
إبراهيم قاراغول - يني شفق
قصفت إسرائيل، ليلة أول أمس، العديد من المناطق في سوريا، بما في ذلك دمشق. لكنها لم تكتفِ بالقصف، بل وسّعت نطاق احتلالها باتجاه العاصمة السورية. فقد اتخذت خطوة جديدة لترسيخ وجودها العسكري في المناطق التي تعتبرها ضمن "مجالها الأمني"، عبر منع الجيش السوري والحكومة والشعب السوري من دخولها.
إنها عملية احتلال تدريجي لأراضي دولة أخرى، دون وجود أي مبررات قانونية أو أمنية حقيقية. لم يعد يفصل الجيش الإسرائيلي عن دمشق سوى 20 كيلومترًا فقط، مما يؤكد أن الهجمات والاعتداءات الإسرائيلية تهدف إلى فرض أمر واقع من خلال ضم الأراضي السورية تدريجيًا.
لكن هناك أمرًا أكثر وضوحًا: إسرائيل تنفذ خطوات ممنهجة تستند إلى خارطة معدّة مسبقًا، وهو ما يعطينا فكرة واضحة عما قد يحدث في المراحل المقبلة.
"احتللنا، وسنواصل الاحتلال"… هل يمتد إلى هاتاي؟
بدأت هذه الهجمات مباشرة بعد تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قال فيه: "لن نسمح لقوات النظام السوري بدخول المناطق الجنوبية". والمقصود بهذه المناطق ليس أراضي دولة أخرى، بل أراضي سوريا ذاتها! أي أن إسرائيل تفرض قيودًا على الدولة السورية داخل أراضيها، وتحاول منعها من التحرك بحرية داخل حدودها.
والآن، تتحدث إسرائيل عن "سياسة جديدة لتعطيل أي نفوذ في جنوب سوريا"، وهو ما يعني أنها تعلن صراحة: "لقد احتللنا، وسنواصل الاحتلال". لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما نطاق هذه "السياسة الجديدة"؟ هل تشمل احتلال دمشق؟ هل ستمتد حتى الحدود مع تركيا، وتحديدًا إلى ولاية هاتاي؟
"إذا اعترضتم، سأحتل دمشق أيضًا"
عندما بدأت إسرائيل باحتلال الأراضي السورية انطلاقًا من الجولان بعد التغييرات التي طرأت على النظام في دمشق، كانت تدّعي أن ذلك مجرد إجراء مؤقت. لكن الحقيقة أن هذا لم يكن إجراءً مؤقتًا، بل كان خطوة أولى ضمن مخطط دائم، تمامًا كما حدث في الأراضي الفلسطينية، وقطاع غزة، والضفة الغربية، وجنوب لبنان.
لكن الكثيرين اختاروا تجاهل هذه الحقيقة، واعتبارها مجرد تكهنات، تمامًا كما حدث في السابق. واليوم، أولئك الذين يرون هذه التحذيرات مبالغًا فيها سيجدون أنفسهم أمام واقع لا يمكن إنكاره غدًا.
الوضع حاليًا واضح: إسرائيل تمارس احتلالًا حقيقيًا، وتستولي على أراضي دولة أخرى. كما أنها ترسل تهديدات مباشرة لسوريا: "إذا اعترضتم، سأدمر جيشكم، وسأقصف عاصمتكم، بل وسأحتلها، وسأواصل احتلال المزيد من أراضيكم".
النظام السوري ضعيف، الجيش منهك، الشعب جريح ويعاني، والدولة لم تستعد بعد كامل أجهزتها ومؤسساتها. إسرائيل تدرك كل ذلك، وتستغل هذه الفجوة لمواصلة احتلالها وسرقتها للأراضي السورية.
تشعر إسرائيل بأنها قادرة على التوسع بلا حدود، وأن كل ما تضع يدها عليه سيصبح ملكًا لها، وهو ما يؤكد أن مشروع الاحتلال والسرقة سيستمر بل سيتوسع أكثر.
"جنون أكبر قادم".. هل تستهدف إسرائيل تركيا أيضًا؟
حصل نتنياهو على تفويض كامل من ترامب، وحصل على "إذن بالتوسع"، تمامًا كما تفعل الولايات المتحدة التي تسعى إلى الهيمنة على كندا، وغرينلاند، وموارد أوكرانيا، وقناة بنما. لذا، لا يمكن توقع أن يتوقف نتنياهو، فهو سيستغل هذا الضوء الأخضر حتى أقصى الحدود.
