د. وسيم بكراكي - خاص ترك برس
بعد الهزيمة الكبرى التي مني بها حزب الحركة القومية في انتخابات المجلس النيابي الأخيرة، وحصوله على نسبة متدنية من الأصوات جعلته ينحدر إلى المرتبة الرابعة والأخيرة من حيث التمثيل وعدد المقاعد في المجلس النيابي، بحيث صار خلف حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المنشأ الذي لطالما اعتبره حزب الحركة القومية في درجة دنيا ولا يستحق الدخول إلى البرلمان التركي. هذه الخسارة الكبرى جعلت قيادات هذا الحزب تصب غضبها الأكبر على رئيسه دولت بهتشلي الذي لم يتصف لا باللين ولا بالحكمة في المرحلة السابقة كما يقول الكثيرون، بل كان الرئيس الذي حرم أبناء حزبه من المشاركة الفعلية والحقيقية في إدارة البلاد من خلال حكومة ائتلافية مشتركة كان يمكن أن يشكلها مع حزب العدالة والتنمية كما كان بإمكان ذلك في حال حصوله أن يكون سببا لإحداث تغير جذري في الواقع الحالي للحزب ونقله من موقع المعارض الضعيف إلى موقع المنافس الحقيقي والفعلي لحزب العدالة والتنمية.
لاءات دولت بهتشلي رئيس حزب الحركة القومية الحالي يبدو أنها كانت لاءات سطحية ستطيح به اليوم من مركز رئاسة هذا الحزب الذي ورثه منذ وفاة الرئيس المؤسس ألب أرسلان تركش دون منازع يذكر. فمع انتهاء الإعلان عن نتائج الإنتخابات، وبعكس ما توقع الكثيرون، رفض دولت بهتشلي الاستقالة من منصبه، بل واعتبر أن هذه الانتخابات كانت بهذه النتيجة بسبب سياسة حزب العدالة والتنمية الذي استطاع ان يقنع الشعب بأنه سعى فعلا للتعاون والائتلاف بشكل أظهر فيه الحزب القومي بصورة سلبية لا تمثل الواقع ولا الحقيقة. عمليا لم يعمد الحزب القومي إلى إجراء أي تغيير يذكر في سياسته أو في قواعده وقياداته. كل هذه الأمور جعلت الأصوات تعلو مطالبة بإجراء مؤتمر تأسيسي استثنائي يتم فيه إعادة انتخاب رئيس جديد وقيادة جديدة لهذا الحزب. بل لقد بدأت بعض القوى السياسية الداخلية بإعلان مرشحيها وجمع الأصوات والتوقيعات اللازمة لإجبار القيادة الحالية على خوض انتخابات داخلية تعيد انتخاب قيادة جديدة ومجلس قيادة جديد. كان أول هؤلاء المرشحين الدكتور سليم كابتان أوغلو القيادي العريق الذي شغل منصب السكرتير العام خلال فترة قيادة مؤسس الحزب ألب أرسلان توركيش.
ثم لم يلبث السيد كوراي أيدن النائب السابق الذي لم يتمكن من الحصول على مقعد نيابي عن مدينته طرابزون أن أعلن عصيانه على الوضع القائم ليعلن فيما بعد عبر مؤتمر صحفي عن ترشحه لمنصب الرئيس حاصلًا على الدعم المعنوي من ابنة مؤسس الحزب ألب أرسلان توركيش التي شاركت في هذا المؤتمر معلنة تأييدها وموافقتها على هذه الخطوة.
بعد ذلك، وكما كان متوقعًا، بدأت الأوساط الداخلية تتحدث عن مؤتمر صحفي آخر سيتم عقده في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر تحديدًا، وهو تاريخ ولادة ألب أرسلان توركيش، ستعلن خلاله النائب السابق ميرال أكشينير عن ترشحها هي الأخرى لمنصب رئاسة الحزب. علمًا أن أكشينير هي من الشخصيات الرئيسية التي شكل إقصاؤها المتعمد من قبل باهتشيلي سببًا في امتعاض الكثيرين من مؤيدي الحزب. لقد منعت السيدة اكشينير من الترشح للانتخابات النيابية الأخيرة وابعدت عن مجلس الأمناء ومركز القرار في الحزب لأنها عرفت بمواقفها الداخلية المناهضة لسياسة الرئيس دولت بهتشلي في كثير من المرات.
ولهذا، فإننا نجد أن قيادة الحزب الحالية وبرغم تجاهلها لباقي المرشحين، أعلنت استهزائها بترشح أكشينير قائلة: "هي لن تستطيع أن تعبر إلى صالة المؤتمرات في مركز قيادة الحزب حتى"، وهو ما جعل أكشينير تصرح قائلة: "بل سأدخل إلى صالة أرينا الرياضية (حيث يتم عادة إجراء المؤتمر التأسيسي للحزب) مرتدية حذائي ذا الكعب العالي وسأسير إلى المنصة وألقي بكلمتي دون أن أنظر حتى إلى الخلف." متحدية القيادة الحالية بشكل علني وصريح.
إضافة إلى هؤلاء المرشحين بشكل علني، نجد بعض الشخصيات الحزبية الأخرى كأمثال سليمان ثروت سازاك، ابن الوزير السابق الشهيد غون سازاك، يعمل هو الآخر بشكل خفي في محاولة للحصول على التأييد الكافي، ليعلن هو الآخر عن ترشحه لهذه الحرب الداخلية ضد القيادة الحالية.
أمام هذه المحاولات الجدية والحثيثة للتغيير الديمقراطي داخل الحزب، تشيع ضمن الأوساط الداخلية أخبار استدعاء القيادة لرؤساء المدن والمحافظات وباقي أعضاء مجلس الأمناء إلى مركز قيادة الحزب الواحد تلو الآخر لمحاولة إقناعهم بالوقوف خلف القيادة الحالية بما شبه بغرف الإقناع التي درجت في السابق في الجامعات التركية لمحاولة ثني المحجبات عن وضع الحجاب. وتهدف قيادة الحزب الحالية من غرف الإقناع هذه إلى محاولة إقناع هؤلاء بالامتناع عن التوقيع لصالح إجراء انتخابات داخلية ومؤتمر تأسيسي مبكر، والإبقاء على الموعد العادي لهذه الانتخابات في 18 آذار/ مارس 2018.
إذن، هي اليوم حرب داخلية بين قيادات الحزب الحالي ومعارضيه من الشخصيات الحزبية التي كان لهم باع كبير في تاريخ هذا الحزب ومسيرته. ولكن، سواء تمكن هؤلاء من المضي قدمًا في محاولاتهم لبث رياح التغيير الداخلية أم لا، فإن حزب الحركة القومية لن يعود بعد هذه الانتخابات النيابية الأخيرة كما كان عليه قبلها. فهو إما سيتمكن من لملمة الصف الداخلي والكلمة تحت راية قيادة جديدة تمكنه من العوم مرة أخرى والمضي قدما إلى مكان المنافسة الحقيقة في السياسية التركية، أو سيصبح يومًا بعد الآخر أكثر تآكلًا وأكثر تململًا بشكل قد يفقده في المستقبل كامل التمثيل النيابي ليصبح كحزب الطريق القويم وحزب الوطن الأم وحزب السعادة وغيرها من الأحزاب الرمزية التي لم تعد موجودة إلا في قلوب بعض العجائز من الشعب التركي، منها من انتهى فعليًا ومنها من ينتظر أجله وزواله.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس