ترك برس
تُعتبر حرب غزة حدثًا مؤثرًا في السياق السياسي العالمي، وبالتحديد في الانتخابات الأمريكية المقبلة. فالصراع القائم يعكس انقسامات عميقة داخل المجتمع الأمريكي، حيث يتباين دعم الناخبين لمواقف مختلفة تجاه القضية الفلسطينية وإسرائيل.
يمكن أن تؤثر هذه الديناميكيات على خيارات الناخبين، مما يدفعهم لتقييم المرشحين بناءً على سياساتهم تجاه الشرق الأوسط. كما أن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا مهمًا في تشكيل الرأي العام، مما يزيد من أهمية القضية في الحملات الانتخابية.
بالتالي، قد تسهم هذه الأحداث في تحديد أولويات الناخبين وتوجهاتهم، مما قد يؤثر بشكل مباشر على نتائج الانتخابات.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والخبير التركي قدير أوستون، أنه يصعب تجاهل العلاقة بين رسالة الإدارة الأمريكية الأخيرة، التي تهدد بوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل إذا لم يتم تأمين تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وبين الانتخابات الأمريكية المقبلة. فبعد عام من الصمت تجاه سياسات التطهير العرقي وتجويع المدنيين، يبدو أن إدارة بايدن تذكرت الوضع الإنساني في غزة قبل الانتخابات بثلاثة أسابيع فقط.
وقال أوستون في مقال بصحيفة يني شفق إن توقيت هذه الرسالة وتسريبها إلى وسائل الإعلام يمكن فهمه في سياق المفاوضات الجارية مع إسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين، وهي مفاوضات تهدف إلى الرد على الهجوم الإيراني الذي وقع في 1 أكتوبر. من الواضح أن إدارة بايدن تسعى لإرسال رسالة إلى الرأي العام الأمريكي بأنها تعمل على تحسين الوضع الإنساني في غزة، بينما تلوح بتهديد تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل إذا تطلب الأمر. ومع ذلك، يمكن القول إن هذه الجهود لا ترتبط بشكل مباشر بالأزمة في غزة، بل تركز بشكل أكبر على تجنب التورط في حرب مع إيران قبيل الانتخابات.
وتابع المقال:
بايدن لا يريد الحرب مع إيران
دعمت إدارة بايدن تدمير غزة لفترة طويلة، مستغلة الهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر كذريعة لهذا الدعم. وعلى الرغم من تزايد الدعوات داخل الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار، رفضت الإدارة الاستجابة لهذه المطالب وأوقفت تنفيذ القوانين الأمريكية التي تحظر استخدام المساعدات العسكرية ضد المدنيين.
هذا الموقف أدى إلى استقالة بعض المسؤولين في وزارة الخارجية، الذين عارضوا تسريع الموافقة على إرسال الأسلحة إلى إسرائيل دون اتباع الإجراءات المعتادة. ومع تصاعد الضغوط الداخلية، قامت الإدارة بتسريب معلومات إلى وسائل الإعلام تشير إلى تعليق جزء من الذخائر الموجهة إلى إسرائيل. كما أعلنت الإدارة أن دخول قوات حكومة نتنياهو إلى مدينة رفح يمثل "خطًا أحمر"، لكن هذا التهديد لم يُتبع بأي خطوات عملية ملموسة.
وعندما نفذت إسرائيل هجومًا على القنصلية الإيرانية في سوريا، تراجعت الضغوط الشعبية في الولايات المتحدة. مرر الكونغرس بسرعة حزمة مساعدات بقيمة 17 مليار دولار لإسرائيل، بينما خصص 9 مليارات دولار للمساعدات الإنسانية لغزة. بدا أن إدارة بايدن مستعدة لتحمل التكاليف الإنسانية الناتجة عن تصرفات إسرائيل في غزة، بشرط أن لا يمتد الصراع إلى المنطقة بأكملها.
ولكن حكومة نتنياهو استمرت في تصعيد الأوضاع، واضطرت الإدارة إلى التأقلم مع الوضع الجديد بشكل مستمر. لم تكن لدى إدارة بايدن أي استراتيجية لإنهاء الحرب في غزة أو لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. حتى أنها فشلت في إقناع تل أبيب بقبول اتفاق لوقف إطلاق النار قائم على تبادل الرهائن.
في الوقت نفسه، ركز نتنياهو على استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا، مما حول الصراع إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران.
