
إسلام الغمري - خاص ترك برس
ليست كشمير مجرّد نزاع حدودي طويل الأمد بين الهند وباكستان، بل هي مرآةٌ مكشوفةٌ لصراعٍ جيوسياسي أعقد، تتحرك فيه الخيوط من خلف الستار، وتُعاد من خلاله صياغة توازنات القوى في جنوب آسيا.
منذ التقسيم الدامي لشبه القارة الهندية عام 1947، وكشمير تمثّل الجبهة الأكثر سخونة في العلاقة المتوترة بين البلدين النوويين. لكن، ومع تحولات النظام الدولي، برزت كشمير بوصفها أداة ضغطٍ استراتيجية، لا فقط ساحة اشتباك محلي. تحوّلت إلى ما يشبه “الزرّ الأحمر” الذي يمكن الضغط عليه متى اقتضت الحاجة إلى تحجيم باكستان، أو فرملة أيّ مشروع إسلامي ناشئ في المنطقة.
باكستان: دولة نووية في مرمى النيران
رغم ما تعانيه باكستان داخليًّا من أزمات اقتصادية وتحديات أمنية، فإنها ما تزال تحتفظ بعناصر تفوّق مقلقة لأعدائها:
• امتلاكها سلاحًا نوويًّا يجعل منها الدولة الإسلامية الوحيدة القادرة على الردع الاستراتيجي.
• موقعها الجيوسياسي، كحلقة وصل بين الصين وآسيا الوسطى والعالم الإسلامي.
• قاعدتها الشعبية التي ما زالت ترى في الأمة الإسلامية كيانًا حيًّا يجب أن يعود للمشهد الدولي.
هذه المعطيات تجعل من باكستان دولة لا يُراد لها أن تستقر. بل يُراد لها أن تبقى دومًا في حالة استنزاف، يتم تغذيتها بصراعات حدودية، أو تفجيرات داخلية، أو ضغوط دولية على برامجها الدفاعية.
الهند: من شريك إقليمي إلى وكيل جيوسياسي
الهند، خاصةً في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي، باتت تتحرك بوضوح ضمن استراتيجية “الاحتواء المزدوج”:
• تطويق باكستان من جهة،
• ومحاصرة الصين من جهة أخرى،
وذلك عبر تحالفات مثل “كواد” التي تضمّ الولايات المتحدة وأستراليا واليابان.
الهند لم تعُد تكتفي بالصراع الكشميري، بل أصبحت تتصرف بوصفها الحاجز الحضاري المتقدم أمام أي امتداد إسلامي أو صيني في المنطقة. وقد تلقّت دعمًا نوعيًّا من واشنطن وتل أبيب، سياسيًّا وعسكريًّا واستخباراتيًّا.
كشمير… الأرض المحروقة في لعبة النفوذ
التحول الأخطر حدث في أغسطس 2019، حين ألغت الهند المادة 370 من الدستور، والتي كانت تمنح كشمير وضعًا خاصًّا، وأخضعتها للحكم المركزي. هذه الخطوة كانت إيذانًا بتحوّل كشمير إلى منطقة مفتوحة أمام سياسات التهجير الديمغرافي، والتغيير الثقافي، والإحلال القسري.
ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف الانتهاكات. اعتقالات جماعية، قمع إعلامي، عسكرة شاملة، وفرض حالة طوارئ دائمة. وفي المقابل، باكستان محاصَرة بصمت، محروقة بالأزمات، ومطوَّقة بالتقارير والتهم والإملاءات.
تحالف الهند وإسرائيل: تعاون يتجاوز العسكر
التعاون الهندي–الإسرائيلي ليس جديدًا، لكنه ازداد عمقًا في العقد الأخير. إسرائيل تُزوِّد الهند بتقنيات المراقبة والطائرات المسيّرة، وتُسهم في تطوير برامجها الدفاعية، وتُجري معها تدريبات مشتركة في مجالات متعددة.
والأهم: تبادل الخبرات في “احتواء المجتمعات المسلمة”، سواء في فلسطين أو كشمير. وهنا تتضح ملامح “العقل الاستراتيجي الموحَّد” الذي يدير صراعات الشرق الإسلامي من جهتين:
• الكيان الصهيوني في الغرب،
• والهند في الشرق.
الصمت الإسلامي… خطر لا يقل عن التواطؤ
المؤسف أن ما يجري في كشمير لا يقابله ردٌّ إسلامي يليق بحجم الخطر. بيانات هزيلة، مواقف فاترة، وانشغال داخلي يكاد يُنسي الأمة قضيتها المركزية.
بل الأسوأ، أن بعض العواصم الإسلامية باتت تنسج علاقات دافئة مع الهند، متجاهلة كل ما تفعله من قمع وتشريد وتجريف للهوية الإسلامية في كشمير.
الصمت هنا لا يُفسَّر فقط على أنه تقاعس، بل يرقى في بعض أبعاده إلى شراكة غير مباشرة في الحصار.
ختامًا: كشمير ليست قضية باكستان وحدها
ما يجري في كشمير هو تحذير مبكر للأمة كلها. فإن سُمح بإخضاع كشمير، وكُسرت باكستان، فإن النموذج سيتكرر في أماكن أخرى. لن يبقى هناك مجالٌ لمشروع إسلامي مستقل، ولا دولةٍ تملك القرار، ولا صوتٍ يستطيع الاعتراض.
المعركة الآن هي معركة وعيٍ واستباق. ومعركة الكرامة تبدأ قبل أن تنفجر الصواريخ… تبدأ عندما نُدرك مَن يُحرك الخيوط، ولماذا، وإلى أين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!