ترك برس

تناول تقرير للسياسي التركي البارز ياسين أقطاي، الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة بعد اتفاق استعادة الأسرى من غزة، مسلطًا الضوء على تناقضات الخطاب الإسرائيلي الذي يبرر العدوان بذريعة "الأمن" و"حق الدفاع عن النفس"، رغم تحوله إلى سياسة منظمة للإبادة والعقاب الجماعي.

يقارن أقطاي في تقريره بصحيفة يني شفق بين التعاطف الدولي الواسع مع الأسرى الإسرائيليين وبين الصمت المطبق تجاه أكثر من عشرة آلاف فلسطيني تحت الأنقاض وآلاف الأسرى في سجون الاحتلال.

كما يناقش التقرير البنية الذهنية العنصرية التي تحكم السلوك السياسي والعسكري الإسرائيلي، ويحذر من أن تبني إسرائيل لعقيدة أمنية عدوانية ضد جيرانها – من سوريا إلى تركيا – يجعلها في نهاية المطاف العدو الأكبر لنفسها، إذ تزرع بذور انهيارها في محيطٍ يتأجج بالغضب والرفض.

وفيما يلي نص التقرير:

كما كان متوقعاً، سرعان ما بدأت إسرائيل بانتهاك الاتفاق الذي سبق استعادة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس في غزة بدأ، وذلك بمجرد زوال ضغط الأسرى عنها.

وبطبيعة الحال، لا تجد إسرائيل صعوبة في اختلاق الذرائع لانتهاكاتها. فهي تواصل القصف مدعيةً: "رأينا ظلا يتحرك هناك، أو مرت دجاجة من هناك فأطلقنا النار، هذا لم يكن منصوصًا عليه في الاتفاق، حماس لم تفِ بوعدها". وبعد أن استردّت أسراها، ثمة وضع يتطلب من العالم أن ينتفض من أجله، وهو وجود حوالي 10 آلاف أسير فلسطيني محتجزين في سجون الاحتلال الإسرائيلي في ظل أقسى ظروف التعذيب.

المسألة ليست مجرد خرق لوقف إطلاق النار، بل هي إهانة للإنسانية برمتها.ولكن لا توجد انتفاضة لحقوق الإنسان بشأن ذلك. وبالنسبة الولايات المتحدة راعية إسرائيل، فإن هذه الوحشية هي أيضاً جزء من "الحرب المقدسة على الإرهاب".

بعد أن استردت إسرائيل أسراها الأحياء من حماس، تتذرع بفشلها في استعادة جثث أسراها القتلى لشن هجوم جديد. فهي من قتلت أسراها، وهي من دفنت جثثهم تحت الأنقاض، ورغم ذلك تهاجم حماس وتدعي أنها انتهكت الاتفاق لعدم تمكنها من تسليم الجثث. حتى أن الرئيس الأمريكي ترامب، وفي نوبة من الجنون، زعم أن حماس ارتكبت جريمة لعدم تسليم جثث الرهائن الإسرائيليين الموتى وتستحق العقاب على ذلك.

عندما يحكم قطاع الطرق العالم، يحكمونه بعقلهم المريض ومنطقهم المعوج وقانونهم المشوه. هناك ما لا يقل عن 10 آلاف جثمان فلسطيني تحت الأنقاض اليوم، نتيجة "حسن الاستخدام الأسلحة الرائعة" التي منحتها الولايات المتحدة للقاتل نتنياهو. وبينما يتضافر العالم، مستخدماً كلاب البحث وأجهزة البحث الحديثة، للبحث عن جثث الإسرائيليين، لا يبدي أحد أدنى قدر من التعاطف مع هؤلاء العشرة آلاف فلسطيني تحت الأنقاض. وكيف لذلك أن يحدث؟ فمن يهتم بالقتلى الفلسطينيين، الذي يُعامَلون وهم أحياء كـ "كائنات شبه بشرية"؟ عندما تبلغ العنصرية ذروتها، فإنها تطبق على الأموات بأكثر الطرق حماقة وتملأ المكان برائحة العنصرية النتنة.

يصعب على المسلمين استيعاب الحالة اللاإنسانية التي يعيشها الوزير العنصري الإسرائيلي بن غفير وهو يدعو إلى استئناف الهجوم على غزة وإحلال الجحيم فيها بعد أن استعادوا أسراهم. ذلك أن مثل هذه الإبادة الجماعية، وهذا الغضب الموجه ضد الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، أمرٌ لا يمكن أن يصدر عن المسلمين. فالقتال ضد الأعداء بالنسبة للمسلمين هو في نهاية المطاف حرب ضد الظالمين الذين يمنعةن وصول الرحمة إليهم، فـ "لا عداوة إلا على الظالمين". وإسرائيل اليوم، بمنطقها وعقليتها، هي من أشد الظالمين الذين شهدهم التاريخ.

إن التبرير الأكثر شيوعاً الذي تسوقه إسرائيل لعدوانها هو سعيها لتحقيق الأمن وصراعها من أجل البقاء. ورغم أنها احتلت الأراضي الفلسطينية وتشكل تهديداً لوجود الآخرين، فإنها ترى في مقاومة شعب سلبت منه أرضه ووطنه تهديداً لوجودها. وكلما شعرت بهذا التهديد، زادت من هجماتها، وكلما هاجمت، غذّت روح المقاومة والكراهية تجاهها بشكل أكبر.

وها هي السردية الكبرى التي قدمتها إسرائيل للعالم لسنوات، سواء في احتلالها لفلسطين أو في حروبها على لبنان والأردن وإيران، تحت إطار مسألة "الأمن الإسرائيلي" أو "حق الدفاع عن النفس"، قد انهارت بالكامل الآن. فالعداء الذي لم تتوانَ إسرائيل عن توجيهه لسوريا وقطر والعراق، وفي بعض الأحيان لمصر والمملكة العربية السعودية، هو عداء تبرره بـ تهديد محتمل يمكن أن ينشأ ضدها بعد سنوات. وفي إطار هذا التهديد، لم يعد المسؤولون الإسرائيليون، من أدنى المستويات إلى أعلاها، يترددون في التصريح بأنهم يرون تركيا محور هذا التهديد.

لقد عانى الشعب السوري ويلات وأهوالاً لا تُطاق تحت ظلم حكم نظام البعث المروع على مدى 60 عاماً. وعندما شرع هذا الشعب في التخلص من طاغية البلاد والبدء في تصحيح مساره، استخدمت إسرائيل التبرير ذاته لشن هجماتها على سوريا: وهو استباق أي تهديد محتمل يمكن أن يتشكل ضد إسرائيل وتدميره قبل ظهوره. رغم أن الدولة السورية الجديدة لا تزال حديثة الولادة ولم تصدر عنها أية تصريحات ضد إسرائيل بعد. وبالطبع، سواء كان هناك تصريح أم لا، فإن مطالبة سوريا بالجولان الذي تحتله إسرائيل حالياً، أمر لا مفر منه. لكن هذه القضية هي أصلاً موضوع خلاف بين إسرائيل وسوريا منذ 58 عاماً. وهناك قنوات دبلوماسية لمناقشة مثل هذه القضايا، ولكن بالنسبة لإسرائيل، فإن الدبلوماسية هي مجرد وسيلة مؤقتة للمماطلة واكتساب مظهر الدولة.

وقد أوضح وزير الخارجية هاكان فيدان في حواره مع "تورغاي غولار" على قناة "أولكي تي في" كيف أن مهاجمة الجميع تحت ذريعة الأمن قد تحولت ـ على العكس من ذلك ـ إلى أكبر عامل يهدد أمن إسرائيل. والحقيقة أنه لا يمكن لأي دولة أن تبقى على قيد الحياة طويلاً إذا اعتنقت هذه الرؤية البارانوية، ورأت في الجميع أعداءً محتملين وهاجمت كل من ظنّتهم كذلك. إن أكبر عدو لإسرائيل وأكبر خطر عليها هو إسرائيل نفسها. والتدخلات والتدابير التي تهدف إلى إبقاء كل دول الجوار ضعيفة أو منشغلة بصراعات داخلية من أجل "أمنها" لن تحقق في النهاية الأمن لإسرائيل. وسعي إسرائيل لإضعاف سوريا وتقسيمها عبر دعم الدروز في السويداء وعناصر قسد في شرق الفرات، يتحول إلى وضع يهدد تركيا أيضاً، فعدم الاستقرار داخل سوريا يؤثر مباشرة على تركيا.

وأضاف فيدان قائلاً: "إذا انتهجت سياسة أمنية مفادها: هؤلاء عرب مسلمون وسُنّة، نحن نقرأ نواياهم، وإذا أصبحوا أقوياء بعد 50 عاماً سيفعلون بي كذا وكذا، لذلك سأقوم الآن بتقسيمهم وتمزيقهم وتحطيمهم وإغراقهم في حالة من الفوضى.." فهذه سياسة خطيرة للغاية. لأنها لا تؤثر على سوريا فقط. فكم بلدًا يحيط بسوريا؟ الأردن ولبنان والعراق وتركيا؛ كلهم سيتأثرون."

وإذا تأثرت كل هذه البلدان فسيبدو الحل الوحيد المنقذ للجميع هو القضاء على إسرائيل. وهكذا تعد "إسرائيل" نهايتها بنفسها. فهل ثمة بيان أوضح من هذا؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!