ترك برس
رأى الأكاديمي والمحلل السياسي سمير صالحة، أن خيارات ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، تمر عبر القطيعة مع "حزب العمال الكردستاني" المصنف في قوائم الإرهاب، وطرد عناصره من شمالي سوريا، وتسليم السلاح، والتراجع عن مشروعها الانفصالي، والانضمام إلى المشروع الوطني السوري القادم.
وأشار صالحة في مقال بموقع تلفزيون سوريا إلى ضرورة أن تدرك "قسد" أن من تعول عليهم اليوم سيكونون أول من يتخلى عنها، تمامًا كما حدث مع نظام الأسد حين لجأ إلى طهران وموسكو من دون جدوى.
وقال: "في الغرب، ينتظر حلفاء "قسد" انفتاحًا أكبر على ملف "الجولاني"، ولن يترددوا في إبلاغ قيادات "قسد" بأن خياراتهم تتضاءل، وبينها احتمال البحث عن بدائل أو الإصغاء لما تقوله القيادات الجديدة في دمشق، وما نصحت به أنقرة الأسد طوال 13 عامًا ولم يتعظ منه".
وفيما يلي نص المقال:
دشنت صفحة سورية جديدة في الثامن من كانون الأول بعد تسلل بشار الأسد إلى العاصمة الروسية محملًا بأموال ووثائق سرية تهدف إلى دعم المساومات وعقد الصفقات.
تبدلت أولويات تركيا تجاه سوريا مع تغير المعطيات الميدانية. أصبحت أنقرة أكثر تأثيرًا في التعامل مع الملف السوري، ولم يعد ضمن أولوياتها إبقاء يدها ممدودة نحو الأسد أو مراعاة مصالح طهران في سوريا. باتت تركيا تنسق مع موسكو في العديد من التفاصيل، وأصبحت جزءًا من الحراك الإقليمي والدولي الجديد في التعامل مع تطورات الملف السوري، إذ أبرزت مشاركتها في قمة العقبة هذا التوجه.
ما زالت مناطق شرق الفرات خارج هذا المشهد السوري في انتظار حسم "قوات سوريا الديمقراطية" لموقفها، وما إذا كانت ستتبنى توجهات قيادات قنديل في حزب العمال الكردستاني أو التعليمات القادمة من واشنطن.
أكدت وزارة الدفاع التركية في بياناتها الأخيرة أن أيام "قسد" باتت معدودة، مشددة على أن أنقرة لن تفاوض مجموعات إرهابية، وأنه لا صحة للتقارير التي تتحدث عن هدنة طويلة في شمال شرقي سوريا. وأوضحت أن الفصائل السورية ستتولى تحرير أراضيها وضمها لمشروع الدولة الموحدة. كما جددت تركيا موقفها الرافض للتفاوض قبل مغادرة العناصر الإرهابية المنطقة وتسليم "قسد" أسلحتها إما لواشنطن أو للدولة السورية الجديدة، مع تخليها عن مشروعها الانفصالي.
يصعب التكهن بنتائج المسار السياسي والميداني الجديد في سوريا، لكن، كما كان يوم الثامن من كانون الأول صادمًا، قد تكون التحركات العسكرية نحو عين العرب وشرق الفرات بنفس الحدة.
تشير بعض وسائل الإعلام إلى أن التصعيد التركي ضد "قسد" يمثل حملة عسكرية ضد السوريين الكرد، مستندة إلى مزاعم "خرق هدنة" غير موجودة أصلًا. في حين تؤكد أنقرة على ارتباط "قسد" بحزب العمال الكردستاني. ورغم ذلك، ترفع بعض الجهات شعار "الحرب على أكراد سوريا"، متجاهلة ممارسات "قسد" ضد الفصائل الكردية الأخرى في شمال شرقي سوريا، ما دفع العديد منهم للفرار إلى أربيل أو تركيا طلبًا للحماية. سؤال قيادات إقليم كردستان العراقي عن رأيها ربما يساعد في الإجابة أيضا.
خسرت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) كثيراً بهزيمة الأسد، رغم أن النظام في دمشق لعب باحتراف بورقة الأكراد في سوريا لتشتيت الصفوف وزيادة الشرذمة. كلف النظام "حزب العمال الكردستاني" وحليفه "قسد" بالمهمة بعد عام 2012، وتنازل عن مساحات جغرافية ونفوذ لصالحهما. كما سهل تنسيقهما مع طهران والسليمانية، متجاهلًا الدعم الأميركي لهذه المجموعات التي استغلت ورقة "داعش" حتى النهاية. في المقابل، استخدم الأسد هذه التنازلات لتحقيق أهدافه الخاصة، بما فيها تعميق الانقسامات بين الكرد السوريين وإفشال جهود الحوار بين الفصائل الكردية التي قادتها أطراف إقليمية ودولية لسنوات.
استفادت "قسد" من وضع جغرافي وسياسي وأمني خاص في شمال شرقي سوريا لسنوات. وسعت مناطق نفوذها وهيمنتها بعد سقوط الأسد، واستغلت مواردها لتحقيق أهداف متعددة، منها الاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها، والاستقواء بالدعم الأميركي ومواجهة "داعش"، والتمسك بمخططها السياسي والدستوري لبناء دولة حديثة. كما راهنت على دعم بعض العشائر والقبائل التي ساعدتها في تسهيل السيطرة على الأرض، بالإضافة إلى محاولة الاندماج في المخططات الإسرائيلية لتعزيز موقفها وإطالة عمر مشروعها.
تكمن مشكلة "قسد" ليس فقط مع أنقرة، بل أيضًا مع الفصائل السورية التي تطمح لبناء دولة جديدة بعد إزاحة الأسد. أرسل أحمد الشرع رسائل واضحة بهذا الشأن، مفادها أن "حزب العمال الكردستاني" مجموعة إرهابية، وأن الشعب الكردي جزء من الدولة السورية. وأكد ضرورة تسليم السلاح لوزارة الدفاع السورية ودمج الفصائل كافة تحت مظلتها. تصريحات الشرع لا تقل أهمية عن المواقف التي تعلنها واشنطن والعواصم الغربية الداعمة لـ"قسد". لكن السؤال يبقى: هل يمكن لـ"قسد" مواصلة التغريد خارج السرب السوري والتمسك بطروحاتها؟
تحاول إلهام أحمد ومظلوم عبدي اللجوء إلى دعم بعض أعضاء الكونغرس الأميركي للضغط على أنقرة وتهديدها بعقوبات جديدة إذا تحركت الفصائل السورية نحو عين العرب وشرق الفرات. تقول قيادات "قسد" إنها لن تسلم السلاح الذي ائتمنتها عليه واشنطن لمحاربة "داعش"، ولن تتردد في استخدامه ضد الفصائل السورية والقوات التركية دفاعًا عن نفسها. هذا الموقف يضع واشنطن أمام خيار صعب بين شريك محلي يرفع السلاح الأميركي ضد أنقرة، وبين ضرورة الاستماع إلى الحليف التركي وثاني أكبر قوة في حلف الناتو.
أمام "قسد" خيارات محدودة: إما إقناع العشائر الداعمة لها بالقتال إلى جانبها، أو الاستفادة من تجربة الأسد الذي خسر فرصة تاريخية مع أنقرة. خيار آخر قد تلجأ إليه "قسد" هو تحريض أميركا وإسرائيل على تدخل عسكري مباشر في سوريا تحت ذريعة مكافحة الإرهاب المتمثل بـ"الجولاني" و"هيئة تحرير الشام"، إذ ما زال كلاهما على قوائم الإرهاب الدولية، وواشنطن ترصد مكافآت مالية ضخمة لمن يدلي بمعلومات عن أماكن وجودهما، ما يمنح مظلوم عبدي ورقة ضغط إضافية.
بدأ العد العكسي أمام "قسد". خياراتها تمر عبر القطيعة مع "حزب العمال الكردستاني"، وطرد عناصره من شمالي سوريا، وتسليم السلاح، والتراجع عن مشروعها الانفصالي، والانضمام إلى المشروع الوطني السوري القادم. عليها أن تدرك أن من تعول عليهم اليوم سيكونون أول من يتخلى عنها، تمامًا كما حدث مع الأسد حين لجأ إلى طهران وموسكو من دون جدوى. في الغرب، ينتظر حلفاء "قسد" انفتاحًا أكبر على ملف "الجولاني"، ولن يترددوا في إبلاغ قيادات "قسد" بأن خياراتهم تتضاءل، وبينها احتمال البحث عن بدائل أو الإصغاء لما تقوله القيادات الجديدة في دمشق، وما نصحت به أنقرة الأسد طوال 13 عامًا ولم يتعظ منه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!