ندرت أرسنال - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس
لا تندهشوا فالشرق الأوسط شهد أكثر الأفعال غرابة. تبدو احتمالات لقاء تركيا وروسيا في قمة المناخ بباريس ضعيفة، لكن كلًا من تركيا برئيس الجمهورية أردوغان وروسيا برئيسها بوتين قد التقوا بالرئيس الأمريكي أوباما، وقام الأخير بإيصال رسالة بين الاثنين. وإذا كنتم تبحثون عن تطورات حقيقية في هذه الأثناء، نرى وزارة الخارجية الأمريكية وهي تُدلي بتعليقات جدية حول اختراق الطائرة الروسية في الوقت الذي ما زالت طائرات موسكو تقذف بالموت الزؤام على رؤوس العباد. وكانت هذه التعليقات تحمل النوايا الحسنة عندما صدرت عن قنصلية الناتو في واشنطن.
لم تعد ردود الأفعال الروسية تثير الاستغراب، فبعد لقاء الناتو مع ممثل روسيا مساعد السكرتير العام ألكسندر فالشبو صرح فقال "نفترض أن الناتو يتحمل جزءًا من جريمة إسقاط طائرتنا على الحدود"، وبهذا يكونون قد جعلوا من الناتو جزءا في الجبهة المقابلة لروسيا. وكانت لقاءات أردوغان مع نظيره أوباما تحمل هذه العناوين، كما وقد دعمت فينّا لقاءات لدعم سوريا، وما تزال الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تقليل التوتر بين تركيا وروسيا. ورغم عدم ذكر واشنطن والناتو أنهم يدعمون تركيا بشكل مباشر فإنكم تستطيعون الاطمئنان على أن هذا ما حصل.
احترمت أوروبا أسلوب أنقرة الدبلوماسي في تعاملها مع حادثة الطائرة لسببين، الأول: تواضع أنقرة رغم امتلاكها الحق كله، والثاني: أنها لم تقع في الفخ الروسي وتراجعت خطوة للوراء لتتيح المجال للناتو كي يأخذ المبادرة. كما ويحمل رفض موسكو للقاء أنقرة حقيقتان، الأولى: أن روسيا غير قادرة على إقناع الراي العام، والثانية: أنه لا يوجد بعد ذلك المناخ المناسب للقاء بوتين وأردوغان؛ وهو ما يفيد أنقرة في محصلة الأمر.
لقد بتنا نرى الضيق الذي تعيشه روسيا بعد استخدامها الاقتصاد في عقوباتها لتركيا، فردود الأفعال العاطفية أودت بعلاقات الطاقة التركية والروسية وهو ما سيرتد على روسيا بأضرار جسيمة. لقد باتت العلاقات التركية الروسية في تباعد لكنها لم تصل لدرجة العداء، فتصريحات بوتين أفادت بان العلاقة طويلة مع تركيا بينما كان رد الرئيس أردوغان "إننا لا نتودد للغير".
بقيت الأطراف الأخرى مثل الناتو وأمريكا والصين كطرف محايد لا هو وسيط ولا محفّز من أجل حل الأزمة حتى جاءت مقابلة أوباما. لا تحكموا في أزمة الطائرة على التعليقات الروسية، وفي هذا سأضرب مثالين: الأول هو التحولات الجذرية التي حصلت بعد إسقاط الطائرة وامتحان أمريكا لموسكو في حرب الأخير للإرهاب كما يدعي، ليخرجوا في النهاية بأجنداتهم الخاصة في سياساتهم المحلية والإقليمية والدولية. وجاءت رسالة بكين في محاولة منع تطور الأحدث نحو الأسوأ بين روسيا وتركيا؛ لتكون دليلا دامغا في مشابهة القرار الصيني للقرار الأمريكي. وموقف آخر غريب ما خرج به مستشار الخميني والوزير السابق لوزارة الخارجية، حيث قال: "إن التوترات بين أنقرة وروسيا ليست مناسبة لمقام البلدين، ولا ندعمها، كما نتمنى اختفائها واستمرار العلاقات الجيدة بين الجارتين".
ولأزيدكم استغرابا أقول لكم إن هذه التصريحات لم تصدر في طهران بل خرجت في الشام بعد اجتماع لهم مع الأسد. لا تأتي هذه التصريحات في إطار دعم إيراني عبر الأسد، بل تأتي في إطار استيعاب طهران لأبعاد الأزمة وامتناعها عن السقوط في فخ ضيق الأفق عند الروس، كما وتأتي أيضا في إطار منافستها لروسيا في نفوذ المنطقة. وقال نائب وزير الخارجية عبد الله معقبا على ما سبق: "لقد فقدنا أفضل قاداتنا في جهودنا الساعية للحفاظ على الأسد، ولولا تدخلنا لسقط الأسد منذ عامين"، وكأنه يقول لنا: "لا تنسونا"، فالحسابات على الطاولة بين الأمم لا تنسى أحدًا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس