يوسف دينتش - يني شفق

يشهد العالم تحولاً جذرياً بعيداً عن العولمة التي تقوم على حرية تدفق العوامل الاقتصادية. فكما أعلن ترامب، بدأ في زيادة الرسوم الجمركية، وهو إجراء كان قد اتخذه خلال فترته الرئاسية الأولى، ولكن هدفه كان مختلفا حينها. ففي تلك المرحلة، استخدم الرسوم الجمركية لهدف تقليدي معروف.

هذا الهدف يتمثل في حماية القطاعات الاقتصادية المحلية أو تعزيز قوتها، وهو أحد الوظائف الأساسية للرسوم الجمركية، إلى جانب دورها في توفير الإيرادات للحكومة المركزية.

لكن هل يمكن لدولة بحجم الولايات المتحدة وطموحاتها أن تلجأ إلى فرض الرسوم الجمركية لتحقيق مثل هذه الأهداف؟ إنه سؤال جوهري، يمكن طرحه لتصنيف أهداف الرسوم الجمركية وفقًا لمستويات التنمية الاقتصادية للدول، خاصة في ظل المنافسة التي تفرضها الصين. كما أن الوقت مناسب تمامًا لإجراء مثل هذا التصنيف، حيث لا تزال الجغرافيا الاقتصادية في مراحلها الأولى.

وفي الدول الأقل تطورًا يكون الهدف الأساسي من فرض الرسوم الجمركية هو تحقيق الإيرادات، إذ غالبًا ما تفتقر هذه الدول إلى رأس مال وطني قوي. وإن وُجد، فإن حمايته تأتي في المرتبة الثانية ضمن أولوياتها. بل إن كثيرًا من هذه الدول تشهد تحويل الرسوم الجمركية إلى أداة لتمويل الفساد للأسف، مما يجعل التفكير في استخدامها لتعزيز الإنتاج المحلي ضربًا من السذاجة المفرطة.

وبالنسبة للاقتصادات النامية، تكتسب الرسوم الجمركية أهمية أكبر، إذ يتمثل هدفها الأساسي في حماية رأس المال الوطني، أي دعم المنتج المحلي. كما أن دورها في توليد الإيرادات لا يمكن إغفاله، نظرًا لمساهمتها في تمويل مشاريع التنمية.

أما الاقتصادات المتقدمة، فقد اعتمدت على التعريفات الجمركية وفق نهج ليبرالي يهدف إلى تعزيز التقارب والتعاون الاقتصادي. ويمكن إرجاع هذا النهج إلى ثلاثة أسباب رئيسة:

1ـ تمتعت هذه الدول بتفوق صناعي مطلق.

2ـ اضطرت إلى تقديم تنازلات تجارية مقابل مكاسب مماثلة، بغية تصدير منتجاتها ذات القيمة المضافة العالية بكميات كبيرة.

3ـ اعتبرت توفير المنتجات منخفضة القيمة المضافة بأسعار زهيدة للأسر جزءًا من سياسات الرفاه الاجتماعي.

وأود أن أشير هنا إلى أنني استخدمت صيغة الماضي، لأنني سأضطر إلى تحديد دوافع جديدة مع ولاية ترامب الثانية بالنسبة للدول المتقدمة.

وبناءً على هذا التصنيف، قد يُنظر إلى لجوء ترامب للتعريفات الجمركية خلال ولايته الأولى وفق دوافع الاقتصادات النامية – رغم عدم تركيزه الكبير على الإيرادات – على أنه مؤشر على تراجع مكانة الولايات المتحدة. لكن الأمر لم يكن كذلك، إذ إن الاقتصاد الأمريكي يتمتع بخصوصية تجعله يعيد تشكيل نظريات التجارة الخارجية. فهو اقتصاد متقدم يصدر المنتجات ذات القيمة المضافة المنخفضة، لا سيما في قطاع الزراعة، ما يجعله اقتصادًا زراعيًا ذا أهمية استراتيجية.

ولكن اليوم، أجد نفسي مضطرًا إلى الإقرار بأن ترامب قد أعاد تشكيل الأهداف الكامنة وراء استخدامه للرسوم الجمركية، الأمر الذي يستدعي إعادة تصنيف هذه الأهداف. وربما لن تحذو الدول المتقدمة الأخرى حذوه، مما يعني أنني بصدد تحديد مجموعة رابعة من الأهداف خاصة بالولايات المتحدة وحدها. لا يمكننا الجزم بهذه المسألة في الوقت الراهن، رغم أن بعض هذه الأهداف الجديدة لديها القدرة على الانتشار.

