ندرت أرسنال - يني شفق
ألم يكن متوقعًا أن تصل الأمور هذا الحد؟ أليس هذا هو "مجري الأحداث الطبيعي"؟
كيف وصل الأمر إلى حد قيام إسرائيل بضرب الأمم المتحدة، وهي المؤسسة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية كركيزة للنظام الدولي؟
بدأت عملية تفكك الأمم المتحدة وفقدانها لوظائفها مع تزايد مطالبات "المجموعة الأخرى" في موازين القوى العالمية، حيث ازدادت شرعيتها وعدالة مطالبها. وبلغ الأمر ذروته مع التدهور النوعي والكمّي لأعضاء مجلس الأمن، وخاصة الولايات المتحدة، مما كشف عن هشاشة هذه المنظمة الضخمة التي بدأ الجميع بتجاهلها.
في الحقيقة، تحولت الأمم المتحدة من هيئة تمثل 193 دولة إلى أداة لخدمة عدد قليل من الدول الغربية، فبدأت تفقد مبرر وجودها. وازداد تذمر العديد من الدول من هذا الهيكل الظالم، وأصبحت شعارات مثل "العالم أكبر من خمسة" تلقى صدى كبيراً وتحظى بقبول واسع لدى الرأي العام العالمي.
باختصار، وصل الأمر إلى حد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة شخصًا غير مرغوب فيه، ثم تلاه الهجوم العلني على قوات الأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل).
لقد اعتدتم على هذا الوضع، لذا لم تعودوا تشعرون بما يجري. هذا هو مجرى الأحداث، فما النتيجة؟
صدمات ونحيب، وحتى في تركيا لا تتجاوز الانتقادات حد القول: "يا إلهي، كيف يجرؤون على فعل هذا؟ هذا يعني ضرب الأمم المتحدة! من سيوقف إسرائيل؟ وبينما يتبين لنا بوضوح الفساد المنهجي في النظام، لماذا يصعب علينا فهم عبثية انتقاد الواجهة؟
بل إن أحد كتاب الأعمدة كتب قائلًا: "هذا يعني ضرب الولايات المتحدة أيضًا". إن كل شيء يبدأ بعدم إدراك أن من يضرب الأمم المتحدة فعلياً هم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأساسيون. وقصة الفيل الذي تربى مقيدًا بسلسلة قصيرة، وعندما يُطلق سراحه لا يستطيع تجاوزها، معروفة للجميع.
أنتم معتادون على خدمة النظام المؤسس الحقيقي من خلال الأمم المتحدة وما شابهها، ولذلك لا تشعرون أن الضربة موجهة إليكم.
انتظار حركة تحررية..
إن المطالبات بإصلاح الأمم المتحدة لن تؤدي إلى نتيجة، لأن هذا هو مجرى الأحداث، وهم لن يسمحوا بذلك. سيلجؤون إلى بعض التعديلات السطحية لتهدئة الأوضاع. والأهم من ذلك أننا لسنا حتى جزءًا من تلك العملية.
وبالتالي، فإن ردود الفعل لا ترتقي إلى مستوى مواقف حازمة. فبسبب الشعور بالعجز المكتسب الذي يروج له مفهوم "السياسة الواقعية"، لا يبقى لنا سوى انتظار موت النظام البطيء المؤلم. وفي هذه الأثناء، يستمر النظام المنهك في سحق مئات الآلاف من البشر، دون أن يبالي أحد.
عندما يتم تنظيم المقاومة بناءً على قواعد النظام القائم، فإن التقدم يكون بطيئًا جدًا. لا أدري إن كنت قد أوضحت الفكرة.
والحمد لله، هناك بعض الدول مثل تركيا تتمتع بجغرافيا سياسية خاصة بها، يمكن اللجوء إليها في أوقات الضيق. ولكن هذا الملاذ له حدوده أيضًا، فالحيوان الجريح يزداد شراسة.
التكتيك شيء، والاستراتيجية شيء آخر
لذا، يجب أن نتخلص من البرامج التي تقيمها بعض القنوات التلفزيونية وفق مبدأ "فلنشرح للجمهور كما لو كانوا أغبياء" وكذلك الضيوف الذين يتماهون مع هذا النهج من أجل الشهرة والربح المالي.
على سبيل المثال، عندما نتحدث عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، لا يمكن اعتبار العلاقات المشهورة بين إيران وروسيا أو بين إسرائيل ودول الخليج بسيطة إلى هذا الحد.
فموسكو وطهران تتفقان على العديد من القضايا العالمية، ولكن عندما تسألهما عن تفضيلاتهما الرئاسية في الولايات المتحدة، تتباعد آراؤهما. وبالمثل، العلاقات بين تل أبيب وموسكو متوترة حاليًا، ولكن إجابتهما على نفس السؤال ستكون متقاربة.
وهذا يؤثر بدوره على ممارسات السياسة الخارجية. فعندما فقدت إيران رئيسها ووزير خارجيتها في حادث تحطم مروحية مثير للشكوك أي عندما جاءت "الإدارة الجديدة"، شعرت روسيا بالحاجة إلى إلقاء نظرة أعمق على التوازنات في القوقاز وعلاقاتها مع أذربيجان.
وعندما استمرت القيادة الجديدة في طهران باتخاذ موقف سلبي إزاء الهجمات الإسرائيلية، تم التقليل من شأن هذا الموقف في تركيا، ووصفه البعض بأنه مجرد " استعراض إعلامي". و لكننا الآن نتعامل مع الأمور بحذر أكبر، لقد تبين أن هناك نوعًا من التفاهم الضمني بين إيران والولايات المتحدة.
الخريطة والطريقة
قبل عدة أيام، اجتمع ممثلون عن فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان والبرتغال ومالطا وكرواتيا وسلوفينيا وقبرص في مدينة بافوس القبرصية في مؤتمر "ميد 9".
وفي عالم تنتشر فيه الخرائط العالمية على الطاولات، هل يمكن تفسير تجمع هذه القوى الكبيرة على نصف جزيرة صغيرة مثل قبرص، بتقليص الإنفاق الدفاعي المقرر خصمه من بطاقات الائتمان لدينا؟ أم أن الأمر يتعلق بتنفيذ مخططات أكبر؟ هل يمكن ربط ذلك بخرائط الخير والشر التي رسمها نتنياهو مرتكب الإبادة الجماعية من منصة الأمم المتحدة؟
هل من الصعب للغاية أن ندرك أنه في حال فوز ترامب أو هاريس، فإن تقدم إسرائيل نحو الشمال، وإحياء "التحالف العالمي"، الذي سيمتد من الهند إلى الخليج والعراق وإسرائيل وقبرص اليونانية واليونان وأوروبا، قد يتحول إلى تهديد مباشر لحدودنا الجنوبية؟"
قد تتساءلون: "هل تحتاج تركيا إلى خريطة كبيرة بهذا الحجم؟" ولكن حتى هذه الخريطة تعد صغيرة.
المسألة هي أن جبهات التعددية القطبية باتت تقترب وتستند إلى مواقعنا. ألم نر جميعًا، وكما قرأتموه هنا مرارًا وتكرارًا على مدار سنوات، كيف أن خيوط التوتر تتصاعد في أوكرانيا والشرق الأوسط والمحيط الهادئ؟ وماذا يعني مشاركة اليابان لأول مرة في اجتماع وزراء دفاع الناتو؟ وماذا عن قيام الصين بأكبر مناورات عسكرية في تاريخها عقب خطاب رئيس تايوان حول السيادة؟
كيف نتعلم إصلاح ما تمزق؟
صرح الرئيس أردوغان قائلاً: "عندما حذرْنا من أن إسرائيل لن تتوقف، تعرضنا لانتقادات غير مبررة من بعض الأصدقاء وبعض الأطراف داخل بلدنا. واتهمنا البعض بأننا نقوم بقراءة النوايا. ولكن التطورات أثبتت مجدداً صحة مخاوفنا".
إن قراءة النوايا هي المهمة الرئيسية للأمن القومي والسياسة الخارجية. لقد عانينا كثيرًا بسبب إهمالنا لقراءة النوايا. فمن علّمنا أن نعتبر قراءة النوايا أمرًا سيئًا؟
إن طباشير الخياط تشير إلى كيفية قص وتفصيل القماش. فهي تحدد شكل الملابس. ولكن عندما يتم كي الملابس، تختفي هذه العلامات. ولذلك عندما يواجهون صعوبات، يقومون بتسخين المنطقة والعالم، وتسخيننا نحن أيضاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس