هشام سراي - خاص ترك برس
يسأل عربي تائه خاضع مترنح لماذا يحبون تركيا؟ و يضعونها في أماكن مبجلة في قلوبهم، لماذا يهتفون باسم قائدها ولا يهتفون لأبناء جلدتهم؟ لماذا هذا الهيام والغرام بالسيد رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية رغم أن الانتماءات بيننا منعدمة أو (كما يتصور)، ولكي نجيب على هذه التساؤلات لا بد لنا أن نستنطق عقلية السائل والمغزى من السؤال، ولأننا ندرك الأصدقاء والأعداء نكاد نجزم أن هناك نوعين من السائلين فإما متطرف إسلامي يرى أن النجاح الذي قدمه تيار الإسلام السياسي في تركيا هو عقبة فكرية ومظهر دال على وجود الخيارات التي تقف دون الولوج إلى عالم التطرف الذي يصدره على أنه المشروع المخلص وهو الإسلام الصحيح، لذالك تراه حاقدا على كل إنجاز وفي خصومة دائمة مع هذا التيار المعتدل بل ستجد أن التيار الإسلامي على الصيغة التركية هو العدو الأول بالنسبة للمتطرفين، أما السائل الثاني فهو من حصيلة المواقف الشجاعة والعادلة للقيادة التركية من الأنظمة الشمولية سواء في سوريا أو في مصر أو في الإمارات العربية، فلا يستسيغ القومجيون العرب لحد الآن تقبل الخط الذي اتخذته تركيا في وقوفها مع الشعوب و دعمها في مكافحة طغاتها وهو خط لا تمليه المصالح التركية في المنطقة فقط ولكن للأمر علاقة بالتاريخ المظلم الذي عاشته تركيا في تاريخها السياسي من انقلابات قوضت مسيرة التنمية في البلاد بدءا من انقلاب 1960 بعد انتخابات فاز فيها الحزب الديمقراطي برئاسة عدنان مندريس، وكانت للحزب الديمقراطي توجهات شيوعية جعلت من الضباط يسرعون في وتيرة التدخل ومحاكمة القيادات المدنية واعدام عدنان منديرس ووزير خارجيته، جاء بعد انقلابين في عام 1980 و1997 على حكومة نجم الدين أربكان والذي يعد أب الإسلام السياسي، لهذا تكون ردود القيادات التركية عنيفة وقوية تجاه الأنظمة العسكرية لأنه لا أحد يستطيع أن يعيد شعب تركيا إلى عهد تكميم الأفواه ومصادرة الحقوق و الحريات .
دأبت تركيا ومنذ اعتلاء حزب العدالة و التنمية على إحداث التوازن في علاقتها الخارجية ورغم العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وطدت تركيا علاقتها مع كل من روسيا وسوريا وإيران وتحلت بالكثير من الصبر وضبط إزاء النظام السوري وعلاقته المشبوهة بحزب العمال الكردستاني، ولكن اشتعال الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات شاملة في البلاد وانتهاج القيادة السورية سبيل العنف والقتل كانت نقطة مفصلية لمراجعة السياسة التركية تجاه الجيران، أعتقد شخصيا أن القيادة التركية كانت حريصة وصادقة أكثر من أي دولة أخرى على أمن واستقرار سوريا شعبا وحكومة لأن هذا يمثل امتداد لتركيا، وظهر هذا الأمر جليا في الزيارات المتكررة لوزير الخارجية آنذاك داود أوغلو والتي نصح فيها مرارا وتكرار بشار الأسد وأجهزته الأمنية بوقف نزيف الدماء و التسريع في إصلاح الوضع، ولكن الحقيقة التي اتضحت فيما بعد أن القرار السوري كان محتكرا من طرف الملالي في إيران فهم الذين أوهموا بشار الأسد أن الحل الوحيد هو ضرب المحتجين بيد من حديد، تستضيف تركيا حسب أخر الإحصائيات ما يقارب 1,8 مليون نازح مسجلين في حين يرجح النشطاء أن العدد يقارب 2.2 مليون نازح وهو تقريبا نصف عدد النازحين في دول الشرق الأوسط الذي بلغ 4 مليون نازح سوري وتنفق 7.8 مليار دولار من أجل توفير أبسط شروط الحياة، كما تسعى القيادة في تركيا إلى إدماج السوريين بشكل يضمن الاستقرار والعيش الكريم الذي حرموا منه في سوريا الوطن، صحيح أن الأمر صعب ومعقد ولكن هناك إرادة سياسية لتحقيق ذلك دليل ذلك إصدار بطاق الهوية "أفاد" و أحقية منح الجنسية التركية للسوريين الذين قضوا فترة خمس سنوات، هي تسهيلات لم يجدها الإخوة السوريون في أي دولة عربية أخرى، تركيا أيضا هي الدولة الوحيدة التي لم تغير من سياستها تجاه النظام السوري واستمرت في وتيرة دعم الفصائل المعارضة.
مواقف القيادة التركية تجاه أكبر أزمة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية عرت جميع الدول الغربية الراعية زورًا وبهتاننا للإنسان وكرمته هي المواقف المعبرة أيضا عن أصالو الشعب التركي الذي أعاد انتخاب رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ولا تقف مواقف تركيا عند هذا الحد بل تتعدى إلى الوقوف إلى جانب كل الشعوب المضطهدة في مصر وبورما والصومال، ببساطة تركيا شعبا استطاعت أن توفق بين مصالحها العليا و أخلاقها العالية لهذا كسبت حب الكثيرين في عالمنا المتعثر و المبعثر. نحب تركيا لأننا ببساطة أدركنا من خلالها كم هم سفلة وساقطون ومحتالون أولئك الذين تحكموا في رقابنا كثيرا، نحب تركيا لأنها اليوم، اليوم تمثل ضمير الأمة الحي و صورتها الناصعة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس