د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

مفاجئة استعادة المعارضة السورية لمدينة حلب بهذه السرعة المفاجئة ، أثارت كثيراً من التساؤلات والاستفسارت عن حقيقة ماجرى لهذا الانهيار السريع لقوات الأسد والمليشيات الايرانية في أهم معاقلها التي دفعت الكثير من أجل احتلالها والبقاء بها ..

أسئلة مبررة ومنطقية، لهول الحدث الغير متوقع لأسباب كثيرة ، فخسارة حلب تعني بالنسبة للأسد والايرانيين نكسة كبيرة، وانكسارأً على كل المستويات العسكرية والمعنوية والسياسية واللوجستية.

لماذا الآن...!؟

سؤال فات أوانه ولكن لابد من الأجابة عليه ، فقد خاض به الكثيرون وتوقف عنده المحللون السياسيون والعسكريون ، وبنى عليه كثير من المغرضين وحاول الكثيرون بناء سناريوهاتهم عليه ومحاولة التشكيك وتخوين هذه الفصائل وربطها بمشروع خارجي .

ورغم أن حججهم داحضة بدائية مغرضة، لكن هول الحدث جعل  ايضا حتى كثير من السوريين يرحجون نظرية التسليم وليس الاستسلام وأن هناك مخططاً دولياً يراد تنفيذه أو هي عملية استدراج للفصائل لمخطط آخر يريده الاعداء ..

تضخم نظرية المؤامرة التي تسيطر على أفكار الكثيرين ولا تقبل بأحتمالية أي تغير بدون ارادة الدول الكبرى، تدفع الكثيرين لليأس والقنوط والاستسلام والقبول بما تفرضه عليها تلك الدول والقوى الخارجية ، وتسلبه حتى  مجرد التفكير بأي محاولة للتغيير لأنه يرى الفشل أمرا لا مفر منه .

تغول التحكم الدولي الغاشم ، وسيطرة القوة الغربية الاستعمارية ، وهيمنة المصلحة الاسرائلية ، وتصارع الدول الاقليمية،  كلها عوامل حقيقية وتمسك بكل شاردة وواردة بمنطقة الشرق الاوسط وبقية الدول الفقيرة .

وهذا ما لا يمكن نسيانه أو تجاهله أو التقليل منه فهي حقيقة بديهية يدركها الجميع ..

لكن بالمقابل ايضاً يجب أن لا يدفعنا هذا الواقع،لتجاهل و نسيان حقائق اخرى تخص أبناء هذه المنطقة ومكامن القوة التي هي جزء من تركيبتهم العقائدية وانتماءهم الوطني وتمسكهم بحقوقهم، وبنيتهم النفسية المستعدة لتقديم كل التضحيات الثمينة غير آبهة بالنتيجة لأنها تؤمن بعقيدة أحدى الحسنيين .

توقيت عملية ردع العدوان بمجريات توقف الحرب بلبنان الذي يحاول البعض تصويره بأنه استمرار للمشروع الصهيوني والحرب على محور الممانعة(!؟) هو تفكير بدائي، وصيد بالماء العكر، ومحاولة يائسة، لتشويه بطولات السوريين واستخفاف واستغباء للعقل السوري ...

من بديهيات التفكير العسكري والمنطقي أن تبدأ هذه العملية في المرحلة المفصلية الحرجة التي يمر بها الاعداء، فالنظام والاذرع الايرانية والميلشيات الدخيلة تعيش حالة من تفكك وتضعع واتهيار نفسي وعسكري ولوجستي ودولي ، حيث تمر هذه القوى  بأضعف وأصعب مراحلها وهي تسعى لملمة جراحها واستعادة انفاسها بعد الضربات القوية القاصمة التي  تلقتها...

فمن الحكمة والمنطق والبديهية أن تستغل الفصائل الفرصة للأنقضاض على عدوها...

كما أن هناك مبررات كثيرة تجعل هذا الاتهيار السريع أمرا ليس بالمستغرب وربما عناصر المفاجئة والسرية والمباغتة  والاستعداد العسكري الذي فاق التصورات  والتحضير هي التي قصمت ظهر البعير الذي لم يكن بعيرا بل سوى هيكل عظمي متآكل ..

 

والآن ماذا بعد تحرير حلب !!؟؟

تحديات كثيرة وعقبات جسيمة تنتظر حلب الجديدة والادارة التي ستحكمها..

تحديات خارجية تتعلق بالمواقف الدولية وخاصة الموقف الأمريكي والروسي

ومواقف الدول العربية من الوضع الجديد والاقليمية وخاصة تركيا  ...

وتحديات داخلية تتعلق بالسوريين انفسهم العسكريين منهم والسياسيين وهي تحديات ليست بجانبية ولا هامشية إلا اذا كان السوريون قد استفادوا من دورس السنيين العجاف الماضية ...

وتحديات  امنية وخدمية مجتمعية اقتصادية وغذائية ولوجستية ...

كل محور من هذه المحاور يحتاج لمقالاُ مفصلاً،  وساعات طويلة من الحديث لكن يمكن حصر السناريوهات القادمة ب سناريوهات أربعة محتملة

السناريو الأول :

توقف العمليات العسكرية عند حدود حماة بدون دخولها، فقد أصبحت منطقة تجمع القوات الهاربة من حلب وريف أدلب ، وتحولت لجبهة جديدة ، اختراقها يٌعتبر بداية الوصول لحمص الجسر الحقيقي  لدمشق وسوريا كلها.

تجميد العمليات بهذه الحدود الحالية ، قد يعتبر مكسبا للجميع.

قوات الاسد يعني لها ذلك وقف الانهيار والتقهقر وفرصة لاعادة تجميع القوى، وبالنسبة لقسد ايضا حيث ستحافظ على تواجدها الحالي حتى ولوخسرت مواقعها غرب الفرات.

وهي مرحلة اختبار وتحدي لمن سيدير حلب ضمن هذه الموازين وتموضع القوى . وهو سناريو محك اختبار لمدى قدرة السوريين على قبول الوضع الجديد ، هل سنكون مرحلة هدوء واستقرار وإعمار ، أم ستكون مرحلة من الخلافات والنزاعات والتمزق الداخلي ، فهناك أمور مسكوت عنها الآن وستظهر على السطح لاحقا بشكل سريع في حال توقف تقدم الفصائل نحو مناطق جديدة.

وهو اختبار لمتصدري الأمر الواقع الآن أمام المجتمع الدولي والاقليمي والعربي ..

السناريو الثاني : اتفاق الدول المعنية وعلى رأسها روسيا بدعم عربي وسكوت أمريكي غربي للقضاء على هيئة تحرير الشام من خلال تشديد الضربات عليها في حلب وادلب واضعافها كما حصل بغزة ، قد لايكون الهدف هو اسقاطها لعودة النظام ، بل هو تأليب للحاضنة الشعبية وتشجيع للفصائل والقوى التي ترى لنفسها الأحقية بقيادة المرحلة القادمة..

هذا السناريو يعيد مسيرة الحل السلمي والعمل على مسارات الاستانة وسونشي من جديد وربما بضغوط جديدة  على الطرفين وسقف جديد أعلى للمعارضة السورية .

السناريو الثالث: وهو ما يخشاه الجميع ماعدى السوريين ، استمرار تقدم تحرير المناطق والمدن نحو حماة وحمص ودمشق ، وتحرك الجنوب السوري والسويداء ودير الزور، وهذا يعني سقوط النظام بدمشق ...

وفي حال تحرك أبناء الساحل بمنطق الواقعية والشعور الوطني والتخلي عن عائلة الأسد فهذا يعني سقوط النظام بكل سوريا ماعدى مناطق قسد التي سيأتي دورها بعد هذه المرحلة مهما كانت القوى التي تدعمها...

سناريو السقوط بدون البديل ، يخيف الجميع،  العدو والصديق، وهو امتحان واختبار للجميع ، لأنه سناريو مفتوحة أبوابه على كل الاحتمالات المخيفة حتى لأبناء سوريا..

السناريو الرابع : تقسيم سوريا

المشروع القديم الجديد ، تقسيم على اسسس كثيرة تحقيقا لمصلحة اسرائيل أولا والغرب وامريكا من بعدها...

سناريو التقسيم لن يكون خلال ايام وأشهر بل على سنيين وعقود من خلال ترسيخ الواقع الحالي مع خفض التصعيد واستمرار حالة عدم الاستقرار .

سناريوهات  كلها موجودة على طاولات العصف الذهني بكل دوائر المخابرات ووزارات الخارجية بكل الدول المعنية وهي كثيرة بسوريا..

بالعصف الذهني  كل شيء مباح بالتفكير ومن أهم مبادئه توقع كل الاحتمالات مهما كان غير منطقيا والعمل عليه والاستعداد له وكأنه الأحتمال الوحيد.

كل هذه الاحتمالات والسناريوهات وككل مجريات الحياة ،لها عاملان،  داخلي وخارجي .

ومهما كان العامل الخارجي قويا ومؤثرا سيكون عمله قاصرا ومبتورا مالم يكون هناك عامل داخلي يعتمد عليه وبكمل عمله ومخططه ..

العامل الداخلي هو المواطن السوري نفسه وليس غيره ، بكل أطيافه وأعراقه وأديانه ومعتقداته..

فهل يدرك السوريون صعوبة وحساسية المرحلة التي يمرون بها وأهيمة موقفهم وتعاملهم مع الأحداث التي تحيط بهم ..!؟؟

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس