أحمد البرعي - خاص ترك برس
أُسدل الستار على آخر فصول ملحمة انتخابية تاريخية عاشتها الجمهورية التركية، وانقشع الغبار وعلم الجميع أفرس ركب أم حمار. فخاب فأل الحاسدين والماكرين والمتربصين، وابتهجت قلوب المحبين والصادقين والموحدين.
فرحت غزة، وتفاءلت حلب، وابتهجت حمص، واستبشرت القاهرة، وعلا صوت التكبير في القدس، وتهللت وجوه المظلومين في بغداد الرشيد، سجد المضطهدون والمشردون في شتى بقاع الأرض شكرًا على نصره المؤزر وتمكينه لعباده "داود" و"الطيب".
انتصرت العدالة والتنمية رغم المؤامرات والمخططات، انتصرت التجربة الديمقراطية وجاءت على أفضل ما كان يتوقع أكثر المتفائلين، وفرحنا، واحتفلنا، وهللنا ولكن...
لن أكابر بالقول إن فرحتنا كانت كاملة، نعم لقد خرجت بأبنائي وأسرتي واحتفلت في ليلة إسطنبولية ساحرة، واشتريت الحلوى وهدايا الوعود التي قطعتها إن حصل العدالة والتنمية على أكثر من 48% وهو ما كان، إذ حصل على 49.4% كنتيجة غير رسمية، كما أطلقت لنفسي ولأولادي عنان النشوة والاحتفال بالنصر المظفر والانتصار الكاسح. ولكني لا أخفيكم، وسط أصوات أبواق السيارات وصخب الألعاب النارية وهتافات الجماهير، كان ينتابني شعور بالغصة والمرارة لا أدري ما مصدره وما الداعي له؟!
جال في خاطري وابل من الذكريات، وطار على دوح شجوني أسراب من الطيور ذكرتني بذلك اليوم. كان يوم الرابع والعشرين من يونيو/ حزيران 2012 عندما توقفت القلوب وتحلقت الشعوب حول شاشات التلفاز وأفئدتها تخفق، وألسنتها تلهج بالدعاء، وجاء البيان آخيرًا معلنًا فوز أول رئيس مدني منتخب انتخابًا حقيقيا في انتخابات شفافة ونزيهة أعقبت ثورة ملهمة وملحمة مصرية خالدة. فاز الدكتور محمد مرسي بـ51.73% من أصوات الناخبين المصريين وأصبح رئيسًا لجمهورية مصر العربية.
انطلقت الاحتفالات في غزة هاشم وقتها ويكأنها غزة هي من انتصرت، استبشرت وتهللت وتزينت وارتسمت ابتسامات التفاؤل على محيى الصغار والكبار وعاشت غزة عامًا من الحرية التي كانت قد سلبت منها بأيدي جيرانها، فاعتمر شبابها، وسافر جرحاها للعلاج، وفتحت معابرها، واستنشق أهلها عبير أرض الكنانة وارتووا من نيلها.
وكذا فرحت الشام وأهلها بأول رئيس عربي ينتصر لدماء أطفال الشام ودرعا وداريا، فيقطع العلاقات مع نظام القاتل، ويطرد سفيره من قاهرة المعز، ويرحب كل الترحيب بأهل الشام ضيوفًا كرامًا على أرض مصر العربية الإسلامية.
زار الرئيس الدكتور محمد مرسي الجمهورية التركية والتقى رئيس وزرائها آنذاك، الطيب أردوغان، ووُقعت الاتفاقيات ورسمت ملامح وحدة بين إسطنبول والقاهرة لو تمت لكان فيها الخير للمنطقة بأسرها، عاش الناس أحلامًا وبنوا آمالاً اصطدمت جميعها بصخرة الخيانة والتآمر والانقلاب الأسود الذي أطاح بتطلعات الناس وفتك بأحلامهم البريئة في أن يعيشوا حياة حرية وكرامة وتقرير مصير كغيرهم من شعوب هذه الأرض.
لقد نغصت علينا فرحتنا زمرة الغدر والخيانة والتآمر الأسود الذي قضى على أحلام شعوبنا، ووأد ديمقراطيته في مهدها. ولعلها هي الأقدار أن تسبق الانتخابات التركية، انتخابات سيسية أقل ما يمكن أن توصف به السخف والعبثية والاستخفاف التام بالشعب وعقول أبنائه. كانت مهزلة وأضحوكة العالم ويا أسفاه على مصر العروبة وما آلت إليه على يد هذه الطغمة البائسة التي وصل بها الحال أن تصوت لصالح دولة الكيان في الأمم المتحدة.
ولكن.... وكما كان بوعزيزي شرارة الثورة، وكما كانت تونس الخضراء ملهمة الشعوب ومحفزة التغيير وبداية التحرر، فإني أزعم أن تركيا بنتائج انتخاباتها الأخيرة ستدفع بالدماء في عروق شعوب المنطقة وستلهم جيرانها لتنفض عن نفسها نير التخاذل والخنوع، فإذا كان قد قُدر للحرية أن تزدهر في بلد عاشت من الانقلابات والمؤامرات ما عاشته وقاست من ويلات المتآمرين والمستغربين والمتعسكرين ما عانت، فهي ولا شكل ملهمة لملايين الشباب والنساء والرجال في عالمنا العربي لأن يثور لحقه ويعلم أن نيل الحرية ليس بالمستحيل ولا بعيد المنال.
يمكن لشعوب المنطقة أن تعول على تركيا ودورها في المرحلة القادمة، وستكون تركيا بأردوغانها وداوودها وشعبها سندًا ودعمًا لشعوبنا العربية، ولكن آن الأوان أن تجد تركيا يدًا أخرى تصفق معها لتبدأ منطقتنا مرحلة جديدة من التحرر والانطلاق بعد أن أنهكتنا المؤامرات والصراعات، ولن يطول ذلك كثيرًا بإذن الله.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس