جلال سلمي - خاص ترك برس
تركيا وسوريا دولتان مجاورتان لبعضهما البعض، وبينهما حدود طويلة يبلغ طولها 822 كم. وحتى يكون الموضوع أكثر فائدة سنتابع العلاقات بين الدولتين في القرن العشرين، وسندرس العلاقات بين سوريا وتركيا من خلال الاعتماد على 4 مشاكل أساسية. يمكن سرد هذه المشاكل على الشكل التالي:
ـ مشكلة السيطرة على لواء الإسكندرون التي استمرت مابين 1920 و1939.
ـ مشكلة الماء الخاصة بنهري الدجلة والفرات والتي طفت على السطح بعد الخمسينات.
ـ مشكلة الإرهاب التي تمثلت في دعم سوريا للإرهاب "حزب العمال الكردستاني" والتي طفت على السطح بعد الثمانينات.
ـ مشكلة الانقسام الجذري في اختيار المحاور الإقليمية والتي تمثلت باختيار سوريا للمحور الشيعي وسير تركيا كدولة قائدة للمحور السني في المنطقة؛ هذه المشكلة طفت على السطح بعد انطلاق الثورات المطالبة بالحرية.
المشكلة أو الخلاف الأول: ظهرت هذه المشكلة بعد الحرب العالمية الأولى خلال فترة كسب الدولتين لاستقلالهم عن الاستعمار. حاول الاستعمار الفرنسي قبل خروجه من سوريا التخطيط لتقسيمها إلى ست دول كانت على الشكل التالي: "دولة الشام، دولة حلب، الدولة العلوية، الدول الدرزية في جبل الدروز، دولة لبنان، جمهورية "هاتي".
لكن فرنسا لم تنجح في تقسيم سوريا وفي تاريخ 9 أيلول/ سبتمبر 1936 وقعت فرنسا وسوريا اتفاقية تقضي باعتراف فرنسا بسوريا موحدة ولكن باستثناء لبنان، بعد إعلان فرنسا هذه الاتفاقية أبدت تركيا اعتراضها الشديد وقدمت شكوى إلى عصبة الأمم بحجة وجود أكثرية تركية في الإسكندرون "هاتي"، ويجب أن تكون هاتي تابعة لتركيا وليس لسوريا، بعد ظهور هذه النقاشات استثنت فرنسا هاتي من الانضمام لسوريا. وبتاريخ 2 أيلول/ سبتمبر 1938 توصلت عصبة الأمم وفرنسا وتركيا إلى الإجماع على استقلال هاتي، وبتاريخ 23 حزيران/ يونيو 1939 أجمع المجلس البرلماني الخاص بهاتي على الانضمام لتركيا، وانتهت هذه المشكلة أو هذا الخلاف عن طريق كسب تركيا للمرحلة وضمها لهاتي داخل حدودها.
ـ وفي دراسة خاصة للباحثة في مركزالشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية "توتشا طانري أوفار" بخصوص العلاقات بين سوريا وتركيا وخاصة مشكلة الماء الخاصة بنهري دجلة والفرات التي طفت على السطح خلال فترة الخمسينيات.
تشير الباحثة إلى أنّ التطور العلمي والمدني خلال الفترة الخمسينيات في كلا الدولتين أدى إلى رفع الحاجة إلى المياه والطاقة بشكل كبير، كما أنّ الزيادة السكانية المرتفعة زادت كذلك من الطلب على المياه. هذان العاملان فتحا التنافس بين تركيا وسوريا بشكل كبير على المياه، خاصة تركيا، التي تُعد منبع النهرين.
عملت تركيا على بناء الكثير من السدود المنتجة للطاقة والمخزنة للمياه، ومن هذه السدود سد "كبان" الذي تم إنشاؤه ما بين عامي 1960 ـ 1973 وسد "كارا كايا" الذي تم إنشاؤه ما بين عامي 1973 ـ 1987. وفي عام 1983 قررت تركيا بناء سد جنوب شرق الأناضول "غاب" هذا المشروع والسدّان المذكوران زادا من تخوفات سوريا بما يخص كمية المياه التي كانت تتدفّق إليها من نهري دجلة والفرات، خاصة سد غاب الذي كان سيخفض من كمية المياه المتدفقة لسوريا بنسة 29 بالمئة.
