د. محمد الصغير - الجزيرة مباشر
مشهد خروج المعتقلين السوريين من أقبية الموت والمسالخ البشرية، التي ورثها بشار عن والده بمن فيها من أبرياء، تقطع الطريق على من قال: لماذا ثار الشعب السوري على نظام الأسد؟
فقد رأينا من خرج من سجون الأسد بعد واحد وأربعين سنة من السجن المتصل والحبس التام عن كل مظاهر الحياة، حتى ظن بعضهم أن الحرب استعرت بين حافظ الأسد وصدام حسين، فهذا آخر عهده بالدنيا!
فلو اندلعت الثورة السورية فقط من أجل تحرير المعتقلين في سجون بشار ووالده، لكفى بذلك فضلا وأجرا..
لا يستوعب العقل البشري هذا الجحيم الذي تغلي به باطن الأرض في سجن صيدنايا، والمكابس المعدة لسحق الجثث، وإلى وقت كتابة المقال مازالت مناشدات الأهالي أمام السجون تطالب بدخول فرق دولية مدربة لاستنقاذ الأحياء، الذين في السراديب الأرضية، ولا سبيل للوصول إليهم حتى الآن.
هذه الجرائم ليست وليدة اليوم، وليست انتقاما ممن خرجوا في الثورة، إنها ثوابت النظام البعثي الذي بدأ مع تولي حافظ الأسد مقاليد الحكم في 1970م وكان ابنه بشار في عمر الخامسة حينها، واستمرت هذه السياسة حتى مات الأسد العجوز، وخلفه الطبيب الشاب الذي فاق في الإجرام أباه.
سنة 1982 بدأت الإبادة الجماعية على يد حافظ الأسد وجنوده، فيما عرف بمجزرة مدينة حماة، التي وقعت في شهر فبراير/شباط، واستمرت 27 يوما، نفذتها عدة فرق وألوية من الجيش السوري، وعلى رأسها قوات سرايا الدفاع، بهدف القضاء على من يخالف نظام الأسد في المدينة، وأدت وفقا للتقديرات إلى مقتل نحو 40 ألف شخص، وأكثر من 17 ألف مفقود، ورأينا من خرج مع انتصار الثورة الآن، وهو يقول بأنه معتقل من أحداث حماة!
فهل بشار من البشر، وهل من حوله من الآدميين؟
والعجيب المريب أن هذه الفظائع ليست خافية على المجتمع الدولي، ولا أشقاء بشار الذين سعوا إلى تدويره وإعادة إنتاجه من جديد، ومازالت عصبة الثورة المضادة أكثر تشابكا والتحاما وحرصا على عدم سقوط أي ضلع منها، وقد رأينا كيف أعلنوا مباشرة تأييدهم لجزار الشام صاحب السجل الكيماوي الذي قتل وهجر نصف الشعب السوري.
لكن الذي لا يعرفه كثيرون ممن هالهم عدد السجون السورية، والأعداد الهائلة المكدسة فيها، أن البلاد العربية فيها عنابر الموت نفسها، وزنازين القتل والمسالخ هي بعينها، وسجون النساء مكتظة بالنساء والفتيات، ولا يتحدث عن قضيتهم أحد، ولا تجرؤ منظمات حقوق الإنسان أو الدفاع عن المعتقلين أن تطلب زيارة هذه السجون، والاطلاع على أحوال الناس فيها، لكن مع كسر الأغلال وفتح زنازين سوريا، أصبح الأمل يراود نفوس المظلومين، في يوم خلاص قريب… وربيع عربي جديد.
عمت الفرحة بلاد المسلمين بانتصار الثوار في سوريا وخلع نظام الأسد، ورأينا الناس تحتفل وتوزع الحلوى من شوارع أفغانستان إلى ميادين بنغلاديش، حتى أهل غزة وهم تحت العسف والقصف، أعلنوا عن فرحتهم وشعروا أن انتصار سوريا هو انتصار للشام الشريف كله.
وهذا يجعل على قادة الثورة السورية مسؤولية كبيرة تجاه هذه الأمة، التي علقت عليهم آمالا كبيرة في تعويض الشعب السوري عن سنين الظلم والقهر، والطائفية البغيضة التي عاشها في ظل نظام البعث الأسدي النصيري، وننتظر منهم تقديم النموذج الأمثل للحكم الرشيد، الذي يليق بنضالهم المجيد، وثورتهم المباركة.
ولن ينسى التاريخ أن الرئيس طيب أردوغان هو من استقبل قرابة خمسة ملايين سوري طيلة عشرة سنوات، وأنه من ساند الثورة حتى أمّن لضيوفه طريق العودة إلى ديارهم وأهليهم تظللهم نجاحات الثورة، كذلك دولة قطر التي ظلت وفية لمبادئها، وسلمت سفارة سوريا للثوار، وأبقت علم الثورة السورية يرفرف في سمائها حتى تم النصر بحول الله.
وكل من سبق صدقه، وأظهرت الحوادث معدنه، فهو الحليف الذي يستفاد بنصحه، وصديق الضيق الذي لا يخلف وعده، والتكاتف مع المخلصين ضرورة، لاسيما وأن أوكار الثورة المضادة مازالت تنعق منها أصوات الغربان، من بداية حملة ردع العدوان، حيث صوروها على أنه استجابة لنداء “نتن ياهو” وأنها باتفاق صهيوني صفوي، فلما انتهز جيش الاحتلال الصهيوني فرصة انشغال قيادة الثورة بتثبيت الوضع الداخلي، وهاجموا سوريا بحوالي 250 ألف قصف وتفجير وركزوا على استهداف المقرات الأمنية، وما تحويه من ملفات حساسة تفضح عملاءهم، بل وتوغلوا في عمق سوريا، عندها تغيرت خطة الإعلام الموجه إلى السؤال عن توازن القوى ولماذا عرضوا سوريا للتهلكة؟ في حين أن الصورة والأثر كليهما ينسف روايتهم ويفسد حجتهم، وكأنها المرة الأولى التي يقصف فيها الصهاينة سوريا، أو يرتعون داخل حدودها؟
إن جملة نحتفظ بحق الرد في الوقت والمكان المناسب، أصبحت من لوازم بشار الكلامية، ومن ثوابت الحقبة الأسدية، وسواء اتفقت الأنظمة العربية والإسلامية مع ما حدث في سوريا أو اختلفت، فإنها التزمت الصمت حتى الجامعة العربية لم تشجب الاعتداء السافر على بلد عربي، وعلى مقدراته التي هي ملك الشعب وليست خاصة بالأنظمة، وتأكد لكل ذي عينين أن الأسلحة المكدسة ومخازن الذخيرة المكتظة، ظلت في فترة حكم آل الأسد في مأمن عن تهديد الكيان، وأن احتفاظهم بحق الرد مر عليه 53 سنة، حتى غادروا أرض الشام ووجوه الأرض تلعنهم، كباطل من جلال الحق منهزم.
إن نجاح ثورة الشام أحيا الآمال، وأزعج كل من كان له شبه ببشار، وأكد أن الحقوق تنتزع ولا تستجدى، ومهما طال الليل فسيتبعه فجر جديد، وعلى أصدقاء الشعب السوري أن يقفوا إلى جواره في هذه المرحلة الحرجة، حتى يكتمل نصرهم ويتموا ثورتهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس