ترك برس
في مقال تحليلي بصحيفة الشرق القطرية، أكد الكاتب والأكاديمي التركي أحمد أويصال أن إعادة إعمار سوريا بعد أكثر من 13 عامًا من الصراع تتطلب جهودًا معقدة وشاملة، مع ضرورة توفير دعم دولي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
وأشار أويصال في مقاله إلى أن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية السورية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس وشبكات المياه، يجعل عملية الإعمار تحديًا كبيرًا يتطلب موارد مالية ضخمة وتخطيطًا دقيقًا.
وأوضح أن الاقتصاد السوري، الذي كان يُدار وفق النهج الاشتراكي منذ سبعينيات القرن الماضي، عانى من فشل ذريع بسبب التخطيط المركزي وتدخل الدولة المفرط.
وذكر أن إجمالي الإنتاج السوري انخفض من 60 مليار دولار في عام 2010 إلى 23 مليار دولار في عام 2022، بينما تراجع نصيب الفرد من الدخل القومي من 2800 دولار إلى 1050 دولارًا في الفترة نفسها.
وفيما يلي نص المقال:
كان الاقتصاد السوري يُدار وفق النهج الاشتراكي منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث هيمن عليه التخطيط المركزي، وتدخل الدولة، والشركات العامة، مما أدى إلى نموذج اقتصادي فاشل. ورغم امتلاك سوريا لإمكانات تجارية كبيرة، إلا أنها لم تكن منفتحة على التجارة الخارجية، مما حرمها من تحقيق استفادة كبيرة في هذا المجال. ففي عام 2010، بلغ إجمالي الإنتاج 60 مليار دولار، وكان نصيب الفرد من الدخل القومي 2800 دولار. أما في عام 2022، فقد انخفض إجمالي الإنتاج إلى 23 مليار دولار، وتراجع نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 1050 دولارًا. ردَّ نظام الأسد بعنف على مطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية، مما أدى إلى تدمير بلاده بالقصف والصواريخ. أما الحكومة السورية الجديدة، فقد نجحت خلال ما يقرب من شهرين في استكمال اعترافها الإقليمي والدولي، وانتقلت الآن إلى مرحلة إعادة الإعمار.
خلال ما يقرب من 13 عامًا من الصراعات المدمرة، تسبّب نظام الأسد وحلفاؤه، إيران وروسيا، في دمار واسع للبنية التحتية والمناطق السكنية في سوريا. ولم يقتصر هذا الدمار على المدن فحسب، بل امتدّ حتى إلى القرى. اليوم، تتطلب عملية إعادة إعمار سوريا جهودًا معقدة وشاملة، إذ أن تدمير المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والصرف الصحي يجعل إعادة تأهيلها وإصلاحها تحديًا كبيرًا. وقبل كل شيء، تحتاج إزالة الأنقاض وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار إلى تخطيط دقيق وموارد مالية ضخمة. ونظرًا لأن الحكومة السورية غير قادرة على تحقيق ذلك بمفردها، فإنها ستحتاج إلى دعم خارجي يشمل المساعدات والقروض الدولية لضمان إنجاز عملية إعادة البناء.
في إطار عملية إعادة إعمار سوريا، يعدّ تنشيط الاقتصاد وتحقيق الاستقرار في البلاد أمراً ضرورياً، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بضمان وحدة أراضيها. ولتحقيق هذه الوحدة، ينبغي استعادة منطقة شرق الفرات، التي تزخر بموارد مهمة من الطاقة والمياه والأراضي الزراعية، وإخراجها من سيطرة قسد (PKK) ودمجها في الاقتصاد الوطني. هناك أربعة عوامل رئيسية تعرقل استقرار سوريا، وهي: التدخلات الإسرائيلية، ووجود قسد وبقايا نظام الأسد وخلايا إيران. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يعاود تنظيم داعش الظهور كأداة لتدخلات دولية. وكما ظهر في التفجيرات التي شهدتها منبج مؤخرًا، فإن القوى التي تسعى إلى عرقلة الاستقرار والسلام في سوريا لا تزال تشكل تهديدًا خطيرًا.
إحدى الركائز الأساسية لإعادة إعمار سوريا تكمن في استعادة قوتها الاقتصادية. على مدار 13 عامًا من الصراع، انخفضت إنتاجية البلاد ودخلها بشكل حاد، وزادت معدلات البطالة، وتدهورت قيمة العملة. إن انتعاش الاقتصاد يعتمد بشكل أساسي على إجراء إصلاحات هيكلية عميقة ومكافحة الفساد وتقديم المساعدات الخارجية والتسريع في رفع العقوبات الدولية. من الضروري تقليص تدخل الدولة في الاقتصاد، وتنشيط الصناعات الأساسية، ودعم القطاع الخاص، بالإضافة إلى خلق بيئة مشجعة لاستقطاب المستثمرين. بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، تتمتع سوريا بفرص كبيرة في مجالات الزراعة والتجارة والصناعة والسياحة. ومع اتخاذ الخطوات اللازمة، سيكون الاقتصاد السوري قادرًا على الاستمرار في النمو بشكل مستقل، تمامًا كما تواصل السيارة العمل بعد تشغيلها.
إعادة بناء سوريا ترتبط بشكل وثيق بعودة ما يقرب من 6 ملايين سوري الذين تشتتوا بسبب الحرب إلى وطنهم للمساهمة في عملية الإعمار. من المهم أن يعود النازحون إلى مناطقهم الأصلية لاستئناف الفعاليات في أراضيهم وأعمالهم. كما أن المجتمع الشبابي والطاقة البشرية التي يمتلكها السكان تمثل ميزة مهمة، حيث يمكنهم أن يقدموا مساهمة كبيرة في تعزيز الإنتاج الوطني. علاوة على ذلك، فإن الخبرات والروابط التي اكتسبوها في البلدان التي لجأوا إليها مثل تركيا، ستشكل عاملا كبيراً في عملية إعادة البناء داخل سوريا.
تُعد تلبية الاحتياجات العاجلة للأشخاص المهجرين وضمان عودتهم بشكل منتظم إلى مناطقهم إحدى القضايا الحاسمة في عملية إعادة البناء. إلى جانب توفير سكن مناسب، من الضروري إقامة مدارس لتعليم الأطفال وتوفير خدمات صحية، حيث ستساهم هذه العوامل في تسريع العودة والتحول. وقد أعلنت دول مثل قطر وتركيا والسعودية عن دعمها لعملية إعادة الإعمار. وستسهم المساعدات المالية والدعم الفني الذي تقدمه هذه الدول والمجتمع الدولي (الحكومات والمنظمات غير الحكومية) في عملية البناء والتعافي في سوريا. ورغم أن إعادة الإعمار تمثل مسارًا طويلًا وشاقا، فإن توافر الإرادة السياسية والاستقرار سيمكن السوريين من تجاوز التحديات وإعادة بناء وطنهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!