ترك برس

تناول مقال للكاتب والأكاديمي التركي أحمد أويصال، ملامح المرحلة الانتقالية في سوريا بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، مركّزًا على التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجه البلاد.

يسلط الكاتب - في مقاله بصحيفة الشرق القطرية - الضوء على رؤية النظام الرئاسي الجديد والإعلان الدستوري لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات، وعلى تشكيل حكومة تكنوقراطية قائمة على الكفاءة بعيدًا عن المحاصصة، في ظل تفاؤل شعبي وترحيب دولي.

كما يناقش التحديات الأمنية مثل الهجمات الإسرائيلية، وبقاء قوات سوريا الديمقراطية، ومحاولات أطراف خارجية زعزعة الاستقرار، إلى جانب أهمية ملف اللاجئين والدبلوماسية السورية الجديدة.

ويرى أن نجاح الحكومة يعتمد على تحقيق الأمن، وتحفيز التنمية، وإعادة الإعمار، واستعادة وحدة الدولة السورية. وفيما يلي نص المقال:

الهدم أسهل من البناء، وبما أن القوى الهدّامة لم تتخلَّ عن أنشطتها، فإن سوريا الجديدة بحاجة إلى دعم أكبر من الخارج والداخل. تلقت هذه الحكومة بالترحيب الدولي والإقليمي وهي الأولى في تطبيق النموذج الجديد للنظام الرئاسي. مع دخول الإدارة السورية الجديدة شهرها الرابع، وبعد إعلان الحكومة المؤقتة، ظهرت الرؤية لمستقبل سوريا من خلال الإعلان الدستوري. بعد فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، تبين أنه سيكون هناك نظام رئاسي، وسيتم إجراء انتخابات ديمقراطية وسيكون شاملاً وتشاركياً. وخلال عيد الفطر، ظهر الرئيس أحمد الشرع أمام السوريين والرأي العام العالمي بفريق سيتحمل المسؤولية من خلال تشكيل كادر حكومي جديد، الحكومة الجديدة تمزج بين الأوجه الجديدة والقديمة من العهد السابق ذوي الخبرة وحتى لأسباب مالية، بقي عدد الوزراء محدودا.

*ستكون الحكومة قوية وناجحة لأنها شكلت على أساس الكفاءات، بعيداً عن المحاصصة، والمناطقية والدين والمذهب، ويبدو أن السوريين الذين احتفلوا بأول عيد فطر بحرية قد استقبلوا الحكومة الجديدة بتفاؤل، من الضروري منح كل فريق جديد فرصة للعمل وإثبات جدارته، ولكن تكثر التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة مثل ضمان الأمن والاستقرار وتحسين الوضع الإنساني وإعادة إعمار البلاد وإعادة النازحين السوريين إلى وطنهم والتنمية الاقتصادية. ونظرًا لأن التنمية والاستقرار لا يمكن تحقيقهما دون أمن، فإن من الضروري بشكل عاجل تسليم جميع الأسلحة التي بحوزة أنصار الأسد وقوات سوريا الديمقراطية إلى الدولة.

* خلال الأشهر الأربعة الأولى، أدركنا أن تحقيق الأمن في سوريا ليس بالأمر السهل، إذ إن الغارات الجوية الإسرائيلية لا تزال مستمرة من جهة، ومن جهة أخرى يسعى أنصار النظام السابق إلى العودة وإشعال الفتنة الطائفية، ورغم أن الطائفة العلوية، التي كان النظام السابق يستند إليها، قد ترغب في العيش والتعايش بسلام، فإن إيران وروسيا (بل وحتى إسرائيل) تسعى لاستخدامها كورقة ضغط. وفي المقابل، تحاول إسرائيل الظهور كحامية للدروز بهدف فصلهم عن سوريا. ومن ناحية أخرى، لا تزال قوات سوريا الديمقراطية الموالية لحزب العمال الكردستاني تسيطر على ثلث البلاد وأهم موارده، لكنها تبدو مترددة في إلقاء السلاح والاندماج في النظام الجديد. وبينما تقدم تركيا وقطر دعمًا في هذا الصدد، ليس من المستغرب أن تعمل بعض الدول الأخرى في الاتجاه المعاكس.

* إن عدم تحقيق الأمن بشكل كامل أو حتى انتشار شعور بعدم الاستقرار سيؤدي إلى عرقلة عودة السوريين إلى وطنهم، كما سيحدّ من تدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى البلاد. وقد تمكنت الحكومة الجديدة من إحكام السيطرة على التمرد في غرب سوريا، فيما يتمتع وزير الداخلية الجديد، أنس خطاب، ووزير الدفاع، مرهف أحمد أبو قصرة، بخبرة ميدانية تمتد لأكثر من 12 عامًا، مع تركيزهما على ترسيخ العمل المؤسسي، ويبقى التحدي الأبرز هو مدى قدرة الإدارة الأمنية السورية على التصدي للهجمات الإسرائيلية، وإقناع قوات سوريا الديمقراطية بالتخلي عن مشروع الانفصال أو إنشاء كيان موازٍ للدولة.

* نظرًا لوجود اهتمام وتدخل العديد من الفاعلين الخارجيين في قضايا مثل اللاجئين، المساعدات الخارجية، العقوبات، ومساعدة الدول المجاورة، فإن وزير الخارجية في سوريا يعد شخصًا ذا أهمية كبيرة، هناك العديد من المواضيع المتعلقة بالتفاوض، والإقناع، والتعاون. شخصيًا، أعتقد أن أداء وزير الخارجية، أسعد حسن الشيباني، كان جيدًا وأراه مناسبًا للاستمرار في منصبه. من مهامه أيضًا متابعة أوضاع اللاجئين السوريين في جميع أنحاء العالم، ستظل قضية اللاجئين السوريين على أجندة العديد من الدول المجاورة، ويمكن أن تؤثر أيضًا على العلاقات الخارجية لسوريا.

* تزداد فرص نجاح الحكومة باختيار الوزراء في المجالات الاقتصادية (المالية، الاقتصاد والصناعة، التنمية، الزراعة، السياحة، والطاقة) من بين الخبراء والكفاءات المتخصصة، وذلك ضمن إطار حكومة تكنوقراطية تهدف إلى انتشال البلاد من الانهيار الاقتصادي وإعادة بنائها. من الضروري معالجة مشكلات نقص الغذاء والبنزين وتقليل انقطاع الكهرباء.

كما أن تعيين امرأة في منصب وزيرة يعد أمرًا إيجابيا ويحظى باهتمام المجتمع الدولي. وكان من المهم ولا يزال أن تُعامل وزارتا الإعلام والثقافة بشكل منفصل عن الوزارات الأخرى مثل الشؤون الدينية، الصحة، التعليم، الشباب والثقافة، لضمان تقديم صورة دقيقة ومتكاملة وواعدة عن سوريا على الصعيدين الداخلي والخارجي. ورغم أن سوريا لا تزال أمامها تحديات كبيرة، فإن إرادة الشعب السوري وجهوده قادرة على تحقيق ما يبدو مستحيلًا

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!