
ترك برس
تناول مقال للكاتب والخبير التركي عبدالله مراد أوغلو، السياسات المتناقضة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة فيما يتعلق بشعاره "أمريكا أولًا" وواقع التدخلات الخارجية.
المقال الذي نشرته صحيفة يني شفق، يسلط الضوء على استخدام ترامب القوة العسكرية في ملفات لا تخدم المصالح الوطنية الأمريكية، مثل الهجمات على اليمن ودعم إسرائيل في حربها على غزة.
ويركّز الكاتب على التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لهذه السياسات، من ارتفاع الرسوم الجمركية إلى الإنفاق الضخم على القواعد العسكرية والمساعدات الخارجية، منتقدًا استغلال ترامب لخطاب الشعبوية.
ويرى مراد أوغلو أن ترامب يُسخّر السياسة الأمريكية لخدمة أجندات إسرائيلية، مما يضع أمريكا في مسار حروب جديدة تتناقض مع وعوده الانتخابية. وفيما يلي نص المقال:
وصل دونالد ترامب إلى الحكم بشعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" (MAGA)، غير أن العلاقة بين أقواله وأفعاله تسير على خيط رفيع للغاية. والسؤال الذي يُطرح اليوم هو: هل سيجعل ترامب أمريكا عظيمة "لكل الأمريكيين"، أم "لفئة معينة من الأمريكيين" فقط؟
ومن المؤكد أن الرسوم الجمركية العالية التي فرضها ترامب وأثارت زلزالًا عالميًا ستجعل الحياة اليومية للأمريكيين العاديين أكثر صعوبة. ومع ذلك، يبدو أن ترامب لا يمتلك خطة لزيادة دخل المواطنين العاديين بما يكفي لتعويض ارتفاع تكاليف المعيشة. في المقابل، تأمل الشركات الكبرى في استمرار التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب خلال ولايته الأولى بل وزيادتها.
وقد تتحول انتخابات التجديد النصفي في عام 2026 إلى استفتاء على سياسات ترامب في الحرب التجارية والرسوم الجمركية الإضافية.
أما استمرار ترامب في استخدام القوة العسكرية الأمريكية في قضايا لا ترتبط بالمصالح الأمنية الوطنية، فهو يتناقض تمامًا مع شعار "أمريكا أولًا" الذي يرفعه. فمن جهة، يقصف الحوثيين في اليمن، ومن جهة أخرى، يفتح المجال أمام مجازر بحق الفلسطينيين. علمًا أن لا الحوثيين ولا الفلسطينيين يشكلون تهديدًا على الولايات المتحدة.
وفي فضيحة رسائل "سيغنال" المسربة، أشار نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس إلى أن الهجمات على الحوثيين لن تخدم سوى المصالح الأوروبية. غير أن الحقيقة التي لم يُصرح بها علنًا، هي أن هذه الهجمات تخدم بالدرجة الأولى مصالح إسرائيل.
فالحوثيون كانوا قد أعلنوا أنهم يستهدفون السفن التي تحمل إمدادات إلى إسرائيل، التي ترتكب إبادة جماعية في غزة، كما أوقفوا هجماتهم بمجرد إعلان وقف إطلاق النار. ومع ذلك، تغاضت الولايات المتحدة عن خرق إسرائيل للهدنة. وتمامًا كما يفعل بايدن، يقف ترامب بكل إمكاناته خلف إسرائيل، مهما ارتكبت من أفعال. وهكذا، تسخّر إدارة ترامب أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لخدمة المصالح الإسرائيلية.
تقدم الولايات المتحدة ما يقارب 4 مليارات دولار سنويًا كمساعدات عسكرية لإسرائيل، وتحتفظ بنحو 40 إلى 50 ألف جندي موزعين على حوالي 50 قاعدة عسكرية في المنطقة. وفي الوقت نفسه، يبلغ العجز في الموازنة الأمريكية حاليًا نحو تريليوني دولار، بينما وصل الدين الوطني إلى 37 تريليون دولار. أما نفقات الاستخبارات والأمن والدفاع فتقترب من تريليون دولار، وربما أكثر.
ورغم تعهد ترامب للناخبين الأمريكيين بإنهاء الحروب، إلا أنه يُقاد الآن خلف بنيامين نتنياهو، فاتحًا الأبواب أمام حروب جديدة في المنطقة.
ففي بداية هذا الشهر، وجّه السيناتور الجمهوري راند بول والسيناتور الديمقراطي جيف ميركلي رسالة مشتركة إلى ترامب، حذرا فيها من أن الهجمات الجوية على اليمن قد تشعل حربًا جديدة. وأكدا أن الحوثيين لم ينفذوا أي عمل عسكري أثناء سريان وقف إطلاق النار في غزة، قائلين:
"ينبغي أن تكون الأعمال العسكرية الأمريكية مدعومة باستراتيجية واضحة تتماشى مع مصالح الأمن القومي طويلة المدى للولايات المتحدة وقوانين النزاعات المسلحة. ويجب إطلاع الكونغرس على تفاصيل الهجمات الأخيرة ضد الحوثيين والتكاليف الإجمالية لهذه الحملة التي سيتحملها دافعو الضرائب الأمريكيون." وشددا على أن صلاحية إعلان الحرب تعود إلى "الكونغرس الأمريكي"، منتقدين شن الهجمات دون الحصول على موافقة الكونغرس، ومحذرين من تورط أمريكا في حرب جديدة مكلفة وغير ضرورية.
يُعرف راند بول بموقفه الثابت داخل الحزب الجمهوري بمعارضته للتدخلات العسكرية الأمريكية الخارجية. ففي مقابلة أُجريت معه في ديسمبر 2024، دعا بول إلى سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا في اليوم الأول من ولاية ترامب الرئاسية، مشيرًا إلى أن الوجود العسكري الأمريكي هناك مجرد فخ لإدخال الولايات المتحدة في حرب.
يحذر بول من أن "المحافظون الجدد الذين غيروا زيهم" يسعون لجر ترامب إلى صراع جديد في الشرق الأوسط، بهدف استمرار سلسلة "الحروب اللانهائية".
ويزعم ترامب أنه رفع الرسوم الجمركية بحجة أن أمريكا تغرق في الوحل الاقتصادي. إلا أن أسباب الغرق لا تقتصر على السياسات التجارية فقط. فالحروب التي لا نهاية لها، والأموال الطائلة التي تُنفق لدعم تغوّل إسرائيل، وانتشار ما يقارب 750 قاعدة عسكرية أمريكية في أنحاء العالم، كلها عوامل ساهمت في تفاقم "مستنقع أمريكا".
وإذا كان ترامب يريد فعلًا إنقاذ بلاده من الغرق، فعليه أولًا أن يُخرجها من "مستنقع إسرائيل". وإلا، فإن شعارات "أمريكا أولًا" و"MAGA" لن تكون سوى خطابات فارغة أو مجرد خداع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!