ياسين أكتاي - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس
تعدّ مسيرة السلام الداخلية من أهم الملفات المطروحة على طاولة المحادثات لتشكيل حكومة ائتلافية، ولا سيما أنها دخلت في مرحلتها الثانية منذ اليوم. حزب الحركة القومية التركية والذي كان منذ البداية - على حد قوله - ضد مسيرة السلام جملة و تفصيلا، يؤمن بضرورة تشكيل حكومة الائتلاف بين الأحزاب الثلاثة الأخرى والتي على حد زعمه كانت تتحرك معا من أجل تسيير عملية السلام.
و مع ذلك، فإن محاولة حزب الحركة القومية البقاء خارج المحادثات أمر غريب للغاية لانه لو كان - كما يدعي - ضد عملية السلام بجوهرها ويعتقد أنها ستلحق بالبلاد المخاطر، لوجب عليه العمل على إيقافها. ولهذا فإن الخيار الوحيد المطروح أمامه هو أن يتصرف بشفافية أكثر بشأن تشكيل ائتلاف مع حزب العدالة و التنمية.
ولكن مع الأسف يعمل حزب الحركة القومية - الذي يعتقد أن مسيرة السلام هي خيانة للوطن - بقدر استطاعته على جعلها خيانة تامة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولذلك يصعب على كل إنسان عادي عاقل أن يتنبأ بنتائج مسيرة السلام الخطيرة التي يدعيها هذا الحزب. ولهذا يجب علينا – على الأغلب - أن نجاهد أنفسنا قليلا حتى نستطيع التفكير مثل بهتشلي (رئيس الحركة القومية).
بينما هناك حقيقة على أرض الواقع: وهي صعوبة الإيمان بمصداقية حزب الشعوب الديمقراطي في دعمه لمسيرة السلام بسبب مواقفه وأطواره السياسية، و الذي يرى أنه شرط ضروري للمسيرة سواء كان داخل أو خارج الائتلاف المرتقب تشكيله. و بالتالي فإن هناك حالة غريبة يصعب تفسيرها ضمن حدود العقل السياسي.
حزب الشعوب الديمقراطي ومنذ اللحظة الأولى من إعلان نتائج الانتخابات أعلن وبكل صراحة عن رفضه لدخول ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية مستخدما بأي شكل من الأشكال مستخدما لغة كره و عدائية، ولكنه من جانب آخر يشير إلى حزب العدالة والتنمية بضرورة تشكيل ائتلاف مع طرف آخر، ويريد من العدالة والتنمية أن يدير مسيرة السلام داخل الائتلاف. لكن هل يوجد لدى حزب الشعوب الديمقراطي أي جهود، أو مقترحات، أو أفكار؟! لا يوجد!!!. نحن الآن في وضعية مستغربة ينتظر فيها الجميع من حزب العدالة والتنمية أن يتصرف في كل الأمور.
السيد أورهان مير أوغلو أشار بوضوح إلى هذه الوضعية الغريبة في مقالته بصحيفة ستار.
كان لحزب العدالة و التنمية - منفردا - أثره ووجوده الواضح في مسيرة السلام منذ انطلاقتها، في حين أن حزب الشعوب الديمقراطي كان مترددا، بينما حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية لم يشاركوا. أما الآن فقد انسحب حزب الشعوب الديمقراطي، ويريد الجميع لحزب العدالة والتنمية أن يبقى وحده كما لو أنه يد عُصِرت تحت صخرة كبيرة. ولكن حزب العدالة والتنمية كما يشير ميرأوغلو لم يعد هو المخاطب والمسؤول الوحيد عن مسيرة السلام بناء على نتائج الانتخابات الأخيرة التي تشير إلى رغبة الشعب بتشكيل حكومة ائتلاف.
تُرك حزب العدالة والتنمية وحيدا لكي يدفع فاتورة مسيرة السلام الباهضة والآن يُرتقب منه في أن يستمر وحيدا في دفع هذه الفاتورة. دميرطاش (رئيس حزب الشعوب الديموقراطي) مشغول بحديثه عن عدم قدرته على جعل حزب العمال الكردستاني ترك سلاحه، في الجانب الآخر يريد من الحكومة أن تخطو خطوات فعالة أكثر تجاه مسيرة السلام.
