ترك برس
أكد الخبير والمحلل السياسي التركي نيدرت إيرسانال، أن التركيز الإعلامي المكثف على اغتيال نصر الله، زعيم جماعة حزب الله في لبنان، وتغني وسائل الإعلام الإسرائيلية والموساد بهذا الحدث، يشتت الانتباه عن القضية الأساسية.
وقال إيرسانال في مقال بصحيفة يني شفق إنه "بالطبع لا يمكن تجاهل هذا الخبر، ولكنه ليس بالأمر الذي يستحق كل هذا الضجيج والتضخيم. فما الذي يحاولون إخفاءه؟ أليس الجرم الحقيقي يكمن في استخدام هذه القوة ضد الإنسانية؟".
وأضاف: "صحيح أن اغتيال قادة التنظيم أو عملية تفجير أجهزة الاتصال هو نجاح عسكري، ولكن هذا لا يبرر الجرائم التي ارتكبت. بل على العكس، فإن هذا التركيز على الجانب العسكري يحاول طمس حقيقة أن الجريمة الحقيقية هي الجريمة ضد الإنسانية".
وشدد على أن الجرائم ضد الإنسانية هي الأخطر والأفظع على الإطلاق، ولا سيما عندما ترتكب باسم الحفاظ على النظام الحالي. يجب علينا أن نركز على الجرائم المرتكبة ضد البشريّة، وأن نكشف زيف الادعاءات التي تبرر هذه الجرائم باسم الحفاظ على النظام القائم.
ومع استمرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل على مدى عام كامل وتوسعها الجغرافي، يشعر اللبنانيون باليأس والغضب، ويبحثون عن أي سبيل للتعبير عن ذلك. خاصة وأن الكثير من الدول التي تدعي أنها تقف إلى جانب المظلومين والأبرياء وتدافع عن حقوق الإنسان والعدالة، تقف مكتوفة الأيدي. يقول الكاتب.
وتابع المقال:
في هذا السياق، من غير المقبول القول إن الدول الإسلامية وروسيا والصين تتفق مع الولايات المتحدة وبريطانيا في موقفها من هذا العدوان. فأنقرة مستاءة من تقاعس دول المنطقة عن التحرك، وقد خرج الرئيس مؤخرًا بعد اجتماع مجلس الوزراء ليعبر لهم عن غضبه واستيائه منهم بشدة.
إن الوقوف في المكان الصحيح يحمل معه مسؤوليات وتبعات. فمثلاً الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما لا يعجبهم موقف تركيا الأخلاقي. وفي المقابل أنقرة غير راضية عن "مواقف" دول المنطقة.
ولكن يجب أن يكون هناك ميزان دقيق لتحديد الخطايا. فمن غير المنطقي مقارنة أيدي الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا الملطخة بالدماء بأيدي الدول التي نتفق معها على الأقل في المسائل المتعلقة بالقانون الدولي وقضية فلسطين، وعلى الأقل في الوقت الحالي.
وبالإضافة إلى الانتقاد، وجهت تركيا دعوة للتعاون معها، مؤكدة على تمسكها بموقفها وداعية الدول الأخرى إلى الانضمام إليها. وبالطبع فإن هذه الدعوة موجهة بشكل أساسي إلى الدول التي تتفق معها في الرأي. وبما أننا غير قادرين على مواجهة إسرائيل وحلفائها بشكل مباشر، فإن التعاون مع الدول الأخرى هو الخيار الوحيد المتاح، ولا يمكننا في هذه المرحلة استبعاد هذه الدول، أو الرأي العام فيها.
لا تفقدوا التركيز على إسرائيل في مشهد الأزمة...
في هذه المرحلة، يبدو أن هناك توترًا متزايداً بين الدول القريبة من الأزمة في منطقة الشرق الأوسط الكبرى تجاه بعضها البعض. ولذلك تسعى تركيا جاهدة للحفاظ على إسرائيل في مركز الاهتمام على أكبر عدد ممكن من المنصات وفي تجمعات تضم أكثر عدد ممكن من الدول.
إن هذه الجهود تتطلب صبراً طويلاً وتضحيات كبيرة، و تواجه الكثير من العقبات ووجود المحبطين الذين يشجعون على اليأس، وتتطلب تركيزاً عالياً ومتابعة مستمرة في عدة جبهات. وإذا سألت عن عدد الدول التي تشاركنا هذا الحماس والتضحية، فسيكون من الصعب إحصاؤها أو ضمان التزامها. ولكن تركيا ثابتة على موقفها، وهذا بدوره يخلق جاذبية نحوها.
وعندما نقارن ثباتنا بذبذبة موقف الآخرين، يزداد انتقادانا لهم بشكل مبرر. وقد يُنظر إلى هذه الانتقادات على أنها ضغوط على الدول التي تتردد في مواجهة إسرائيل. ولكننا على حق في توجيه هذه الدعوات، لدرجة أن التوازن يتحقق في نهاية المطاف.
إذا كانت أولوياتكم تكمن في دعم من يقف خلفكم...
كما أن هناك الكثير من الخلافات التاريخية والسياسية بين دول المنطقة، مما يؤدي إلى فتح ملفات قديمة. ولكننا نتجنب ذكر أسماء دول بعينها حتى لا نشغل أنفسنا بالخلافات الجانبية ونبتعد عن القضية الرئيسية.
فبغض النظر عن العلاقات الثنائية بين الدول، فإن قضية فلسطين ومشكلة إسرائيل هي قضية مركزية للمنطقة بأكملها. صحيح أن الولايات المتحدة وبريطانيا تدعمان إسرائيل عسكريًا، وعلينا الاعتراف بحقيقة مريرة، وهي أن العالم كله يقف عاجزًا طالما أن القوة العسكرية الأمريكية والبريطانية تدعم الطغيان الإسرائيلي في تل أبيب. ولكن المشكلة الأكبر تكمن في أن العديد من الدول بدلاً من أن تنظر إلى إسرائيل تضع علاقاتها مع هاتين الدولتين فوق مصلحة فلسطين. وهذا هو التخاذل والعار الحقيقي، لأنه يعني التحول من ضحية إلى شريك في الجريمة.
إنهم يتوجهون نحونا. فماذا يعني ذلك؟
لقد نسينا تقريبًا الحرب في أوكرانيا رغم استمرارها وتزايد خطرها النووي، مع أنها تشكل تهديدًا لأمننا القومي. وبما أنها تمثل جبهة للهيمنة العالمية، فإنها ستؤثر على سياستنا الخارجية على المدى القصير والمتوسط.
وكذلك الأمر في كل مرحلة من مراحل العدوان الإسرائيلي. ننسى المرحلة السابقة، ثم نقوم بتحليل المرحلة التالية بدقة لساعات. والآن نحن في لبنان. لا يمكننا أن نفقد اهتمامنا بالإبادة الجماعية الإسرائيلية، ولا أن نفقد تركيزنا على إسرائيل. لأن الحرب تقترب منا.
وفي النهاية إذا كنا متفقين على أن جميع مشاكل الشرق الأوسط الكبير "في منطقتنا" هي في الأساس وجود الغرب وسياساته هنا، فعلينا ألا ننسى الدول التي بيننا خلافات معها، لكن يجب أن نضع هذه القضايا في مرتبة أدنى في سلم الأولويات، وأن نتحلى بالصبر ولا نحيد أعيننا عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.
ويجب ألا ننسى أن دعوة تركيا إلى توحيد الصفوف في الأمم المتحدة، في إشارة إلى أحداث الخمسينيات، تأتي في سياق الاجتياح البري الإسرائيلي للبنان.
إلى أين تقودكم الأحداث؟
لقد سبق لي أن قلت إن ما جرى خلف الكواليس في أحداث السابع من أكتوبر هو أحد أكثر الألغاز التي لم يتم التعمق في دراستها، والأسرار التي لم تكشف عنها.
إن الجواب الواضح والمقنع على هذه المسألة سيكشف عن الأهداف والخطط النهائية للدول التي تشارك في الإبادة الجماعية، فثمة لغز آخر يكمن هنا؛ حيث سيتضح المشهد النهائي لاستمرار ودعم هذه الوحشية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا. هناك بعض النظريات والادعاءات، إلا أنها تفتقر إلى البيانات المقنعة التي تتناسب مع واقعنا. فما صرح به نتنياهو في بداية المجزرة حين قال: "عندما تنتهي، ستتغير خريطة المنطقة"، لا يصف مجرد توسع عدواني، بل يسعى إلى تحقيق نتيجة جيوسياسية. وأيًا كانت هذه النتيجة، فإنها لا يمكن أن تصب في مصلحة دول المنطقة أو تركيا.
ولا يمكننا الهروب من الواقع بمجرد القول: "إسرائيل تقوم بتنظيف العناصر المعادية من حولها." لماذا الآن؟ ومن هم المستهدفون في إعادة رسم خريطة المنطقة؟ هذا الأمر لا يقتصر فقط على منطقة الراحة في تل أبيب. إذ تسعى واشنطن ولندن إلى إقامة "حاجز"، وهذا مشابه لما يحدث في أوكرانيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!