وربما يرى البعض أن القائمة الجديدة التي سأطرحها حول أهداف الرسوم الجمركية تمثل انحرافًا عن غاياتها التقليدية، إلا أنه وفق مسلّمات الجيواقتصاد، فإن هذه الأهداف الجديدة تُعدّ بالفعل غايات حقيقية.

وتتمثل أهداف الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في ولايته الجديدة فيما يلي:

1ـ حماية التكنولوجيا الوطنية والمنتجين المحليين.

2ـ استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة إضافية.

3ـ تمويل الدين العام للدولة.

4ـ توفير موارد مالية للشعب.

5ـ تحقيق توسع جغرافي.

6ـ استعادة المزايا التي تمنحها الجغرافيا المجاورة.

هذه الأهداف يمكن تصنيفها ضمن معايير قياسية، لكن لدى ترامب أهداف أخرى لا يمكن تصنيفها كليًا أو جزئيًا ضمن هذا الإطار القياسي، ومنها:

I) إضعاف التكتلات التي تهدد الهيمنة الأمريكية، مثل مجموعة "بريكس".

II) معاقبة الدول بشكل فردي لضمان استمرار الهيمنة الأمريكية.

III) الحفاظ على مكانة الدولار الأمريكي.

IV) إثارة غضب المنافسين ودفعهم لارتكاب الأخطاء.

V) إظهار المنافسين في موقف ضعيف لترهيب الدول الأخرى.

VI) استغلال المشاعر المعادية للأجانب التي ستغذيها الرسوم الجمركية.

دعونا نرى كيف ستكون ردود الفعل. في المرحلة الأولى، كانت كندا من أوائل من أبدى غضبًا حادًا بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية. أما المكسيك والصين، فهل ستتخذان نهجًا هادئًا، أم ستتبنيان موقفاً شبيهاً بموقف كندا؟ هذا ما سنعرفه قريبًا.

وإذا اختارت هذه الدول الرد بالمثل، فإن التأثير لن يكون مجرد موجة تضخم عابرة على الولايات المتحدة، كما يتفق عليه الاقتصاديون، بل قد يتحول إلى دوامة تضخم مستمرة.

وسيكون لذلك تأثير تشديدي على سياسات الاحتياطي الفيدرالي، ما قد يثير غضب ترامب ويدفعه إلى الرد، وهذا الرد سيؤدي إلى توتر من شأنه أن يزعزع استقرار الأسواق. ومع تأثير هذا التوتر السلبي على الأسواق، قد يجد العالم نفسه في خضم أزمة اقتصادية عالمية، لا سيما إذا اتخذ ترامب قرارات تشمل تقييد حركة رؤوس الأموال، بعد السلع والخدمات.

لقد ظهر "ديب سيك" وكأنه بجعة سوداء بالفعل.

ملاحظاتي الأخيرة حول تركيا: لقد جعل ترامب من أوروبا هدفًا لسلاح الرسوم الجمركية. ويبدو أن هذه الخطوة ستساهم في حل المشكلات التي نشأت بسبب اتفاقية الاتحاد الجمركي مع تركيا. كانت المشكلة الأساسية في الاتحاد الجمركي هي استبعاد تركيا عن المزايا التي تمنحها الولايات المتحدة لأطراف ثالثة في التجارة. ومع الرسوم الجمركية التي سيفرضها ترامب على الاتحاد الأوروبي، ستصبح تركيا والاتحاد الأوروبي في وضع متساوٍ إلى حد كبير. وبالتالي، ستنتهي المشكلة.

وأود أيضًا أن أضيف تعليقًا عامًا: إذا استمر الاتجاه نحو فرض قيود على حرية حركة البضائع على الصعيد العالمي، فإن ذلك قد لا يؤثر سلبًا على صادرات تركيا في الظروف الحالية، بل قد يكون له تأثير إيجابي. ومن جهة أخرى، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر ليس ذا أهمية استراتيجية كبيرة للاقتصاد التركي في الوقت الحالي.

إذا نظرنا إلى الأمور من هذا المنظور، يبدو أن احتمال حدوث أزمة عالمية قد لا يؤثر على تركيا بشكل كبير. بل يمكن القول إن تركيا قد تخرج من مثل هذا الاحتمال أقوى. وإذا استطاعت تركيا أن تقدم الاستقرار في الوقت الذي تتجه فيه الاستثمارات إلى الأسواق ذات التقلبات الكبيرة، فقد تتمكن من تغيير معادلاتها تمامًا. هذا الاحتمال موجود بالفعل في ظل الظروف الحالية في تركيا، إذا كانت هناك رغبة في تحقيق ذلك.

عن الكاتب

يوسف دينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس