغلال اسم أتاتورك لإثارة الانقسامات في المجتمع، كما أنه طالب بالكشف عن ملابسات الحدث بكل جوانبه، مشيرا إلى أن ما قام به الضباط الجدد عزَّز آمال خصوم تركيا.
ويرى ياشا أن تصريحات تشليك توحي بأن حزب العدالة والتنمية رأى أن هناك فخا نصب له لجره إلى الصدام مع الضباط الجدد ومحبي أتاتورك، ولذلك اختار تجاهل حقيقة أن المظاهرة تستهدف الحكومة. إلا أن هذه التصريحات أثارت استياء في صفوف الحزب ومؤيديه، كما أن وزير الصناعة السابق والنائب عن حزب العدالة والتنمية، مصطفى وارانك، انتقد الفعالية الموازية، ودفاع حزب الشعب الجمهوري عن الضباط الجدد الذين قاموا بها، لافتا إلى أن الانتماء إلى المؤسسة العسكرية يتطلب الالتزام بأنظمتها وقواعدها الصارمة.
وتابع المقال:
لا يخفى على أحد في تركيا، أن هتاف "نحن جنود مصطفى كمال" هتاف سياسي يرفعه حزب الشعب الجمهوري، والانقلابيون، بالإضافة إلى كل من يريد أن يهرب من المساءلة القانونية وأن يتمتع بنوع من الحصانة. وفي أحد أمثلة هذا الاستغلال، رفع المجتمعون في مظاهرة للدفاع عن الكلاب الشاردة، ذات الهتاف، لتعزيز موقفهم المعارض للقانون الذي أقره البرلمان التركي من أجل إبعاد الكلاب الشاردة عن الشوارع، لحماية المواطنين.
هناك عدد كبير من الطلاب المتخرجين من كليات الحرب الثلاث لم يشاركوا في الفعالية غير القانونية، ومن السذاجة الاعتقاد بأن اجتماع هؤلاء الضباط الجدد للتظاهر بعد انتهاء حفل التخرج مجرد مصادفة، بل إن المؤكد هو أن هناك من خطط لهذا الحدث قبل أيام من موعد الحفل، وأقنع الطلاب المتخرجين بضرورة تنفيذ خطته. وبالتالي، فإن هذا السؤال يطرح نفسه: "من هو العقل المدبر لهذه المظاهرة؟".
قد يكون بعض الضباط الجدد قرروا أن يشاركوا في الحفل الموازي كسلوك القطيع، إلا أن المؤكد أن هناك من تورط في التخطيط والتنفيذ، كما أنه لا يستبعد وقوف ضباط متقاعدين وراء هذا الحدث الذي ما زال يشغل الرأي العام التركي. ويرى المنزعجون مما شهده حفل تخرج الطلاب العسكريين ضرورة فتح تحقيق لمعاقبة المتورطين، لأن التساهل مع الحدث، رغم خطورته، قد يشجع هؤلاء الضباط الجدد ومن يقف وراءهم، على التخطيط للقيام بمحاولة انقلاب في المستقبل.
مظاهرة الضباط الجدد أثارت نقاشا ساخنا حول احتمال تكرار محاولات الانقلاب. وقد يكون وقوع محاولة انقلاب تقليدية في تركيا شبه مستحيل في الظروف الراهنة، ولكن لا يستبعد أن يسعى الحالمون بالانقلاب إلى محاولات غير تقليدية وأكثر تعقيدا من سابقاتها. وإضافةً إلى ذلك، لا يستطيع أن يضمن أحد عدم تغيير الظروف التي لا تمنح حاليا أصحاب العقلية الانقلابية مساحة واسعة للتحرك.
الحكومة التركية قد ترمي إلى حماية المؤسسة العسكرية من الانقسامات وإبعادها عن النقاشات السياسية، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز جبهتها الداخلية لمواجهة التحديات الإقليمية الجسيمة، إلا أن ما قام به الضباط الجدد يتطلب تحقيقا دون إثارة ضجة، لمعرفة ارتباطات المشاركين في التمرد على أنظمة المؤسسة العسكرية وقواعدها، ومدى ميولهم الانقلابية، كما أنه يتطلب إعادة النظر في البرامج التعليمية لكليات الحرب لحماية وحدة الجيش التركي من الانقسام وعقيدته القتالية من الانحراف، ولكي لا تحل محل خلايا التنظيم الموازي التابع لجماعة غولن، خلايا أخرى تستهدف الإرادة الشعبية وتسعى إلى فرض وصاية عليها تحت قناع الولاء لمصطفى كمال أتاتورك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!