وهذا يشير بوضوح إلى عدم اداركهم بأن عادتهم في انتظار تحرك حزب العدالة والتنمية ستخرجهم من الدائرة السياسية وستبقى زيارات إمرالي خاطرة وذكريات سياحية مع أنفسهم.
حزب العدالة و التنمية - بالرغم من معرفته لحجم الفاتورة الكبير الذي سيدفعه و بالرغم من إدراكه بأنه سيشرب عسلا مسموما - شارك في مسيرة السلام بكل مصداقية منتظرا من التنظيمات المسلحة وكل من له علاقة بهذا التنظيم إلقاء السلاح.
إلقاء السلاح هو شرط أساسي من شروط مسيرة السلام، لكن التنظيم المسلح - و منذ بدء اليوم الأول لمسيرة السلام بدلا من أن يلقي السلاح - قام وفي كل يوم مضى بجلب عناصر جديدة إلى تنظيمه في الجبال وسلّحهم، خالقا بذلك جوا مخيفا حاكما للمنطقة نتيجة عدم استغلاله لايجابيات البيئة الجديدة المسالمة. والآن يتحكم بحياة الآخرين و يؤسس محاكم وعصابات تنفيذية تجمع من الناس أموالًا تتجاوز تلك التي تجمعها الحكومة بكثير. إضافة إلى ذلك فإن أموال الضرائب التي تجنيها الحكومة من المواطنين تعود أضعافا مضاعفة عليهم على شكل خدمات، بينما الأموال التي يجمعها التنظيم المسلح لا يُعرَف أين تُصرَف.
على ما يبدو أن التنظيم المسلح مُرتاح من الحال الذي هو فيه، ولا يريد التخلي عن سياسته التي يحكمها الاقتصاد، إضافة إلى استغلاله لنفوذه في رفع نسبة الأصوات لصالح حزب الشعوب الديمقراطي كما يشاء، وبذلك يظل هذا الحزب مدينا له. و بالتالي فإننا بطبيعة الحال لا ننتظر من حزب الشعوب الديمقراطي أن يؤثر على حزب العمال الكردستاني.
وباختصار، إن مسيرة السلام بهذا الحال تكون قد بدأت بنية صافية وسُيِِّرت بتضحية كبيرة من قبل حزب العدالة والتنمية، وقد تحولت إلى استغلال من قبل حزب الشعوب الديموقراطي -حزب العمال الكردستاني لا غير.
وهم الآن يحاولون تشويه صورة الرئيس رجب طيب أردوغان باستخدامهم شعارات سيئة كـ (عدو الأكراد) على الرغم من أنه، وبكل مصداقية و مسؤولية، يتجاهل كل المخاطر التي يمكن أن تواجه العمل على إنهاء سياسات تجاهل الأكراد وتهميشهم خلال تاريخ الجمهورية التركية.
لم تجفل قلوب العاملين على الحملة ضد أردوغان خلال حملتهم، وأضحى هدفهم الأول هو قتل صورة (طيب أردوغان صديق الأكراد الحقيقي) في قلوب عامة الأكراد.
من أجل ذلك لجؤوا إلى جميع أشكال الكذب، ولم يخجلوا من الافتراء عليه، وهم الآن يستخدمون جملة أراد فيها أردوغان الإشارة إلى قلقه على كوباني (كوباني سقطت، ستسقط) في تحويلها إلى صالحهم، ونجحوا في إقناع الناس بأكاذيبهم. هذا الجملة وحدها يقال أنها كانت سببا في جعل الناخب الكردي يدلي بصوته لصالحهم بعد أن كان سابقا من مؤيدي العدالة والتنمية، وبالتالي فإن هذه الأصوات كانت ثمرة لأكاذيبهم وافتراءاتهم على الشعب.
من المستفيد الآن من تلك الأصوات التي كانت ثمرة لأكاذيبهم وافتراءاتهم؟
وصل حزب العدالة والتنمية في النهاية إلى نقطة لن يستطيع عندها أن يدير عملية السلام كما في الماضي، ومن الآن فصاعدا لن تستطيع مسيرة السلام أن تستمر بهذا الشكل حتى ولو أردوا ذلك.
هل سيُسعِد هذا حزبَ الحركة القومية أم حزبَ الشعوب الديموقراطي أم حزبَ العمال الكردستاني؟
في الحقيقة لا نعلم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس