ترك برس
منذ الحقبة العثمانية وحتى 7 أكتوبر 2023، شهدت العلاقات التركية-الإسرائيلية تقلبات عديدة بين التقارب والتوتر، حيث شكّلتها عوامل تاريخية وثقافية ومصالح جيوسياسية متشابكة. وعلى الرغم من المحاولات التركية للحفاظ على توازن بين إسرائيل والدول العربية، إلا أن العلاقات بين البلدين استمرت بالتأرجح حسب ظروف المنطقة والتغيرات السياسية.
وفي تقرير له حول الموضوع، أشار موقع "اندبندنت عربية" إلى أن العلاقات التركية - الإسرائيلية شكلتها الروابط التاريخية والثقافية والمصالح الجيوسياسية، وهي في صعود وهبوط واستقرار واضطراب منذ إعلان قيام إسرائيل وحتى اليوم، ومع بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعم بلاده للفصائل الفلسطينية.
وقد جاءت عملية طوفان الأقصى وبدء الحرب الإسرائيلية على غزة بعد أيام من لقاء أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك، وحينها كانت العلاقات التركية - الإسرائيلية في مرحلة متقدمة، وكان من المقرر أن يجري أردوغان زيارة إلى إسرائيل نهاية أكتوبر 2023، بيد أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن.
وتدريجاً ازداد الانتقاد التركي للعمليات الإسرائيلية في غزة من دون أن تتخذ تركيا إجراءات ملموسة مؤثرة سوى مشاركتها في القمة العربية الإسلامية، ولجنة الاتصال المنبثقة عن قمة الرياض في الـ 11 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وفي الـ 31 من مارس (آذار) الماضي شهدت تركيا انتخابات محلية تلقى خلالها حزب العدالة والتنمية الحاكم هزيمة كبيرة لمصلحة حزب الشعب الجمهوري المعارض، فيما رجح محللون أن يكون "الموقف التركي الضعيف" من الحرب الإسرائيلية على غزة أحد الأسباب التي دفعت محافظين أتراك إلى عدم التصويت للحزب الحاكم، ليعلن أردوغان بدء "مراجعة شاملة ونقد ذاتي للحزب".
اليهود الأتراك بعد قيام الجمهورية القومية
بعد إلغاء الخلافة العثمانية وإعلان قيام الجمهورية التركية على أساس قومي، أثر هذا التحول في جميع شرائح المجتمع داخل الأراضي التركية، خصوصاً المواطنين الأرمن واليونان واليهود الذين اعتبروا أقليات، وفي "معاهدة لوزان للسلام" جرى الحفاظ على وضع الأقليات ضمن التمييز بين المسلمين وغير المسلمين، وهو ما كان يحدده القانون العثماني، لكن تماشياً مع مبدأ العلمانية انتقلت صلاحيات الحاخام الأكبر في ما يتعلق بالمجتمع اليهودي إلى لجنة تمثل الطائفة اليهودية ومكونة من 80 عضواً يتم انتخابهم، إلا أن منصب الحاخام بقي موجوداً بصلاحيات محدودة.
وفي الـ 15 من سبتمبر (أيلول) 1925، قررت الطائفة اليهودية في تركيا التخلي عن الامتيازات التي منحتها لهم المادة (42) من "معاهدة لوزان"، وبذلك اقتصر دور الحاخامية الكبرى على الأمور الروحية فقط، وكان آخر حاخام يهودي تركي له صلاحيات هو حاييم بيسيرانو.
وعلى رغم خضوعهم لعدد من القيود فإن القوانين التي طبقت على اليهود في تركيا كانت أخف من تلك التي خضع لها اليونانيون والأرمن، وكان وجهاء اليهود في تركيا على علاقة وثيقة بكبار المسؤولين في الحكومة إبان قيام الجمهورية، كما شارك عدد من الشخصيات التركية اليهودية في "مفاوضات لوزان"، ومنهم ناحوم أفندي وسامي جونزبرج ومعز كوهين.
وفي عام 1926 صدر قانون مدني في تركيا يدمج أفراد الديانات والطوائف المختلفة ضمن المواطنة ليحصل الجميع على حقوق المواطن التركي الأصلي نفسها، وذلك أيضاً تماشياً مع مبدأ العلمانية الذي بنى على أساسه أتاتورك الدولة الجديدة، وخلال الانتخابات المحلية عام 1935 أدرج حزب الشعب الجمهوري، والذي كان حاكماً حينها، الأقليات ضمن قوائم مرشحيه للمرة الأولى، وكان ثلاثة منهم يهوداً.
وخلال فترة الحرب العالمية الثانية فرّ بعض اليهود من الدول الأوروبية باتجاه تركيا، وكان بينهم من يسعى إلى الاستقرار وآخرون اعتبروها محطة عبور إلى فلسطين، لكن الحكومة التركية حينها أصدرت قرارات ضد الوجود اليهودي لغير اليهود الأتراك على أراضيها.
وفي الـ 30 من يناير (كانون الأول) 1941 صدر قرار يتضمن اتخاذ إجراءات ضد اليهود لمنع هجرتهم من أوروبا إلى تركيا أو استخدام الأراضي التركية للعبور إلى فلسطين، واستمرت الحال كما هي حتى عام 1948.
الألفية الجديدة
في حديثها إلى "اندبندنت عربية" تقول القنصل التركي السابق في لوس أنجليس غولرو غيزر إن بلادها "من أولى الدول التي اعترفت بإسرائيل، ففي الـ 14 من مايو (أيار) 1948 أُعلن قيام دولة إسرائيل، وهو اليوم نفسه الذي انتهى فيه الانتداب البريطاني على فلسطين، وفي ذلك الوقت كان للأمم المتحدة لجنة خاصة بفلسطين ركزت على خطتين، الأولى أن يكون لدولة فلسطين هيكل فيدرالي يتكون من الأجزاء العربية واليهودية، والثانية أن تقسم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية مع وحدة اقتصادية بينهما، والدول العربية كانت تؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة، والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أيدا قرار التقسيم، وفي البداية كان الموقف التركي ينسجم مع العربي، لكن مخاوف حول عدم الاستقرار الذي قد يخلقه الانقسام داخل المنطقة أثرت فيه، إضافة إلى قلق المسؤولين الأتراك من أن تكون دولة إسرائيل حديثة المنشأ ضمن المعسكر السوفياتي".
وتضيف غيزر أنه "كان لموقف تركيا المؤيد للولايات المتحدة في السياسة الخارجية بعد 'مبدأ ترومان' و 'خطة مارشال' تأثير كبير في اعترافها بدولة إسرائيل، إذ قررت تركيا الاعتراف بإسرائيل في الـ 28 من مارس عام 1949 قبل زيارة وزير الخارجية آنذاك نجم الدين صادق إلى واشنطن، والتي كانت مقررة في أبريل من العام نفسه، وفي الرابع من يوليو عام 1950 وُقع على اتفاقيتي التجارة والمدفوعات بين البلدين، وهكذا قامت تركيا بتصدير المنتجات الزراعية إلى إسرائيل التي لم تحرز بعد أي تقدم في مجال الزراعة، لتلبية نصف حاجاتها من الحبوب في أوائل الخمسينيات، وإضافة إلى ذلك قامت شركات البناء الإسرائيلية بتنفيذ مشاريع مهمة في تركيا، وفي تلك الفترة بُنيت غابة أتاتورك على جبل الكرمل قرب مدينة حيفا".
وتتابع المسؤولة التركية بالقول إنه "بعد أعوام قليلة من اعتراف تركيا بإسرائيل بدأت العلاقات تتوتر بين الطرفين، وبعد أزمة العدوان الثلاثي ضد مصر عام 1956 سحبت تركيا سفيرها من إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت بدأت علاقات البلدين تتبع مساراً متقلباً يدور حول القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي والمصالح المشتركة".
وترى غيزر أنه مع "مطلع العقد الأول من القرن الحالي شهدت العلاقات التركية - السورية تحسناً كبيراً، فأسهمت تركيا في مفاوضات السلام السورية - الإسرائيلية، لكنها حاولت اتباع سياسة التوازن بين الدول العربية وإسرائيل في المنطقة مما دفعها إلى جعل علاقاتها مع إسرائيل على أرضية وسطى، ومثال ذلك قيام كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بإلقاء كلمة أمام البرلمان التركي عام 2007".
هل تعود العلاقات إلى طبيعتها؟
الصحافي التركي مايس علي زاده يقول إن "هناك اعتقاداً يسود بأن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب ستعود لطبيعتها بعد رحيل نتنياهو، ومن النقاط الحساسة التي يجب أن تتنبه إليها تركيا أن العلاقات المتوترة مع إسرائيل قد تدفع تل أبيب إلى عمليات بحث جديدة في البحر الأبيض المتوسط، واليونان وجنوب قبرص ربما تستغلان هذا الوضع لمصلحتهما، ولذلك سيكون من مصلحة الجانبين ألا يُضحى بالعلاقات التجارية والاقتصادية لأغراض سياسية، وحقيقة بقاء أردوغان في السلطة بعد رحيل نتنياهو ستساعد بصورة كبيرة في عودة العلاقات لطبيعتها".
ويستبعد زاده أن يوافق البرلمان التركي على مشروع قرار سحب الجنسية التركية من المواطنين الأتراك الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ويقاتلون في الجيش الإسرائيلي لما له من تبعات سياسية واجتماعية، أما مستقبل العلاقات التركية - الإسرائيلية فليس من المتوقع أن يشهد أي تحسن قبل حصول انتخابات إسرائيلية وتغيير الحكومة الحالية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!