إحسان أقطاش - يني شفق
إن بقاء قائد سياسي على رأس السلطة في بلد ما لمدة ربع قرن بشكل متواصل، وبقاءه في السلطة بشكل مستمر، واحتلاله مكانة بين أول خمسة قادة في العالم رغم امتلاك بلدنا للاقتصاد السابع عشر عالميًا، وتحويل مهمة تركيا الدبلوماسية إلى تأثير عالمي، كل ذلك يكتسي أهمية بالغة في ظل تحول تركيا إلى قوة إقليمية.
لم يقتصر الرئيس أردوغان على انتقاد الممارسات الوحشية وجرائم الإبادة الجماعية والمجازر في غزة، والجهات التي تساندهم، وخاصة الأمم المتحدة، وكل المؤسسات فوق الوطنية التي تعجز عن التدخل بسبب بنيتها المهترئة، بعبارات صارمة على منبر الأمم المتحدة، بل قدم أيضًا طرقًا وأساليب بناءة لحل هذه القضايا.
وإذا تمكنا من وصف النظام الذي أقامته القوى الإمبريالية فسوف نفهم بشكل أفضل معنى ثورة الثقة بالنفس التي أحدثها أردوغان على الساحة الدولية.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لم يكن هناك أي جزء من العالم لم تحتله أو تستعمره الإمبراطوريات الاستعمارية.
وكانت غالبية دول آسيا، وجميع دول الشرق الأوسط، والقارة الأفريقية بأكملها، ومعظم دول أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى كندا ونيوزيلندا وأستراليا، لا تزال مرتبطة ببريطانيا. بالإضافة إلى الجزر التي لا يمكن حصرها في المحيطات والبحار.
ومع تراجع قوة بريطانيا وفرنسا إبان الحرب العالمية الثانية، اندلعت حروب الاستقلال في العديد من المستعمرات. وقد تمكنت دول عديدة من التحرر من الاستعمار، لكن 90% منها ظلت تعاني من الاستغلال.
ولم تتوقف عمليات الاستعمار عند هذا الحد، بل تحولت إلى أشكال جديدة، فاستخدمت الاحتكارات في مجالات الإدارة والتمويل والإعلام والتكنولوجيا. وبينما كانت هذه القوى، الشبيهة بـ"مصاصي الدماء"، تواصل التخطيط لرفاهية وازدهار بلدانها، كانت تخطط أيضاً لبؤس ومعاناة بقية الدول. وقد ساهم التفوق العسكري الأمريكي، والتكنولوجي الغربي، في استمرار احتلال هذه المجتمعات غير الغربية وإضعافها.
وبالمقارنة بين الوضع البائس والمتخلف للعديد من الدول الإسلامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وبين الازدهار المبهر للعواصم الغربية، يتضح أن جزءًا كبيرًا من هذه الدول لا يزال يعيش تحت نير الاستعمار شبه الكامل بقيادة الديكتاتوريين.
وفي ظل هذه الصورة القاتمة للدول المتخلفة في العالم، يظهر قائد يتجاوز الدعم المباشر للدول الغربية، ليحدث ثورة كبرى في البنية التحتية والتنمية في تركيا، التي تقع خارج النظام الغربي.
واليوم، تتفوق البنية التحتية لتركيا في مجالات النقل والطاقة والصحة والصناعات الدفاعية على العديد من الدول الغربية. وبعد أن أكملت تركيا ثورتها في البنية التحتية، وتبنت المهمة التاريخية لهذه الأمة، على عكس الحكام شبه المستعمَرين الذين قبلوا بعبودية الغرب، ظهر اهتمام عالمي بتركيا وأردوغان في كل الدول التي حبسها المستعمرون في مصير بائس.
وأصبحت جميع الأمم والشعوب المتخلفة والفقيرة تتطلع إلى أردوغان كرمز للأمل في مستقبل أفضل، وتربطه بمسارها المستقبلي.
لقد أسس الأتراك أكثر من نصف الإمبراطوريات التي شهدها التاريخ، وحولوا الدولة العثمانية إلى حضارة. إن ارتباط أردوغان بالمهمة تاريخية، يجعل منه ومن تركيا رمزًا لمستقبل واعد ومشرق.
إن أولئك الذين أصبحوا عبيداً مطيعين للدول الغربية، وأسروا عقولهم وأفكارهم، لا يستطيعون فهم ذلك. ولكن في منطقتنا الجغرافية، كنا نحكم معظم الدول التي نواجهها اليوم قبل 200 عام؛ كانت إسطنبول عاصمتها، وسلطانهم كان سلطاننا.
واليوم، عندما تزور دول أفريقيا أو دول منظمة التعاون التركية أو دول الشرق الأقصى أو البلقان، تجد أن أردوغان يُنظر إليه كقائد قوي يتحدى الإمبريالية، ويطور بلاده، ويتمسك بقيمه التاريخية والدينية. ترى هذه الشعوب في تركيا وأردوغان أملاً لمستقبلها.
أما في تركيا، فثمة مشكلتان كبيرتان: الأولى هي عداء المعارضة لأردوغان، والثانية هي عدم فهم حزب العدالة والتنمية لأردوغان.
لقد رسمت القوى العالمية، وأنصار تنظيم "غولن" الإرهابي، والمعارضة التركية، سياسة واضحة جداً وهي أن القضاء على نفوذ أردوغان سيمكنهم من استعادة السيطرة على تركيا. لذلك قاموا بترويج أكاذيب وافتراءات بحقه لا يمكن تخيلها، ووجهوا له انتقادات مهينة، وحرصوا على تدمير شعبيته وتأليب الناس ضده دون تمحيص أو تفكير. لقد بنوا جميع سياساتهم وإخفاقاتهم على هذا الأساس.
في المقابل، فإن أنصار حزب العدالة والتنمية، رغم أنهم يسيرون خلف أردوغان الذي أحدث ثورة ثقة بالنفس من أجل الشعوب المضطهدة وبلادنا، يترددون في التعبير عن أنفسهم، ويظهرون خوفًا وترددًا رغم كل ما حققوه، بدلا من اتباعه وتقليده ، ويتصرفون بعقلية المنهزمين، ويشعرون بالذنب كالإنسان الذي ارتكب الخطيئة الأولى في المسيحية.
وفي تركيا، فإن حزب الشعب الجمهوري والعلمانيين والماسونيين والعديد من اليساريين،ينظرون إلى أنفسهم على أنهم المنتصرون وأنهم ممثلون للحضارة الغربية، ولهذا فهم يحتقرون ويهمشون كل من يختلف عنهم. لقد أطلق أردوغان ثورة ثقة بالنفس في مواجهة قرن من هذا التهميش والازدراء، ولكن رغم ثقة أردوغان العالية، فإن أولئك الذين يمثلونه يعانون من نفسية الهزيمة. وقد أشار دولت بهتشلي في تصريحاته لحزبه قائلاً: "تعرفوا على أردوغان، وافهموه".
سأختتم بهذا الاقتراح: لماذا لا نأخذ بعض الأشخاص في رحلة حول العالم ليروا كيف يُنظر إلى أردوغان في الخارج؟ فالتاريخ هو تاريخنا، والثقافة هي ثقافتنا، والدين هو ديننا، والأرض هي أرضنا؛ فلمَ يكون لدينا أي شعور بالنقص تجاه أحد؟ سأعود إلى هذا النقاش في وقت لاحق. فلننتظر ونرى ماذا يخبئ لنا القدر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس