إسلام الغمري - خاص ترك برس
في خطوة مفاجئة، طالب أحمد الشرع، القائد العام للإدارة السورية الجديدة، روسيا بتسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد ومساعديه المقربين، بعد فراره إلى موسكو عقب انهيار نظامه في دمشق. جاء هذا الطلب خلال لقاء جمعه مع المبعوث الروسي الخاص لمنطقة الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.
هذا التطور يطرح تساؤلات عدة حول مدى إمكانية استجابة روسيا لهذا الطلب، وما الثمن الذي قد تطلبه مقابل ذلك، إضافة إلى العوائق القانونية والاستراتيجية التي قد تحول دون تسليمه. كما يستدعي الحديث عن العلاقات التاريخية بين موسكو ودمشق وأهمية الدور الروسي في التوازنات الدولية.
روسيا وسوريا: تحالف استراتيجي راسخ
تُعتبر العلاقة بين روسيا وسوريا واحدة من أقدم وأعمق التحالفات في المنطقة، حيث تمتد جذورها إلى الحقبة السوفييتية. فمنذ الستينيات، كانت موسكو الداعم الأساسي للنظام السوري، سواء من خلال تسليحه، أو تقديم الدعم الاقتصادي، أو توفير الحماية السياسية في المحافل الدولية.
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، لعبت روسيا دورًا محوريًا في إبقاء نظام الأسد قائماً، بدءًا من استخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنع أي قرارات تدين النظام، وصولاً إلى التدخل العسكري المباشر في 2015، الذي قلب موازين القوى لصالح الأسد، وأدى إلى استعادة معظم المناطق التي فقدها.
اليوم، تسيطر روسيا على قاعدتين عسكريتين استراتيجيتين في سوريا:
1. قاعدة حميميم الجوية: التي تُعد مركز العمليات العسكرية الروسية في الشرق الأوسط.
2. قاعدة طرطوس البحرية: التي تمنح روسيا منفذًا مهمًا على البحر الأبيض المتوسط.
لذلك، فإن أي قرار يتعلق بمصير الأسد يجب أن يؤخذ في سياق هذه المصالح الاستراتيجية، حيث إن موسكو لا تتعامل مع سوريا من منظور شخصي يتعلق بالأسد فقط، بل كحجر زاوية في سياستها الإقليمية والعالمية.
هل تستجيب روسيا لمطلب تسليم الأسد؟
حتى الآن، لم تُصدر موسكو ردًا رسميًا على طلب الإدارة السورية الجديدة. لكن بالنظر إلى تاريخ العلاقات الروسية-السورية، فإن احتمال تسليم الأسد يبدو ضعيفًا، ما لم تحصل موسكو على ضمانات تحقق لها مكاسب استراتيجية أكبر من الاحتفاظ به.
ما الثمن الذي قد تطلبه روسيا مقابل تسليم الأسد؟
إذا قررت روسيا النظر في مسألة تسليم الأسد، فمن المحتمل أن تطالب بعدة تنازلات، من أبرزها:
1. ضمان بقاء النفوذ الروسي في سوريا: قد تطالب موسكو باعتراف رسمي بشرعية وجودها العسكري والاقتصادي في سوريا، وضمان استمرار القاعدتين الروسيتين.
2. الحفاظ على العقود الاقتصادية: وقّعت روسيا عقودًا طويلة الأجل لاستخراج النفط والغاز من سوريا، ولن تتنازل عنها بسهولة.
3. صفقات سياسية مع الغرب: قد تستخدم موسكو ورقة تسليم الأسد لمقايضتها بملفات أخرى، مثل العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا.
العوائق أمام تسليم الأسد
حتى لو رغبت روسيا في التخلص من عبء الأسد، فإن هناك عقبات كبيرة تحول دون ذلك:
1. القانون الدولي: روسيا ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية، مما يعني أنها غير ملزمة قانونيًا بتسليمه، كما أن لديها سوابق في حماية شخصيات مطلوبة دوليًا.
2. المصالح الاستراتيجية: تسليم الأسد قد يُنظر إليه على أنه تخلٍّ عن حليف تاريخي، وهو ما قد يضر بصورة روسيا كحليف موثوق في المنطقة.
3. النفوذ الإيراني: إيران، الحليف الأهم للأسد، قد تمارس ضغوطًا على روسيا لمنع تسليمه، خصوصًا أن طهران لا تزال ترى في الأسد حليفًا ضروريًا لمصالحها الإقليمية.
التوازنات الدولية ودور روسيا في الشرق الأوسط
لطالما لعبت روسيا دورًا أساسيًا في تحقيق التوازن في العلاقات الدولية، وخاصة في الشرق الأوسط، حيث تنافس النفوذ الأمريكي والغربي. ومن خلال دعمها للنظام السوري، سعت موسكو إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، ومنع انهيار الدولة السورية، التي كانت ستتحول إلى ساحة نفوذ غربية أو تركية.
ولكن مع تراجع أهمية الأسد كلاعب أساسي بعد سقوطه، قد ترى روسيا أن التخلص منه سيساعدها في إعادة ترتيب علاقاتها في المنطقة، خصوصًا مع القوى الصاعدة في سوريا، والتي قد تكون أكثر استعدادًا للتعامل مع موسكو وفق مصالح جديدة.
الخلاصة
طلب الإدارة السورية الجديدة تسليم الأسد هو خطوة مهمة، لكنها تصطدم بتعقيدات سياسية وقانونية واستراتيجية. فبالرغم من أن روسيا قد تستخدم هذه الورقة لتحقيق مكاسب أكبر، فإن احتمال تسليم الأسد يبقى ضعيفًا، ما لم تجد موسكو بديلاً أكثر فائدة.
في النهاية، يبقى مصير الأسد رهنًا بالتوازنات الدولية، ومقدار ما تستطيع روسيا تحقيقه من مكاسب مقابل التضحية به. ومع استمرار التحولات في المنطقة، قد يكون القرار الروسي بشأن الأسد مؤشرًا على إعادة ترتيب التحالفات في الشرق الأوسط، في ظل عالم يشهد تغيّرات متسارعة في موازين القوى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس