ترك برس

في مقال نشرته صحيفة يني شفق، تناول الإعلامي والخبير التركي إحسان أقطاش، الوضع السياسي الحالي في تركيا، مع التركيز على حزب العدالة والتنمية الحاكم ودوره في إحداث الإصلاحات الكبرى في البلاد.

وناقش المقال التحديات التي يواجهها حزب العدالة والتنمية في الحفاظ على إنجازاته السياسية والإصلاحية في ظل المنافسة السياسية من حزب الشعب الجمهوري المعارض، وكيفية الحفاظ على هذه الإصلاحات بعيدة عن التأثيرات السلبية المحتملة في حال وصول المعارضة إلى السلطة.

كما يتطرق المقال إلى ضرورة تنفيذ المزيد من الإصلاحات القانونية والإدارية لضمان استدامة النجاح الذي تحقق حتى الآن، مع التأكيد على أهمية تغيير الهيكل الحكومي وتحقيق مجتمع يقوم على سيادة القانون لضمان استقرار تركيا ونموها المستقبلي.

وفيما يلي نص المقال:

يتجه حزب العدالة والتنمية نحو عقد مؤتمره العام، وحقيقة أن تركيا لا تملك بديلاً آخر عن حزب العدالة والتنمية تتضح جلياً عند النظر إلى الوضع الراهن لحزب الشعب الجمهوري.

ولكن هل يؤدي سوء إدارة حزب الشعب الجمهوري إلى إبعاد حزب العدالة والتنمية عن هويته الإصلاحية؟ يمكن توضيح ذلك بالمقارنة التالية: عندما تواجه فرق الأناضول الأندية الكبرى في إسطنبول، فإنها تبذل جهدًا يفوق إمكاناتها المعتادة.

لدينا خياران: إما أن نصوغ سياساتنا من خلال مقارنتها بحزب الشعب الجمهوري، أو أن نقارن حزب العدالة والتنمية بالنماذج الناجحة عالميًا باعتباره حزبًا يمثل تركيا الكبرى. غالبًا ما نفتقر إلى فرصة مقارنة المرحلة التي أدار فيها حزب العدالة والتنمية آلياته السياسية بأقصى درجات الفاعلية مع تجارب سياسية لدول أخرى، لذا سنقوم بمقارنة أدائنا الحالي بأدائنا السابق سعياً لتحقيق الأفضل.

إن من يدرك تاريخ هذا البلد على مدى القرنين الماضيين، يعي جيدًا أن ثورات الإصلاح التي أطلقها حزب العدالة والتنمية تمثل نضالًا كبيرًا ضد الإمبريالية. وها نحن مجدداً، نجد أنفسنا أمام خيارين: إما أن نغرق في ضحالة المشهد السياسي الآني، أو أن نتراجع خطوة إلى الوراء وننظر إلى العالم من منظور أوسع متبنين رؤية استراتيجية تعكس عمق القضية الكبرى، تمامًا كما نظر البريطانيون إلى العالم قبل قرنين من الزمن.

تأسس حزب العدالة والتنمية كحزب يحمل رسالة، وقاده إلى حدٍّ كبير كوادر تؤمن بهذه الرسالة. وفي أي حزب حاكم، من المشروع أن يتحرك الأعضاء والتجار السياسيون بدافع السلطة فقط، ولكن الأهم هو أن يحافظ الكادر الأساسي على تمسكه برسالته. فليحصل الناس على مناصب جيدة وإمكانات واسعة، فالسلطة بطبيعتها تخلق النفوذ والثروة، وهناك سبل مشروعة للحصول عليهما.

مؤتمر حزب العدالة والتنمية والرؤية الجديدة

مع اقتراب انعقاد مؤتمر حزب العدالة والتنمية، ينبغي للجميع أن يتوقفوا أولا لإلقاء نظرة على ثورات الإصلاحات الكبرى التي حققها الحزب. ثم على الجميع أن يدرك أن هذه الإنجازات يمكن أن تنهار في غضون ستة أشهر إذا ما وصل حزب الشعب الجمهوري إلى السلطة بدعم من القوى العالمية. لذا يجب التمسك بالقيم المكتسبة وبلورة رؤى جديدة تضمن ترسيخ هذه الإنجازات وجعلها دائمة.

لا يزال أمام حزب العدالة والتنمية مساران رئيسيان للإصلاح. الأول قد لا يبدو واضحًا للكثيرين، فعندما تولى الحزب السلطة عام 2002، ورث نظامًا فاسداً لكنه أعاد هيكلته من خلال إصلاحات جوهرية، محولًا الدولة إلى آلية إدارية تعمل بدقة متناهية. ولكن مع مرور السنوات، ومحاولات الانقلاب والتحديات المتزايدة في السياسة الخارجية، باتت هذه الآلية الفعالة على وشك الوقوع مجددا في براثن البيروقراطية.

إن الجمهورية التركية ليست دولة ذات هيكل مؤسسي متكامل تماماً. فعندما تكون السياسة قوية، تعمل البيروقراطية بكفاءة، ولكن عندما تضعف السياسة ويتوقف الإنتاج، يبدأ الموظفون في الأقاليم بالتهاون في عملهم، ويتحول العمل إلى روتين بطيء. أو كما كان الحال قبل حزب العدالة والتنمية، حيث كانت الرشوة هي الحل لكل المشاكل.

إن الادعاءات التي تم طرحها في مؤتمر حزب الشعب الجمهوري بشأن شراء المندوبين، والادعاء بأن أحد رؤساء البلديات يمكن أن يمتلك مصدرًا بقيمة مئتي مليار ليرة لتمويل السياسة، هي دليل على أن آلية الدولة لا تعمل بشكل سليم.

في الدول الأوروبية المتقدمة، يتم محاسبة الموظفين على كل قرشٍ، ويخضعون للمساءلة وفقاً لذلك.

لقد نجحت حكومات حزب العدالة والتنمية في بناء أنظمة متكاملة في مئات المجالات، وتديرها بكفاءة عالية. وقد حققت تقدمات كبيرة في مجالات الطاقة والصحة والصناعات الدفاعية والنقل. ولكن العادات القديمة على وشك التسلل إلى آلية عمل الدولة الكبيرة، ولذلك هناك حاجة ماسة إلى إجراء إصلاح كبير في الدولة.

مستقبل تركيا والإصلاحات القانونية

تركيا دولة كبيرة ذات اقتصاد قوي. وقد تناولت في مقال سابق، الأجواء الواسعة التي شيدناها خارج حدود الميثاق الوطني. وهذه الرؤية تشمل جميع القارات. لدينا دولة عظمى وقائد عالمي، وستواصل تركيا نموها وتطورها.

ولكن مع نمو تركيا المتسارع نواجه اختلافا قانونياً فيما يتعلق بعلاقة المواطن بالدولة وحقوقه الفردية. وما أقصده هنا لا يقتصر على الإصلاحات التقنية التي تقوم بها وزارة العدل.

إن إعادة تشكيل النظام الحكومي والانتقال إلى مجتمع يقوم على سيادة القانون هو أكبر إصلاح يجب على حزب العدالة والتنمية القيام به في المستقبل. إن هذه الإصلاحات سترسخ الإنجازات العظيمة التي حققها الحزب وتجعلها مستدامة.

قد يستمر البعض في التقليل من شأن السياسة ويرددون "الدولة، الدولة"، ولكن الحقيقة هي أن الدول القوية تنشأ وتنمو بفضل إدارة سياسية سليمة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!