ترك برس
أكد الكاتب والإعلامي التركي البارز توران قشلاقجي، أن الشعب السوري تعلم تحت حكم نظام الأسد الجائر مدى قيمة وأهمية الحرية، ربما بأثقل الأثمان؛ فالحرية ليست مجرد حق، بل هي حجر الزاوية في الحقيقة والعدالة والكرامة الإنسانية.
وتناول قشلاقجي في مقال بصحيفة القدس العربي، جوانب من نضال الشعب السوري في سبيل استعادة حريته وكرامته بعد سنوات طويلة من القمع والظلم تحت حكم نظام البعث بقيادة بشار الأسد.
يربط الكاتب هذا النضال بكتاب "في بلاد الأحرار" للمفكر والسياسي التركي أحمد آغا أوغلو، الذي يطرح فيه فكرة الحرية كقيمة مهمة وصعبة المنال، ويستعرض كيف يمكن أن يتعلم الإنسان قيمتها بعد أن ينالها.
وفيما يلي نص المقال:
نتمنى أن يكون العام الجديد بداية لمرحلة ينتهي فيها الظلم وتسود الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، خاصة للذين يعيشون تحت وطأة وظلم الطغاة والديكتاتوريات في العالم الإسلامي وللإنسانية جمعاء، تماما مثلما جرى مع الشعب السوري مؤخرا، أملا بمستقبل يتعزز فيه التضامن والأخوة ويعم السلام والهدوء العالم كله.
بالطبع، سوف تبذل بعض الدول جهودا لتقويض فرحة السوريين بالحرية، ولكن الشعب السوري تعلم وأدرك قيمة الحرية، وكيف يقدم التضحيات لحمايتها؛ فهذه المكاسب التي تحققت في النضال من أجل الحرية لن تضيع بسهولة بعد الآن. يعيش الشعب السوري اليوم فرحة عارمة بنيل الحرية وحق الحياة بكرامة بعد سنوات طويلة من القمع والتعذيب والظلم، على يد النظام الجائر في سوريا.
وكما هو الحال في البلاد الخيالية التي يتحدث عنها المفكر والسياسي التركي الشهير أحمد آغا أوغلو في كتابه «في بلاد الأحرار»، الذي كتبه كمنظّر للحزب الجمهوري الحر في عام 1930، خلال محاولة تركيا الأولى للانتقال إلى النظام البرلماني متعدد الأحزاب، فإننا اليوم نتعلم مرة أخرى، أن الحرية ليست مجرد مكسب عادي، بل هي ثمرة نضال وتضحيات عظيمة. لم تقتصر مقاومة الشعب السوري في نضاله من أجل الحرية على النظام الجائر فقط، بل إنه قاوم في الوقت نفسه الأكاذيب والضغوط، والسجون والمخابرات وانعدام الأمل.
يحكي الكتاب قصة بطل عاش لفترة طويلة تحت وطأة نظام قمعي، جعله يفقد ثقته بنفسه وقدراته الفكرية، ثم سافر ذات يوم إلى «بلاد الأحرار»، وهي بلاد خيالية. يقول أحمد آغا أوغلو في كتابه: «كم هو صعب نيل الحرية»، مؤكدا مدى صعوبة الحرية الفردية والاجتماعية، لكنه يشير في الوقت نفسه، إلى أهميتها الكبيرة. ويشكل هذا الكتاب دليلا يسلط الضوء على آلام الشعب السوري، وآماله، وعودته إلى الحياة مع نيل حريته.
لا شك في أن سقوط نظام الأسد، يكشف أن الشعب السوري عاش حياة أدنى حتى من حياة الأعشاب لسنوات طويلة، لكنه اليوم نال الحرية واستعاد القيم الحقيقية للإنسان. لقد تعلم الشعب السوري، تحت حكم النظام الجائر، مدى قيمة وأهمية الحرية، ربما بأثقل الأثمان. فالحرية ليست مجرد حق، بل هي حجر الزاوية في الحقيقة والعدالة والكرامة الإنسانية. واليوم، يبني الشعب السوري مستقبلا يحل فيه الصدق والشجاعة والعدالة والتضامن محل النظام القائم على الكذب والنفاق والقمع والخوف، كما هو موضح في «بلاد الأحرار».
لم يكن هذا النضال ضد النظام وحده، بل كان أيضا من أجل استعادة ثقة الناس ببعضهم بعضا، واستعادة التضامن بين أفراد المجتمع. لأن المجتمع الذي تختفي فيه الثقة والتضامن بين الأفراد، يتحول إلى مجتمع يمكن للظالمين أن يحكموه بسهولة، وهو ما يؤكد عليه الكتاب، وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن الشعب السوري يعيد كتابة مستقبله من خلال تحطيم جدران القمع، ودفع الأثمان، وتمجيد الحرية.
من المعروف أن نظام الأسد المجرم مزق النسيج الاجتماعي في سوريا ولم يقتصر على قمع الشعب السوري، فقد دمر مشاعر التضامن من خلال زعزعة ثقة الناس ببعضهم بعضا، وجرهم إلى العزلة والفقر واليأس. لكن اليوم، وبفضل الحرية، يشرع الشعب السوري في بناء علاقات جديدة تعتمد على روح التضامن. وكما يرد في «بلاد الأحرار»، فإن بناء مجتمع حر يتطلب التحرك وفقا لمبادئ الاستحقاق، والنزاهة، والعدالة. وسوف يتشكل مستقبل سوريا من خلال اختيار الشعب لحكامه على أساس الاستحقاق، وإقامة نظام يعتمد على إرادة الشعب. وبينما يناقش الكتاب بعمق العلاقة بين الحرية والإنسانية، فإنه يعلم القارئ أن الحرية ليست مجرد حق، بل إنها مسؤولية فردية واجتماعية أيضا، وأنه من الضروري الكفاح وتقديم التضحيات من أجلها.
ومثلما حدث مع بطل الرواية، فإن الشعب السوري لم يفهم تماما مدى أهمية وقيمة نعمة الحرية إلا بعد أن نالها. والكلمات التالية في كتاب أحمد آغا أوغلو، تعكس بشكل أفضل مشاعر الشعب السوري اليوم: «أدركت أن حياتي قبل أن آتي إلى هذه البلاد كانت أدنى من حياة العشب، لأن العشب ينبت وينمو ويموت وفقا لقوانين الطبيعة. أما أنا، فقد كنت أسيرا للعديد من القوى خارج هذه القوانين. كانت العبودية في الفكر والمشاعر والحركة هي قدري أنا. كان هناك شخص آخر يفكر، ويشعر ويعيش. أما أنا، فلم أكن أنا. كنت ظله، وخياله، وشبحه! باختصار؛ أنا لم أكن موجودا، بل كنت أسطورة. والآن، أدركت أنني أصبحت عاشقا لملاك الحرية!».
في العام الجديد الذي نحتفل فيه بحرية الشعب السوري، نتمنى أن تنتهي ظلمات القمع في كل أنحاء العالم، وأن يبدأ عصر من الحرية، والعدالة، والأخوة. ونأمل أن يكون النور الذي يشع من ملاك الحرية مرشدا لكل الإنسانية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!