حُلت مشكلة المياه بين تركيا وسوريا عبر اتفاقية التعاون التي وُقعت بين الدولتين عام 1987، حيث تعهدت تركيا بزيادة كميات المياه المتدفقة لسوريا وزيادة هذه الكمية بشكل أكبر وقت حاجة سوريا لذلك".
- المشكلة الثالثة وهي مشكلة الأمن والإرهاب. يشرح هذه المشكلة ويوضحها الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية "خليل إبراهيم تشيليك"، حيث يوضح تشيليك أن هذه المشكلة بدأت في الثمانينات، حيث استخدمت سوريا الإرهاب كسلاح مضاد ضد تركيا التي خالفت القوانين الدولية وقللت من حصة سوريا من النهرين.
فبعد تقليل تركيا لكمية المياه المتدفّقة الخاصة بسوريا، اتجهت الأخيرة لدعم المجموعات الإرهابية المستهدفة لتركيا مثل حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" و"أصالة". ونال بي كي كي بشكل خاص دعمًا لوجستيًا وماديًا كبيرًا من سوريا، حيث أقام زعيمه عبدالله أوجولان لفترات طويلة في دمشق وأنشأ في سوريا مخيمات تدريبية عسكرية لقوات بي كي كي ممّا أدى إلى تدهور العلاقات بين الدولتين بشكل كبير.
انتهت هذه الأزمة بعد تهديد تركيا لسوريا بالتدخل العسكري، ولإثبات جديتها في الأمر حشدت قواتها البرية والجوية على الحدود السورية، لتقوم سوريا على الفور تجنبًا لحرب محتملة بإخراج عبد الله أوجلان من أراضيها بتاريخ 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1998 وإيقاف الدعم المادي والتدريبي للقوات المسحلة الخاصة بتنظيم بي كي كي.
- المشكلة الرابعة والأخيرة هي مشكلة المحاور التي تنتمي لها الدولتان. لكن قبل هذه المشكلة، شهدت العلاقات بين الدولتين مرحلة ازدهار، فبعد تبني تركيا لسياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار وقدوم بشار الأسد على رأس الحكم في سوريا حيثُ نظر إليه البعض على أنّه أكثر اعتدالًا مقارنة بأبيه، تطورت بين الدولتين العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، حيث تم رفع تأشيرات السفر الخاصة بالمواطنين من كلا البلدين، ووُقّعت عدة اتفاقيات اقتصادية تنموية بين وأصبح هناك برامج تعليمية مشتركة كبيرة وكثيرة.
ولكن يشير الباحث في مركز "بول ستفتينج" للأبحاث السياسية الألماني "إبراهيم بالجي" إلى أن "هذه العلاقات لم تدم، إذ بعد انطلاق الثورة السورية، تبين أن الطرفين يتبعان لمحورين مختلفين ومتناقضين في المنطقة؛ حيث اتضح أن زعيم النظام السوري "بشار الأسد" يتبع وبكل إخلاص للمحور الشيعي الذي تقوده إيران، في حين تتبع تركيا أو "تقود" المحور السني في المنطقة. كما أن دعم تركيا المادي والمعنوي والإنساني الكبير للثوار ومهاجمتها الإعلامية الواضحة لنظام الأسد زاد من تدهور العلاقات بين الدولتين وأصبحت إمكانية تصالحهما أكثر من مستحيلة.
لم تكن العلاقات التركية السورية جيدة ومتطورة في يومٍ من الأيام، إلا ما بين عامي 2006 و2011، ولكن هذه العلاقات أيضًا لم تدم كثيرًا، والأزمة القائمة بين الدولتين في الوقت الحالي ليس وليدة العصر، بل لها جذور تاريخية عميقة. وقد اختصرت هذه الدراسة أسباب الخلافات في العلاقات التركية والسورية باختصار وإيجاز".
المراجع:
ـ توتشا تانري أوفار، العلاقات السورية التركية عبر التاريخ، مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية.
http://www.orsam.org.tr/tr/yazigoster.aspx?ID=5164
ـ خليل إبراهيم تشيليك، مشكلة المياه في الشرق الأوسط، مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية.
http://www.orsam.org.tr/tr/yazigoster.aspx?ID=5043
ـ إبراهيم بالجي، الأزمة السورية: هل تعتبر نهاية روسيا في الشرق الأوسط، مركز بول ستفتينج للأبحاث السياسية.
http://tr.boell.org/tr/2014/06/16/suriye-krizi-tuerkiyenin-ortadogu-rueyasinin-sonu-mu-yayinlar
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!