ترك برس

أكد تقرير لموقع قناة "TRT عربي" أن تركيا في السنوات الأخيرة رسَّخت نفسها كقوة رئيسية على الساحة العالمية في مجال الصناعات الدفاعية، إذ تحولت من دولة تعتمد بشكل كبير على الاستيراد إلى دولة مصنِّعة تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل.

وبفضل استراتيجيتها الطموحة للاستقلال في الإنتاج العسكري احتلت المرتبة الحادية عشرة عالمياً في صادرات الصناعات الدفاعية، وتوسعت صادراتها لتصل إلى 180 دولة حول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بالإضافة إلى تحقيقها أرقاماً مذهلة في إنتاج السفن الحربية، تفوق ما تُنتجه أوروبا بأكملها.

وفي العام المنصرم شهدت تركيا نمواً ملحوظاً في صادرات الصناعات الدفاعية والطيران، التي تجاوزت قيمتها 7.15 مليار دولار، مسجلةً زيادة بنسبة 29% مقارنةً بالعام السابق، وهو رقم تخطى هدف الحكومة المحدد والبالغ 6.5 مليار دولار بنسبة 11%، وفق ما قاله رئيس هيئة الصناعات الدفاعية في الرئاسة التركية، خلوق غورغون، عبر منصة إكس.

كما أوضح غورغون أن قطاع الصناعات الدفاعية بات يضم أكثر من 3500 شركة، منها 1600 شركة تصدِّر منتجاتها إلى الخارج، لافتاً إلى أن الطائرات المُسيّرة التركية تُستخدم حالياً في نحو 50 دولة.

وتواصل تركيا تعزيز صناعاتها الدفاعية، مستهلةً العام الجديد بمجموعة من الإنجازات التي تعكس قوتها في هذا المجال بين منظومات محلية تدخل للمخزون العسكري لأول مرة وبين إبرام صفقات جديدة مع دول مختلفة في جميع أنحاء العالم، ما يعكس ثقة دولية متزايدة بجودة التكنولوجيا العسكرية التركية.

بداية قوية مع العام الجديد

وعلى خطى العام الماضي بدأت الصناعات الدفاعية التركية العام الجديد بوتيرة متسارعة، فإلى جانب مشاريع مثل بناء السفن العسكرية، وتجارب ANKA-3 المسلحة، وتسليح بيرقدار TB-3، سُلمت مؤخراً أول دفعة من أنظمة التوجيه الدقيق HGK-84 إلى المخزون العسكري التركي للمرة الأولى.

وبذلك، أصبحت الآن النسخة المحلية من أطقم التوجيه التي طُورت بالتعاون بين المؤسستين الوطنيتين ASFAT وTÜBİTAK SAGE، متاحة للاستخدام العسكري بعد أن كانت تستوردها تركيا من الولايات المتحدة في وقت سابق.

ويشير الخبراء إلى أن هذه الخطوة تمثل قدرة حاسمة في العمليات الجوية ضد الأهداف الأرضية، مما يتيح ضربات أكثر قوة ودقة وبتكلفة أقل نسبياً، إذ كانت تركيا تعتمد في الماضي على أنظمة توجيه مُستوردة من الولايات المتحدة، مثل أطقم توجيه JDAM.

وسيراً على طريق الاكتفاء الذاتي الكامل، قررت تركيا تطوير نسختها الخاصة، لتتمكن من تحويل القنابل التقليدية إلى ذخائر ذكية عالية الدقة من خلال مشروع أطقم التوجيه الدقيقة (HGK).

وفي حديثه عن أهمية نظام التوجيه الدقيق HGK-84، أوضح الخبير في الصناعات الدفاعية أنيل شاهين، أن قنبلة MK-84 المتعددة الأغراض التي تعتمد عليها القوات المسلحة التركية بشكل رئيسي لضرب الأهداف الأرضية كانت تُستخدم في الأصل من دون توجيه، "ولكن بفضل أطقم التوجيه المحلية تحولت إلى قنابل ذكية وأكثر دقة ويمكن توجيهها عبر GPS بدقة تصل إلى 3 أمتار".

وأضاف شاهين في حديثه مع موقع TRT Haber أن HGK-84 يمكن إطلاقها حالياً من ثلاث منصات رئيسية: مقاتلات F-16 وF-4E، بالإضافة إلى الطائرة الهجومية من دون طيار AKINCI، مؤكداً ان HGK "حققت في اختبارات القبول نجاحاً باهراً، وبحلول الأسبوع الماضي، اكتمل إدخالها إلى المخزون العسكري".

وأشار إلى أن الطائرات الوطنية مثل KAAN وKIZILELMA وANKA-3، ستتمكن أيضاً من استخدام منظومات HGK-84، لافتاً إلى أن تركيا وصلت إلى مستوى متقدم في تنوع الذخائر، حيث تطوِّر ذخائر مخصصة للمنصات والصواريخ المختلفة، ما يعزز مرونة الجيش التركي في التعامل مع التهديدات المختلفة.

"أوكان".. نقلة نوعية في القوات البحرية التركية

شهدت تركيا الأسبوع الماضي خطوة بارزة في تطوير قدراتها الدفاعية البحرية من خلال الكشف عن المركبة البحرية المسيّرة "أوكان"، التي طوَّرتها شركة "كاياجي للدفاع" داخل "تكنوبارك مرسين"، حيث بدأ إنتاجها في عام 2018 لتكون قادرة على العمل في ظروف بحرية قاسية، ما يمثل إنجازاً جديداً ضمن جهود الصناعات الدفاعية الوطنية.

وصُممت المركبة بقدرات متقدمة تجعلها مناسبة لتنفيذ مجموعة متنوعة من المهام، مثل الاستطلاع والمراقبة في أعالي البحار. وقد اجتازت "أوكان" جميع الاختبارات بنجاح، بما في ذلك التجارب التي أُجريت بالتعاون مع قيادة خفر السواحل، لتؤكد جاهزيتها للعمل في بيئات صعبة وظروف متغيرة.

وتتميز "أوكان" بطول يبلغ 11.5 متر ووزن يصل إلى 7 أطنان، مما يمنحها هيكلاً متيناً يناسب المهام العسكرية. ويعمل محركها بقوة 390 حصاناً، ما يمكّنها من بلوغ سرعة تصل إلى 27 عقدة، مع مدى إبحار يصل إلى 350 ميلاً بحرياً. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع المركبة بقدرة استثنائية على المناورة، بما في ذلك تفادي العقبات بشكل ذاتي.

وصرح البروفيسور الدكتور جانر أوزدمير، مدير الأبحاث والتطوير في "كاياجي للدفاع"، بأن المركبة مزوَّدة بأنظمة رادار متطورة وكاميرات حرارية وتقنيات رؤية ليلية، مدعومةً بذكاء صناعي يسمح لها باتخاذ القرارات بشكل مستقل. وأكد أن هذه الميزات تمنحها القدرة على تنفيذ المهام بسلاسة وكفاءة عالية.

وأوضح أوزدمير لموقع TRT Haber أن "أوكان" طوَّرت بالتعاون مع عديد من المؤسسات المحلية، بما في ذلك ولاية مرسين وجامعتها وغرفة التجارة والصناعة، المركبة البحرية المسيَّرة "أوكان"، قائلاً: "والآن نحن في المرحلة النهائية من المفاوضات لإدخالها الخدمة".

وأكد أوزدمير أن جميع أنظمة المركبة -باستثناء بعض الأجزاء الإلكترونية وأجهزة الاستشعار- طُورت محلياً بالكامل، مشيراً إلى أن إحدى الميزات البارزة في "أوكان" هي إمكانية تعديلها لتكون مركبة بحرية مسلحة أو حتى مسيّرة بحرية، مما يزيد من تنوع استخداماتها العسكرية.

وأشار إلى أن "أوكان" لاقت اهتماماً واسعاً خلال المعارض الدولية والمحلية، ما يعكس إمكاناتها التصديرية الكبيرة، مضيفاً أن تركيا تسعى إلى تسويق المركبة في الأسواق العالمية، مع استمرار المفاوضات مع عدد من الدول المهتمة بشرائها.

ويعكس تطوير "أوكان" رؤية تركيا الطموحة لتحقيق الاستقلالية في مجال الصناعات الدفاعية. ووفق أوزدمير، فإن النجاح الذي حققته تركيا في تطوير الطائرات المسيرة يُتوقع أن يمتد إلى المسيرات البحرية، لتأخذ مكانها بين الدول الرائدة في هذا القطاع.

وتُعد رؤية تركيا للصناعات الدفاعية جزءاً من استراتيجيتها الكبرى لتحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 100% في إنتاج المعدات العسكرية، إذ أظهرت البيانات أن نسبة الاكتفاء الذاتي في هذا المجال ارتفعت من 20% قبل عقدين إلى أكثر من 80% في الوقت الحالي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!