ترك برس

تناول تقرير تحليلي للكاتب والإعلامي التركي إحسان أقطاي، السياسة الإيرانية الخارجية ونهجها في التعامل مع الدول المجاورة، مسلطا الضوء على استراتيجيتها القائمة على خلق الفوضى كوسيلة للحفاظ على نفوذها الإقليمي.

ويقارن التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق بين توجهات إيران وتركيا، موضحًا كيف تسعى الأولى إلى زعزعة الاستقرار بينما تركز الثانية على دعم استقرار الدول المجاورة باعتباره ضمانًا لأمنها.

يناقش التقرير أيضًا تأثير العقوبات الأمريكية والصدام مع إسرائيل على نفوذ إيران، بالإضافة إلى دورها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

ويطرح في النهاية تساؤلًا حول مستقبل السياسة الإيرانية، وما إذا كانت ستستمر في استراتيجيتها التدميرية أم ستتجه نحو الاستقرار.

وفيما يلي نص التقرير:

دائمًا ما يُظهر المسؤولون الإيرانيون حساسية مفرطة تجاه ما يُكتب ويُقال عنهم في تركيا. ويعود سبب هذه الحساسية إلى أن إيران، التي تمتلك تقاليد دبلوماسية راسخة، تتصرف بعقلانية شديدة في ممارساتها، بل وتتجاوز العقلانية في كثير من الأحيان إلى تبني مواقف انتهازية للغاية. ولكنهم لا يزالون يحاولون تقييم علاقتهم بالمثقفين الأتراك من منظور الثورة، رغم أن الكثير قد تغير منذ ذلك الحين.

بعد الثورة الإيرانية، اتبعت إيران سياسة تهدف إلى تصدير الثورة إلى دول أخرى. وكانت الخطابات التي طرحها الخميني تجد صدى في المجتمعات المسلمة التي تعرضت للهزائم على يد الغرب طوال العصور. ونشأ في جميع الدول الإسلامية مؤيدون ومعارضون لهذه الحركة.

لكن كل شيء يعود إلى أصله في النهاية. فجمهورية إيران الإسلامية التي نواجهها اليوم هي دولة قومية فارسية صارمة، تعتمد نموذج الدولة القومية المتشددة. ولا تكترث لمصالح العالم أو سياسته، بل تتبنى سياسة خارجية أكثر انتهازية من أكثر الدول القومية تطرفًا.

وتلعب إيران دورًا مهيمنًا في الدين والسياسة، لكن هذه الهيمنة لا تنعكس على الساحة السياسية كمنهج عالمي للإسلام، بل كسياسة طائفية شيعية.

وفي السنوات التي سعى فيها أوباما إلى دمج إيران في النظام العالمي، حاولت إيران استغلال هذه الفرصة لإنشاء إمبراطورية شيعية. أما العقوبات التي فرضها ترامب، والصدام مع إسرائيل فقد أدت إلى اختبار قدرة إيران على تحمل الضغوط، مما تسبب في خسارة نفوذ غير عادية بالنسبة لإيران. والسؤال المطروح هو: هل يمكن استعادة النفوذ المفقود؟ سننتظر ونرى.

وعندما غزت الولايات المتحدة العراق وأفغانستان، دمرت دولتين من ألد أعداء إيران. وقد احتلت الولايات المتحدة العراق، بينما حولت إيران الفوضى في العراق إلى نموذج مستدام، فطورت وطبقت جميع التكتيكات الممكنة لمنع العراق من تأسيس دولة وطنية مستقرة.

وتُشكّل سياسة إيران تجاه العراق المحور الرئيسي في سياستها الخارجية. ووفقًا لرؤيتها، إذا كانت الدول المجاورة تعيش حالة فوضى وعدم استقرار، فلن تصل هذه الفوضى إلى الأراضي الإيرانية، مما يضمن الحفاظ على أمنها واستقرارها الداخلي.

وعندما اندلعت الثورة الشعبية في سوريا في الأيام الأولى للربيع العربي، نقلت إيران سياسة الفوضى التي انتهجتها في العراق إلى سوريا. فقد تباطأ زخم الربيع العربي في سوريا، وكشفت صور الحرب الأهلية والفوضى عن حقيقة الربيع العربي. ومع مرور الوقت، تحولت الثورة في مصر وتونس إلى ثورة مضادة، وأصبح اليمن دولة عاجزة عن مواجهة حربها الأهلية، مما أبرز الأزمات الكبرى التي سببها الربيع العربي.

وواصلت إيران تطبيق سياسة نشر الفوضى التي ابتدعتها من خلال ميليشياتها العسكرية ومستشاريها، في العراق وسوريا واليمن، وكذلك في لبنان، حيث حافظت على وجودها هناك بشكل أعمق.

إيران وتركيا هما قوتان إقليميتان بارزتان. قبل عشر سنوات كانت إيران تحتل موقعًا متفوقًا نسبيًا مقارنة بتركيا، ولكن اليوم تفوقت تركيا بشكل واضح على جميع الدول المجاورة كقوة إقليمية بامتياز. وبفضل القيادة الحكيمة للرئيس أردوغان بدأت إنجازات تركيا الدبلوماسية كدولة إقليمية في إحداث تأثير عالمي.

وتنتهج تركيا سياسة معاكسة تمامًا لإيران، حيث ترى أن استقرار الدول المجاورة يعني استقرار تركيا نفسها. وفي هذا السياق، تسعى تركيا لتطوير سياسات تهدف إلى استقرار العراق وسوريا ولبنان، وكذلك دول أخرى في مناطق مختلفة من العالم. وبطبيعة الحال، فإن تركيا باعتبارها وريثة إمبراطورية عريقة ودولة تعتمد على التجارة في نموها، لا بد أن تستفيد من الاستقرار في كل الأحوال.

وكانت روسيا وإيران ونظام الأسد ممثلين شرعيين لسوريا. ولكن بسبب السياسات الطائفية الإيرانية والهادفة إلى إحداث الفوضى، تصرفوا مع الشعب السوري كغزاة ومحتلين، مما أفقدهم شرعيتهم.

وبعد نجاح الثورة الشعبية في سوريا، كان من المتوقع أن تقوم إيران بإعادة تقييم سياستها وتعيد النظر في نظريتها القائمة على خلق الفوضى كاستراتيجية للبقاء. ولكن بدلاً من ذلك، واصلت البحث عن تعزيز نفوذها في سوريا من خلال الطائفية. والمنطقة التي تسعى إيران لإثارة الفوضى فيها هي بالضبط المنطقة التي تعتبرها إسرائيل سهلة الاختراق ولقمة سائغة.

إن الهدم وخلق الفوضى أمران سهلان، ولكن بناء النظام صعب. وها هي الدول الغربية لم تعد قادرة على إرساء النظام، ولكن إذا نظرنا إلى النموذج الإسرائيلي، نجد أن التدمير الغربي ما زال مستمرًا. هناك خياران أمام إيران: إما الاستمرار في سياساتها التدميرية، أو السعي نحو الاستقرار. والخيار الثاني هو الأكثر عدلاً وإنصافًا. ولكن القيادة الإيرانية العليا، التي تثق بعقليتها الخاصة ثقة عمياء، لن تهتم للتفكير بهذه الطريقة. فلننتظر ونرَما يخبئه القدر.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!