ترك برس

أكد مقال تحليلي في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن المكاسب التي حققتها تركيا في سوريا، قد تمتد مع مرور الوقت إلى لبنان والعراق، وبخاصة مع ضعف موقف إيران في هذين البلدين بخسارة سوريا.

ووفقا للمقال الذي أعده المحاضر في دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية بجامعة جونز هوبكنز، والي نصر، فإن "خسارة سوريا لإيران في مرحلة ما بعد الأسد، تعتبر مكسبا لتركيا، حيث ستحاول أنقرة أن تملأ الفراغ الذي ستتركه إيران في المنطقة".

وقال نصر إن "الأحداث الكارثية التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية في لبنان وسوريا، من تدمير حزب الله إلى سقوط نظام الأسد، فتحت فصلا جديدا في الشرق الأوسط"، حسبما نقلت صحيفة "عربي21".

ويرى نصر أنّ: "الأمل هو أن يبشّر انهيار ما يطلق عليه -محور المقاومة- الإيراني في بلاد الشام بفترة من السلام والاستقرار في المنطقة. ولكن النتيجة الأرجح هي زيادة المنافسة الإقليمية لملء الفراغ الناجم عن تقلص نفوذ إيران وحلفائها".

وتابع: "قد أدّى انهيار حزب الله إلى تغيير ميزان القوى بين إيران وإسرائيل، كما أدى سقوط بشار الأسد إلى إضعاف إيران"، مردفا أن: "النتيجة الأوسع نطاقا هي تغيير ميزان القوى بين تركيا وكل الأطراف الأخرى"، بحسب قوله. 

وأضاف أنّ: "النهاية السريعة لنظام الأسد تشكّل لحظة فاصلة بالنسبة لسوريا. فهي تمثل تحرر بلد عانى طويلا من 54 عاما من الحكم العائلي الذي اتّسم بالفساد، ولم يكن ذلك أكثر قسوة منه في السنوات الأربع عشرة الماضية من الحرب شبه المستمرة".

واسترسل: "كما أنها تشكل هزيمة مهينة لإيران وروسيا، اللتين دعمتا الأسد، فقد تخسر روسيا القواعد العسكرية التي استخدمتها كنقطة انطلاق إلى أفريقيا، في حين خسرت إيران سوريا كجسر بري لها إلى لبنان"، معتقدا أنّ: "الاحتفالات والنشوة بزوال حكم آل الأسد وهزيمة إيران لا تحكي القصة كاملة".

وأكد: "يمكننا أيضا النظر إلى الحرب الخاطفة التي استمرت 12 يوما وانتهت باستيلاء المعارضة السورية على دمشق، باعتبارها لعبة قوة بارعة من قبل تركيا"، مضيفا: "كانت أنقرة الراعي للجماعة الرئيسية التي قادت الحملة ضد الأسد، هيئة تحرير الشام، وهي مسؤولة لحد كبير عن نجاحات المجموعة في ساحة المعركة".

وأردف: "أعربت تركيا عن دهشتها من السرعة التي انهار بها نظام الأسد، لكن النتيجة كانت مقصودة. إنه عرض واضح لقدرة تركيا على فرض قوتها من خلال هيئة تحرير الشام والقوات المتحالفة معها، حيث تحل تركيا محل روسيا وإيران كقوة خارجية مهيمنة في سوريا".

"مكاسب تركيا في سوريا، قد تمتد مع مرور الوقت إلى لبنان والعراق، وبخاصة مع ضعف موقف إيران في هذين البلدين بخسارة سوريا. وسيغير هذا الواقع توازن القوى الإقليمي بطرق مهمة. فمن ناحية، يمثل هذا نكسة هائلة لإيران. وبنفس القدر من الأهمية، إن لم يكن أكثر أهمية، فإن المكاسب التركية ستترك أثرها على الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى" بحسب المحاضر في دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية.

وأكد: "من المرجح أن تعمل جميعها على تعديل سياساتها استجابة للواقع الجديد"، مردفا: "أما بالنسبة لإيران، فخسارة سوريا تعتبر ضربة قوية لمكانتها واستراتيجيتها الإقليمية. وسيقود هذا لإضعاف قدرتها على مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل". 

واستطرد: "لكن كما تظهر ردود أفعال المراقبين عبر الطيف السياسي الإيراني على سقوط الأسد، فإن المكاسب التركية في سوريا تشكل مصدر قلق كبير. ذلك أن إيران تنظر لتركيا باعتبارها منافسا إقليميا يتحدى مناطق نفوذها في الشرق الأوسط والقوقاز، حيث تنافست الدولتان لفترة طويلة على النفوذ".
 
وأوضح: "مع الدعم القوي من جانب تركيا لأذربيجان، بما في ذلك الضربة الخاطفة لاستعادة منطقة ناغورنو كاراباخ من الجماعات الانفصالية المدعومة من أرمينيا في أيلول/ سبتمبر 2023، فقد خسرت إيران هذه المنافسة فعليا".

وتابع بالقول: "إذا قدمت تركيا، التي شجعتها النتيجة في سوريا، الدعم الآن لأذربيجان لتأكيد سيطرتها على طريق التجارة في زانغيزور الذي سيربط أذربيجان وأرمينيا بتركيا، فستقطع إيران تماما عن القوقاز".

"بالنسبة لإيران، ربما بدا هذا بمثابة إعادة تشكيل لسيطرة الإمبراطورية العثمانية على القوقاز وبلاد الشام التي تصارعت معها إيران عليها بين القرنين الـ16 والـ20" تابع المحاضر نفسه، مبرزا أنه: "من المفارقة أن العدو الرئيسي لإيران، إسرائيل لديها أسبابها للقلق من تطور الأحداث في سوريا".

وتابع: "سوف يتلاشى احتفال إسرائيل بكل شيء تقريبا لإنهاء الوجود الإيراني في بلاد الشام بسبب التحديات الكامنة في مواجهة مجال النفوذ التركي هناك. وسترفض الحكومة الصاعدة بقيادة هيئة تحرير الشام، بمجرد ترسيخ سلطتها في سوريا، ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان، ومن المرجح ألا تظل محايدة بشأن محنة الفلسطينيين".

وأشار إلى أنّ: "الواقع أن الروابط العربية السنية التي تربطها بالفلسطينيين أكثر عضوية من الروابط بين إيران وحزب الله"، مردفا: "يعتقد نصر أن الخطر الكامن على حدود إسرائيل، يكمن الآن في النظام السياسي الجديد في دمشق، بدعم من أنقرة".

وأضاف: "أما الدول العربية، من مصر والأردن إلى دول الخليج العربي، يبدو انتصار هيئة تحرير الشام في سوريا بمثابة صدى خطير للربيع العربي، الذي اعتقدت هذه الدول أنها هزمته. فقد تحدت تلك الانتفاضات الاستبداد في العالم العربي بدعوات إلى الديمقراطية والحكم الرشيد. وسرعان ما تبنتها الأحزاب الإسلامية". 

ومضى بالقول: "احتضن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتفاضات العربية، ورأى مستقبلا للعالم العربي يعكس رؤيته الخاصة للديمقراطية الإسلامية. وفي المقابل، تبنت العديد من الأحزاب الإسلامية تركيا كمصدر إلهام ودعم لها". متابعا: "في النهاية، انتصرت الدول العربية. ولم تكن المخاطر في أي مكان أعلى بالنسبة لتركيا من سوريا".

وتابع: "قد دعمت تركيا بنشاط جزءا من المعارضة، التي شملت فصائل إسلامية، ورحّبت بملايين اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية"، مبرزا: "في تلك المعركة، كانت روسيا وإيران هما اللتان أحبطتا جهود تركيا لإسقاط الأسد. وباعتباره عميلا لإيران، أدارت الدول العربية ظهرها له، ولكن بقاءه كان يتناسب مع هدفها المتمثل في منع أي صعود للحركات الإسلامية".

وأردف: "قد اتخذت الدول العربية، في الآونة الأخيرة خطوات لإعادة بناء العلاقات مع الأسد والترحيب بسوريا مرة أخرى في الحظيرة العربية. وبعد 14 عاما من الانتفاضة السورية، انتصرت تركيا في معركة الإطاحة بالأسد وإقحام نفسها في سوريا".

ومن المثير للقلق بالنسبة للمتحدث نفسه: "بالنسبة للدول العربية فإن هذا النصر يمثل فصلا متأخرا من الربيع العربي، ويأتي على هيئة إحياء للفكرة الإسلامية، كقوة سياسية تسيطر على دولة عربية حيوية"، فيما يرى أنّ: "صعود حظوظ قوة إقليمية واحدة من شأنه أن يدعو حتما لإعادة تنظيم التحالفات ومن ثم بناء استراتيجيات لاحتوائها وعكس مسارها". 

وأكّد: "ربما عولت هذه الجهود على استغلال الثغرات داخل سوريا. فمن جهة، تسيطر هيئة تحرير الشام على الحكومة السورية والممر الشمالي -الجنوبي المهم جدا من حلب لدمشق، لكن سيطرتها على بقية البلاد ليست مضمونة لحد كبير. وهناك قوى إسلامية وقومية أخرى تعمل في سوريا، فضلا عن القوى الكردية التي تسيطر على شمال - شرق البلاد".

وختم بالقول: "قد يكون لهذه القوى أسبابها الخاصة لتحدي النظام الجديد في دمشق، وستكون جهودها أكثر قوة إذا وجدت الدعم من الجهات الفاعلة الخارجية الراغبة في دعم قضيتها".

واستطرد: "أفضل نتيجة لسوريا وبعد سنوات من المعاناة هي دولة قوية ومستقرة تركز على إعادة بناء البلاد التي مزّقتها الحرب. ولكن إذا تورطت سوريا في دوامة التنافس الإقليمي، فقد تنتظر مستقبلا لا يختلف كثيرا عن ليبيا، حيث أدّت المنافسة بين القوى الخارجية لتفتيت البلاد وإطالة معاناتها".

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!