![](https://www.turkpress.co/sites/default/files/field/image/169859592.jpg)
ترك برس
قال الكاتب والخبير التركي محمد عاكف صويصال، إن الخلافات بين الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا عززت من مكانة تركيا العالمية وخاصة على الصعيد الاقتصادي والعسكري.
وأضاف صويصال، في مقال له بصحيفة "يني شفق" إنه من المتوقع أن تزداد أهمية تركيا وفعاليتها بشكل كبير في حال نشوب حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين، وهذا أمر حتمي.
وأكد أن قيام الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك بتكييف استراتيجياتهم وأعمالهم وفقًا لذلك، سيؤدي إلى تحقيق قفزات كبيرة على المدى المتوسط والبعيد.
وفي ما يلي نص المقال:
تُشير المواقف التي اتخذتها الولايات المتحدة فور تولي ترامب السلطة إلى ملامح مرحلة جديدة من الحرب الباردة. فرغم أن تصريحات ترامب وخطواته تجاه العديد من الدول قد توحي ظاهريا بأن الولايات المتحدة تواجه العديد من الدول، إلا أنها في جوهرها تشكل خطوات تمهيدية لحرب باردة محتملة ستبدأ مع الصين.
وكما ذكرنا سابقًا، فإن العداء الذي يظهره ترامب تجاه المكسيك أو كندا لا يقتصر على أسباب اقتصادية. فالدافع الرئيسي وراء هذه السياسات هو دخول مخدر الفنتانيل، ذي المنشأ الصيني، إلى الولايات المتحدة عبر هذين البلدين. (وقد أشرنا في مقالاتنا السابقة حول هذا الموضوع إلى أن الصين تسعى للانتقام لما يُعرف بـ"قرن الإذلال" الذي بدأ بحروب الأفيون. ولمن يرغب في الاطلاع على المزيد، يمكنه الرجوع إلى مقالاتنا ذات الصلة). أما العوامل الاقتصادية ومشكلة الهجرة غير الشرعية، فهي أسباب ثانوية.
ما قصة قناة بنما وما أهميتها؟
شهد الأسبوع الماضي تطورات محورية، كان أبرزها المفاوضات المتعلقة ببنما.
وتُعد قناة بنما ثاني أكبر ممر تجاري في العالم، وقد انصب تركيز العالم وسائل الإعلام العالمية على قيمتها التجارية والتكاليف التي تتحملها الولايات المتحدة في هذا الصدد.
ولكن أهمية قناة بنما بالنسبة لإدارة ترامب والولايات المتحدة تتجاوز بكثير هذه الاعتبارات.
ورغم أن قناة بنما لا تخضع لحماية الجنود الصينيين كما أشار ترامب، إلا أن إدارة مرافق الميناء تتبع لشركة صينية.
إن إدارة الميناء من قِبل شركة صينية تمنح الصين وأجهزتها الاستخباراتية نفوذًا كبيرًا، إذ يمكن أن تؤثر على عمليات الشحن عبر الميناء، أو تعطيل عمل القناة في حال وقوع أزمة محتملة.
لماذا يعدّ تشغيل الميناء أمرا بالغ الأهمية؟
من الواضح أن إدارة ترامب تأخذ في الاعتبار احتمالية أن جزءًا كبيرًا من مخدر الفنتانيل الذي يدخل الولايات المتحدة يتم تهريبه عبر السفن التي تمر عبر قناة بنما.
ولكن المسألة الأهم هي إغفال حقيقة أن الولايات المتحدة ليست مجرد دولة، بل قارة بحد ذاتها. فالولايات المتحدة هي إمبراطورية شاسعة وتطل على محيطين مختلفين.
وفي حال وقوع تهديد محتمل، فإن قناة بنما هي الطريق الوحيد لعبور القوات البحرية الأمريكية من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ .
وبحسب هذا الطرح، فإن الشركة الصينية المشرفة على الميناء قد تتسبب عمدًا في إغلاق القناة لفترة طويلة، مثلًا عبر افتعال حادث اصطدام سفينة، مما يؤدي إلى تعطيلها لعدة أشهر.
