ترك برس - الأناضول الإنجليزية
يرى البوشناق (مسلمو البوسنة) المقيمون في إسطنبول أن مجزرة "سربرنيتسا" التي جرت في عام 1995 لن تنتهي بشكل حقيقي طالما ظل مرتكبوها هاربين من وجه العدالة.
قبل عقدين من الزمان، ومع اقتراب انتهاء الحرب البوسنية التي استمرت لأربع سنوات، شهدت بلدة تُدعى سربرنيتسا في الجزء الشرقي من يوغسلافيا السابقة مقتل 8 آلاف شخص بوسني على الأقل، بالإضافة إلى التهجير القسري لحوالي 30 ألف امرأة من بيوتهنّ.
كانت مجزرة سربرنيتسا أسوأ حادثة قتل جماعي شهدتها أوروبا بعد الحروب العالمية. وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يقضي بأن تكون سربرنيتسا "منطقة آمنة"، إلا أنّ القوات الصربية هاجمت البلدة واحتلّتها.
ولم تتمكن قوات "دوتشبات" التي تضم مئات الجنود الهولنديين المكلفين من قبل الأمم المتحدة بحماية سربرنيتسا من كل الجهات من منع المذبحة. وقد صرح وزير الدفاع الهولندي السابق "جوريس فورهوف" مؤخرًا بأنّه كان يمكن وقف القتل في حال توفير دعم جوي للبوشناق.
تحدّثت فتاة بوسنية تقيم في إسطنبول وتبلغ من العمر 27 عامًا لوكالة الأناضول عن الندوب التي تركتها المجزرة على أحبابها. تقول "أمينة موسيتش كوركماز": "إنّنا نتجنّب الحديث عن المجزرة بداخل العائلة بشكل خاص لأنّ ذلك يؤلمنا بشكل عميق".
والد أمينة الذي كان ملازمًا في جيش الحكومة البوسنية، قاتل في الحرب. وقُتِل عمُّها وابن عمها في القتال كذلك. تقول أمينة: "كنت طفلة صغيرة، لا أتذكر الحرب بوضوح لكنّني أذكر الألم الذي أوجدته في العائلة ولا أزال مضطرة لمواجهة الألم كلّما تحدّث أحد عن سربرنيتسا، وليس فقط في 11 تموز/ يوليو من كل عام".
"نُصرت سنجقلي"، بوسني يعيش في إسطنبول منذ أكثر من خمسين عامًا، وهو كاتب مشهور ومتطوع نشيط في "مؤسسة سنجق البوسنة الإغاثية والثقافية" في إسطنبول. تحدث سنجقلي عن لقاء له مع امرأة بوشناقية قبل أسبوعين قائلًا: "سألتها عن شهورها بعد 20 عامًا من مجزرة سربرنيتسا. وهذا هو جوابها:
"شعوري يزداد سوءًا في كل يوم عندما أرى مرتكبي مجزرة سربرنيتسا يمشون في الشوارع. من قاتل في الحرب مات مرّة واحدة، لكنّنا سنستمر في الموت حتّى يدفع القتلة والمغتصبون الثمن".
يقول سنجقلي: "العالم مدين لآلاف النساء اللواتي لا زلن يعشن الألم مثل تلك السيدة العجوز"، ويوافقه الرأي "داود نوريلير" البالغ من العمر 64 عامًا، والذي كان في يوم من الأيام منسقًا لوكالة التعاون والتنسيق التركية في سراييفو.
يشير نوريلير إلى مسودة القرار التي قدّمتها بريطانيا مؤخرًا لمجلس الأمن، والتي تدين بقوة "المجزرة في سربرنيتسا" وفشل الأمم المتحدة في منعها. يقول نوريلير: "لن تجفّ دموع هذه الأمّهات حتّى تقبل الأمم المتحدة سربرنيتسا كجريمة إبادة جماعية وتحضر مرتكبيها إلى العدالة".
يعيش نوريلير في إسطنبول منذ عام 1958، وقد تردّد على بلاده خلال الحرب، وكان ينقل المساعدات من المتبرعين في تركيا إلى المحتاجين في البوسنة. يشير في حديثه إلى أنّ "سكان البلقان لا زالوا يتمنّون رؤية العدالة بمعناها التّركي"، مضيفًا أنّ "تركيا، مثلما كانت في العهد العثماني، لا زالت تحتفظ بمسعاها تجاه دول البلقان، على سبيل المثال هي تستثمر في صربيا اليوم نفس الكم الذي تستثمره في البوسنة".
تُعد البلقان باعتبارها رابطًا جغرافيًا بين تركيا وأوروبا، أولوية بالنسبة لتركيا بفعل العلاقات التاريخية التي تعود لمئات السنين. فمنذ بدء الحكم العثماني في البلقان في القرن الرابع عشر انتشرت الأقليات التركية في المنطقة، كما قدم عدد من سكان البلقان للعيش في تركيا.
يحضُر المسؤولون الأتراك مراسم الذكرى السنوية لسربرنيتسا في 11 تموز/ يوليو من كل عام. وفي عام 2013، قال وزير الخارجية التركي في ذلك الوقت أحمد داود أوغلو في مقالة مشتركة له مع نظيره البوسني "زلاتكو لاغومزيجا" إنّ "التطهير العرقي كان سمة مُقزّزة للصراع في البوسنة والهرسك"، وإنّ سربرنيتسا كانت رمزًا "لوحشية الصراع الذي استمر ثلاث سنوات في يوغسلافيا السابقة".
وقد قَدِم إلى تركيا من جراء الأحداث أكثر من 40 ألفًا من البوشناق، حسب رئيس مؤسسة أصدقاء البوسنة والهرسك في إسطنبول "سافيت إردِم". وكان إردِم يعمل على تسجيل الواصلين إلى تركيا من البوشناق دون جواز سفر. يقول: كانت أعدادهم مرتفعة "حيث أنّهم لم يواجهوا مشكلة في العبور من الحدود اليونانية والمقدونية خلال محاولتهم الوصول إلى تركيا".
ويشير إردم إلى أنّ ما تبقّى في تركيا من هذه الأعداد لا يتجاوز 500 شخص، ويعزو ذلك إلى أنّ "معظمهم عادوا إلى البوسنة والهرسك حتّى لا يهجروا بلادهم".
وتُعدّ البوسنة وطنًا للبوشناق والصّرب والكروات. يُشكّل البوشناق نصف عدد السكان، في حين يمثّل الصّرب والكروات النصف الآخر. يقول سنجقلي من مؤسسة سنجق البوسنة الإغاثية والثقافية: "ليس كل الصرب مسؤولين عن مجزرة سربرنيتسا... هناك ملايين الصرب الذين لا يكرهوننا. أنا أعتقد كذلك أنّه في حال إجراء استفتاء اليوم، سيقف أكثر من نصف الشعب الصربي مع البوشناق ضدّ المتطرفين القوميّين الصّرب".
وقد انطلقت في الأيام الأخيرة بإسطنبول حملة لزيادة الوعي بمجزرة سربرنيتسا. ونشرت مئة لوحة ضخمة بأربع لغات تحمل عبارة: "لا تنسوا المجزرة البوسنية التي وقعت في منطقة آمنة تحت حماية الأمم المتحدة".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!