كما استغل قضية حزب الله في جنوب لبنان لمواصلة الضغط. ورغم أن اغتيال هنية ونصر الله زاد من احتمالية اندلاع حرب إقليمية، وهو ما أثار قلق إدارة بايدن، اضطرت الإدارة إلى إرسال سفن حربية وجنود أمريكيين لضمان أمن إسرائيل. كانت إدارة بايدن تسعى لمنع الحرب الإقليمية وحصر الصراع في غزة، لكن إسرائيل كانت تضغط على واشنطن لاتخاذ موقف عدائي تجاه إيران. ردود إيران في أبريل وأكتوبر دعمت جهود نتنياهو، لكن إدارة بايدن ظلت حذرة من الانجرار إلى حرب مع طهران.
احتمال أن تصبح إيران قوة نووية
بالنسبة لواشنطن، لم يكن لتدمير غزة تأثير استراتيجي كبير. ورغم تدهور سمعة الولايات المتحدة واتهامها بازدواجية المعايير، ظلت الإدارة الأمريكية مصممة على تقديم الحماية الدبلوماسية لإسرائيل. أما تجاهل المجازر في غزة، فلم يكن له عواقب تدفع واشنطن لإرسال قوات أو الدخول في حرب مباشرة.
في المقابل، كان الوضع في لبنان يحمل مخاطر أكبر؛ حيث خشيت واشنطن من اندلاع حرب أهلية جديدة هناك، قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، مما قد يجبر الولايات المتحدة على التدخل عسكريًا. والأهم من ذلك، أن نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران قد يدفع الأخيرة لاتخاذ خطوات نحو التحول إلى قوة نووية، مما قد يشعل سباق تسلح نووي في المنطقة، وهو السيناريو الأسوأ الذي تسعى واشنطن لتجنبه.
إذا أصبحت إيران قوة نووية، فإن ذلك لن يؤثر فقط على توازن القوى في الشرق الأوسط، بل سيغير أيضًا النظام النووي العالمي بأسره. لهذا السبب، تعارض الولايات المتحدة بشدة تحول إيران إلى قوة نووية، وقد أكدت واشنطن رفضها القاطع لهذا السيناريو بشكل مستمر وثابت. لو كانت الإدارة الأمريكية ترى أن تدمير البرنامج النووي الإيراني ممكنًا بتدخل عسكري وبتكلفة مقبولة، لكانت قد أقدمت على هذه الخطوة منذ فترة طويلة.
فشل إسرائيل في إقناع واشنطن بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية يعود إلى هذا الواقع. لهذا السبب، لا ترغب الولايات المتحدة في الدخول في حرب لم تخطط لها، وفي الأسابيع الأخيرة، كانت تسعى إلى تقييد تحركات إسرائيل. مؤخراً، أعلنت تل أبيب أن أي رد على إيران سيكون محدودًا ويستهدف المنشآت العسكرية فقط، بدلاً من الحديث عن هجمات واسعة على المنشآت النووية أو البترولية، مما يشير إلى نجاح إدارة بايدن في فرض هذا التقييد على إسرائيل.
يجب فهم رسالة إدارة بايدن في هذا الإطار. تسعى واشنطن إلى الحد من تداعيات أي رد إسرائيلي محتمل على إيران، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الأمريكية. إرسال نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي "ثاد" إلى إسرائيل، بقطعة واحدة فقط، يشير بوضوح إلى أن واشنطن لا تستعد لحرب شاملة مع إيران.
بالإضافة إلى ذلك، عبر الضغط على إسرائيل بشأن المساعدات الإنسانية لغزة، تحاول الإدارة الأمريكية تخفيف الضغوط الانتخابية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ومنع إسرائيل من القيام بعمل عسكري قبل الانتخابات. يبدو أن هجمات إيران في الأول من أكتوبر أثبتت فعاليتها، إذ ذكّرت إسرائيل مجددًا بأنها لا تستطيع خوض حرب دون دعم الولايات المتحدة.
قضية فلسطين، التي كان لها دور في انسحاب بايدن من الترشح للانتخابات، قد تكون عاملًا في خسارة كامالا هاريس للرئاسة في 5 نوفمبر بولاية ميشيغان. لا تريد إدارة بايدن مواجهة مفاجآت غير متوقعة، مثل بدء نتنياهو حربًا مع إيران في أكتوبر، ولا تود الدخول في مواجهة قد تؤدي إلى تحول إيران إلى قوة نووية. لذلك، يمكن القول إن القضية الأساسية ليست تدهور الوضع الإنساني في غزة بحد ذاته، بل تأثير هذا الوضع على مستقبل الانتخابات الأمريكية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!