ومن هنا، علينا أن ندرك أن إسرائيل، التي تحظى بالدعم السياسي والعسكري الأمريكي، قد تبدأ قريبًا بمغامرات أكثر تهورًا في المحور الممتد بين سوريا، ومصر، والأردن. بل يمكننا أن نتوقع أنها تملك خططًا جاهزة لاستهداف مناطق حساسة في تركيا أيضًا.
أنا على يقين من أنه، في وقت ما، ستوجه إسرائيل ضربات ضد الوحدات العسكرية التركية في سوريا، وستسعى لاستهداف خليج إسكندرون، وستحاول استهداف أي قوات يتم إرسالها لدعم سوريا. بل إنها قد تنفذ عمليات عسكرية في المياه الفاصلة بين شمال قبرص وسوريا، وقد تتخذ خطوات لعرقلة جهود تركيا في التنقيب عن الطاقة في شرق المتوسط، من خلال وسائل ملتوية.
هناك مخطط خرائطي قيد التنفيذ، تمتد حدوده من سيناء إلى خليج إسكندرون
أنا على يقين تام من أن الوجود التركي في العراق سيُستهدف من خلال قباد طالباني و"تنظيم بي كي كي الإرهابي"، كما أن الوجود التركي في سوريا سيُهاجم عبر "تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي". وفي هذا السياق، أود تسليط الضوء على الاجتماع الذي عقدته بعثة "حزب DEM" مع قباد طالباني، والذي ظاهريًا بدا وكأنه لقاء يهدف إلى تحقيق السلام ويرتبط بتصريحات منتظرة لعبد الله أوجلان، إلا أنه في جوهره كان اجتماعًا تنسيقيًا لمناقشة "كيف يمكننا استهداف تركيا أكثر"، وكان بلا شك مرتبطًا بإسرائيل.
بعد الإبادة الجماعية في غزة وتعهد ترامب بإعطاء غزة والضفة الغربية لإسرائيل، وبعد محاولات تحييد نفوذ حزب الله في جنوب لبنان، وجهت إسرائيل كامل طاقتها نحو الأراضي السورية. لكن الأمر لا يقتصر فقط على الاحتلال المباشر، بل يتطلب التفكير في التهديدات بعيدة المدى. هناك مخطط خرائطي يُرسم في المنطقة. تمتد حدود هذا المخطط من سيناء شرقًا إلى شرق الفرات، ومن لبنان إلى البحر الأحمر، ومن خليج إسكندرون إلى شمال العراق.
إسرائيل تستغل نقاط ضعفنا، وإلا فلن تُحسم معركة الداخل في تركيا
ما الذي يمكن أن تفعله تركيا؟ ماذا سيكون موقف النظام السوري؟ كيف ستتصرف الجماعات الكردية؟ ما طبيعة التحالفات والعداوات التي قد تظهر؟ كيف ستتغير ديناميكيات المنطقة الداخلية؟ هذه أسئلة معقدة تتطلب وقتًا للإجابة عنها.
لكن الأهداف الإسرائيلية واضحة، فهي تسعى لفرض واقع جديد عبر هذا المخطط، مستغلة جميع نقاط الضعف الجغرافية والسياسية والاجتماعية في المنطقة، وتستفيد من كل الإهمالات والترددات والقرارات غير المدروسة.
القوة الحقيقية لإسرائيل ليست في جيشها أو الدعم الأمريكي فقط، بل في استغلال هذه الثغرات. بدون استعادة وحدة الأراضي السورية، لا يمكن الحفاظ على وحدة تركيا. وبدون إنهاء الجبهة السورية، لن يكون هناك استقرار في تركيا. وبدون استقرار سوريا، لن يتم احتواء التهديدات الداخلية التي تواجهها تركيا.
ما لم يتم التصدي للاحتلال والتقسيم الجاري في سوريا، لن تتوقف المحاولات الرامية إلى استهداف تركيا من الداخل. لقد مررنا بتجارب مؤلمة في هذا السياق، وعانينا من عواقب وخيمة. فهل نحن مستعدون لخوض التجربة نفسها مجددًا؟
سوريا محاصرة من جهتين، ولا يمكن وقف إسرائيل بهذه الطريقة
نعلم جميعًا أن هناك هدفًا مشتركًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا، وهو "إيقاف تركيا". ورغم أنهم لم يتمكنوا من تحقيق ذلك حتى الآن، إلا أنهم لم يتخلوا عن هذا الحلم.