وفي حال نشوب صراع بين الولايات المتحدة والصين، فإن إغلاق القناة بهذا الشكل سيمنع واشنطن من نقل قواتها العسكرية المنتشرة في المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهادئ، أي أنها ستمنع الولايات المتحدة من استخدام قواتها ضد الصين.
إضافةً إلى ذلك، سيتم قطع الدعم اللوجستي عن القوات الأمريكية في المحيط الهادئ، إذ إن نقل القوات البرية الأمريكية المتمركزة على سواحل المحيط الأطلسي إلى الساحل الغربي عبر الطرق البرية أمر غير ممكن من حيث الوقت والموارد، ولا يمكن تحقيقه إلا عبر النقل البحري من خلال قناة بنما، لذا تبقى الوسيلة الوحيدة المتاحة هي النقل البحري عبر قناة بنما.
خلاصة القول، قناة بنما تُعدّ شريان الحياة العسكري للولايات المتحدة.
ولذلك فإن أهمية قناة بنما تتجاوز دورها التجاري، حيث تكتسب قيمة استراتيجية كبيرة في إطار سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين في المرحلة المقبلة.
وفي هذه الفترة تسعى واشنطن إلى منع تحول بنما إلى "كوبا جديدة"، ولن تتردد في اللجوء إلى القوة العسكرية إذا لزم الأمر، كما فعلت مؤخراً، فقد قامت الولايات المتحدة عام 1989، خلال رئاسة جورج بوش بالتدخل عسكريًا في بنما، وأجرت عملية "أمركة" للدولة، حيث فرضت "إجراءات ديمقراطية"، وعيّنت إدارة جديدة موالية، ثم انسحبت.
وفي ضوء هذه المعطيات والتطورات الحالية، يتضح لنا أن كل خطوة تتخذها الولايات المتحدة تصب في إطار مواجهتها المتصاعدة مع الصين.
وما نشهده اليوم ليس إلا نسخةً مكرّرة من الاستراتيجية التي انتهجتها واشنطن ضد الاتحاد السوفيتي، ولكنها موجهة الآن ضد الصين.
فكما عملت الولايات المتحدة في الماضي على إنشاء حزام أخضر في جنوب الاتحاد السوفيتي كجزء من استراتيجيتها الأمنية، فإنها تعمل الآن على تعزيز حزام مماثل في جنوب الصين يرتكز على تايوان وكوريا الجنوبية، وتعتبر عملية بنما جزءًا من هذه المساعي.
وكما أسهمت تلك السياسات في إسقاط الاتحاد السوفيتي، يبدو أن السيناريو ذاته يُعاد الآن بهدف تقويض الحزب الشيوعي الصيني.
إن جميع الإجراءات الاستراتيجية الراهنة توحي بأننا على أعتاب حرب باردة جديدة، بين واشنطن وبكين.
ما أهمية هذا المشهد بالنسبة لتركيا؟
في عالم أحادي القطب، كان من شبه المؤكد أن تركيا، مثل العديد من الدول الأخرى، في الجانب الخاسر.
ولكن وفقًا للسيناريو المحتمل الذي رسمناه، يمكننا القول إن تركيا قد تحقق مكاسب كبيرة.
وعلينا ألا ننسَ أن جمهورية الصين الشعبية، التي تحاول السيطرة على الأسواق الأوروبية والأفريقية، وهي الأسواق الرئيسية والثانوية لمنتجات تركيا، تتنافس مع تركيا في نفس الأسواق.
كما أن حدوث توترات مع الولايات المتحدة قد يؤدي إلى قيود وفراغ في التجارة يمكن أن تملأه قدرات تركيا الإنتاجية.
ومن خلال هذه الفرصة أيضًا، يمكن تعزيز القوة الإقليمية لتركيا في العالم القديم، وجعل توسعها في مجالات التأثير الاقتصادية والعسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط، مستداماً.
وكما عززت الخلافات بين الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا من مكانة تركيا، فمن المتوقع أن تزداد أهمية تركيا وفعاليتها بشكل كبير في حال نشوب حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين، وهذا أمر حتمي.
إن قيام الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك بتكييف استراتيجياتهم وأعمالهم وفقًا لذلك، سيؤدي إلى تحقيق قفزات كبيرة على المدى المتوسط والبعيد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!