يعرفون تمامًا، مثلما نعرف نحن، أن نهضة تركيا بعد سقوط الدولة العثمانية ستعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، ولهذا يخوضون معركة مستمرة لمنع ذلك.
إحدى الركائز الأساسية لهذه الاستراتيجية تتمثل في "خارطة الاحتلال الإسرائيلية" في سوريا. فبدون إعادة دمج شرق الفرات في سوريا، وبدون القضاء على التهديدات الموجودة هناك لكل من سوريا وتركيا، لن تتوقف عمليات التوسع الإسرائيلي.
طالما لم يُحلّ هذا الملف، ستظل سوريا عاجزة عن التصدي للهجمات الإسرائيلية، ولن تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها، وسيستمر حصارها من الشمال الشرقي والجنوب الغربي.
داعش و"تنظيم بي كي كي الإرهابي" تهديدات خارجية تديرها نفس الجهات
الاثنان يفتحان الطريق أمام الاحتلال الإسرائيلي
الاحتلال الإسرائيلي ووجود "تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي" في سوريا يمثلان في الواقع جبهة واحدة. فإسرائيل تتيح لهذا التنظيم حرية الحركة في شرق الفرات، في حين أن وجود "بي كي كي" يساعد في تمهيد الطريق أمام الاحتلال الإسرائيلي.
إنها علاقة تكاملية. وبذلك، يصبح "تنظيم بي كي كي الإرهابي" أداة إسرائيلية تُستخدم ضد كل دول المنطقة، مما يعزز نفوذ الاحتلال الإسرائيلي ويفتح الأبواب أمام توسعه.
الهوية السياسية لكل من "تنظيم بي كي كي الإرهابي" و"حزب DEM" لا تمثل سوى أجندة خارجية مفروضة على المنطقة، فهي ليست جزءًا من النسيج الاجتماعي أو الجغرافي للمنطقة، بل تؤدي دورًا مباشرًا في تسهيل الاحتلال والانقسامات والصراعات الداخلية، مما يتيح لإسرائيل والقوى الخارجية الأخرى تعزيز نفوذها.
وبهذا، فإن المهمة التي يؤديها هذا التنظيم لا تختلف إطلاقًا عن الدور الذي أُنيط بتنظيم داعش. كلاهما أُنشئ ورُعِيَ من قبل نفس الجهات، وكلاهما يخدم أهدافًا متطابقة.
جميع هذه التنظيمات تم إعدادها وتوسيعها واستغلالها من قبل إسرائيل والقوى الغربية لتنفيذ أجنداتها في المنطقة. وبهذا، فإن تنظيم داعش لا علاقة له بالإسلام، تمامًا كما أن "تنظيم بي كي كي الإرهابي" لا يمتّ بأي صلة حقيقية إلى الهوية الكردية.
وجود "تنظيم بي كي كي الإرهابي" في سوريا اليوم، وتحالفه مع إسرائيل، لا علاقة له بالأكراد، بل هو جزء من مخطط خارجي أكبر لفرض الهيمنة والتدخلات والاحتلالات. وتحول هذا التنظيم إلى تهديد خارجي مباشر يستهدف تركيا أكثر من سوريا.
تم تفويت الفرصة، وكل تأجيل سيجعل الوضع كارثيًا
التفاؤل في هذه المنطقة يعني الموت!
عندما كان النظام السوري ينهار، وعندما كانت دمشق في حالة ضعف شديد، كانت هناك فرصة تاريخية لحل قضية شرق الفرات بشكل كامل. لو تم استغلال هذه اللحظة، لما تمكنت إسرائيل اليوم من فرض خارطة احتلالها داخل سوريا.
لكن من عرقل هذا التدخل، ومن حال دون اتخاذ خطوة حاسمة في ذلك الوقت، هل كان يدرك أن ذلك سيمهد الطريق أمام تنفيذ المخططات الإسرائيلية طويلة الأمد؟ على الأقل الآن، هل يدركون إلى أي مدى يمكن أن تصل الأمور؟
في منطقتنا، لا يمكن التعامل مع التهديدات بحسن نية. فكل مبادرة يتم الترويج لها باعتبارها "ودية" أو "متسامحة"، ستتحول في المستقبل إلى خطر مميت.
التأجيل، والإهمال، والترويج لمشاريع ظاهرها بريء ولكنها تحمل أجندات خفية، كلها أدوات لتدمير مستقبل المنطقة.
التاريخ لا يُصنع بالتردد أو التأجيل، بل يُكتب من خلال اتخاذ التدابير في الوقت المناسب والتدخلات الحاسمة. وهذا ما يثبته الماضي، إذ أن كثيرًا من الأخطاء الصغيرة قادت إلى انهيار دول عظمى. وخاصة في منطقتنا، حيث التهاون قد يكون مدمرًا.
يجب إيقاف إسرائيل عند الحدود التركية وفي الجولان
لم يفت الأوان بعد. يجب أولًا إيقاف إسرائيل عند الحدود التركية، كما يجب الدفاع عن سوريا عند هذه الحدود قبل أي مكان آخر. في المقابل، على تركيا أن تتخذ موقفًا دفاعيًا في الجولان وجنوب لبنان. إذا لم يتم ذلك، وإذا لم يتم تعزيز الدفاع عن سوريا، فقد يؤدي الحصار المزدوج المفروض عليها إلى إغراقها مجددًا في الحروب، وربما يؤدي إلى اندلاع صراع جديد في سوريا.
لا يوجد أي طرف قادر على الدفاع عن دمشق سوى تركيا. يجب أن يكون واضحًا أنه لا يمكن ضمان وحدة الأراضي السورية أو وقف الاحتلال الإسرائيلي بالاعتماد على الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا، أو عبر إقامة علاقات لينة مع "تنظيم بي كي كي الإرهابي". إن لم يُدرك ذلك اليوم، فسيتم تعلمه لاحقًا بطريقة مؤلمة.
بيئة مترددة وأجندة خفية تدور في الأفق
هناك جهات في تركيا وسوريا تتعامل مع هذه القضية بنوع من التردد والمراوغة. تبدو وكأنها تروج لأجندة خفية أكثر تعقيدًا ودهاءً. لكن ينبغي ألا ينسوا أن أهدافهم قد لا تتحقق، وأن الذين يسعون إلى فرض مشاريعهم على حساب تدمير تركيا والمنطقة بأسرها سيجدون أنفسهم في صفحات التاريخ الخاطئة.
يجب إيقاف الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية بأي ثمن. كل خطوة تحد من تحركات إسرائيل في غزة، والضفة الغربية، وسوريا، ولبنان، هي مشروعة وتمثل مسؤولية كبيرة. إن لم يتم اتخاذ هذه الخطوات، فسوف نشهد قريبًا خرائط توسعية مماثلة في سيناء، والأردن، والسعودية، والبحر الأحمر، والبحر المتوسط.
إسرائيل ستحتل دمشق عاجلًا أم آجلًا.. لا مجال للتهاون
لم يعد هناك ما يُعرف بـ"المجتمع الدولي". لم يعد هناك شيء يمكن أن يوقف إسرائيل سوى القوة المباشرة، وضربها في الداخل، ومواجهتها بشكل صريح.
الدبلوماسية، والمراوغات السياسية، والخطابات المزخرفة لن يكون لها أي تأثير. نحن الآن في زمن لا يؤتي فيه شيء ثماره سوى القوة.
إن استهداف حلفائها هو استهداف لإسرائيل. التمركز على حدودها هو استهداف لإسرائيل. العمل المشترك ضدها هو استهداف لإسرائيل. ممارسة الضغوط على الإسرائيليين وحلفائهم داخل الدول المختلفة هو السبيل الوحيد لردعها.
إذا لم يتغير الوضع الحالي بسرعة، فستصل إسرائيل إلى دمشق، عاجلًا أم آجلًا. حتى لو لم تحتلها بالكامل، فستحوّلها إلى غزة جديدة أو إلى نسخة أخرى من الضفة الغربية. القرارات التي ستحدد مستقبل السنوات المقبلة يجب أن تُتخذ اليوم. في هذه العاصفة، من يتأخر يخسر كل شيء.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس