غولاي غوكتورك – صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس
في مقالتي السابقة كنت قد تناولت الحديث عن العوامل وتصفية الحسابات التي أدت إلى التدخل الروسي في الحرب السورية، والتي تعطي لهذه الحرب كذلك شكلها الحالي، وتحدثت خصوصا عن موقع حزب الاتحاد الديمقراطي وعلاقة الحزب مع كل من الولايات المتحدة وروسيا والنتائج المتوقعة من هذه العلاقة، في تلك المقالة التي تحدثت فيها عن وعود الأمريكان والروس للأكراد لم أتحدث عن تركيا ودورها وتأثيرها أو الوعود التي يمكن أن تقطعها. وسيكون هذا موضوع مقالتي هذه.
دائما ما نقول إن الربيع العربي سيؤدي إلى سقوط الحكومات المبنية على أساسات اتفاق سايكس - بيكو، وإن هذه الهبة ستؤدي إلى تغيير في شكل الحدود التي رسمتها سايكس بيكو، وسيؤدي ذلك إلى ولادة دول جديدة؛ لكن وفي أثناء ذلك نحاول أن نغض الطرف ونتهرب من رؤية حقيقة قائمة ألا وهي:
أن الأكراد هم أكثر شعوب المنطقة تضررا من نتائج اتفاقية سايكس – بيكو، فالاتفاقية التي أدت إلى تجزئة العرب وتقسيمهم قضت كذلك ببقاء الأكراد من غير هوية أو دولة. وبالتالي فإن الأكراد وعلى مدى المئة عام المنصرمة بقوا من غير دولة تحت رحمة حكومات دول أخرى يعانون من إرهاب الحكومات وضغوطاتها، ومن الظلم وحتى من المجازر في بعض الأحيان. اليوم السياسات الرسمية مستمرة في إصرارها على وحدة التراب السوري ولسان حالهم يقول "لتسقط اتفاقات سايكس – بيكو ولكن ليس من أجل الأكراد"، وهذا ليس بالحقيقي ولا بالعادل ولا بأي شكل من الأشكال. نحن الآن في وضع يوجب علينا أن نرى محاولة الأكراد إعادة ترسيم خريطة الشرق الأوسط والتخلص من ظلم وغدر استمر لمئة عام أن نراه كفرصة على الأكراد استغلالها وأن نتفهم ذلك ونشيد بأحقيته.
العراق وسوريا لا تملكان الوسائل التطبيقية لاستخدامها في سبيل تخلصها من الفوضى والقتال والمحافظة على وحدة ترابها فكلتا هاتين الدولتين ومن الآن قد تقسمت إلى أجزاء. حتى أن تدريبات عقلية وفكرية عن طبيعة وماهية الحدود التي ستتشكل وعن الدول التي ستولد قد بدأت منذ زمن. فعلى سبيل المثال، الأستاذ الدكتور عبد الله كران والمشهور بأعماله عن قضايا الشرق الأوسط وعن الأكراد قد تحدث محللا عن الدول التي ستولد وعن الحدود التي سترسم قائلا:
"إن خريطة الشرق الاوسط سترسم من جديد، فالواضح جدا أن كلًا من العراق وسوريا ستتوحد تحت علم دولة سنية. وبشكل مشابه سيشكل العلويون العرب في سوريا دولتهم الخاصة، أما احتمالية اتحاد الأكراد في سوريا والعراق في دولة خاصه بهم فهي واردة جدا".
الدولة التي ستتشكل في العراق وسوريا ستكون تحت هيمنة وحماية العراق وغيرة من الدول العربية، اما الدولة العلوية (النصيرية) التي ستتشكل في سوريا ستكون تحت رعاية إيران، وهذا العشق قد بدء منذ زمن، حسنا إذن من من دول الجوار سيكون الحامي والراعي للدولة الكردية الوليدة، هل ستشمر تركيا عن ساعديها وتكون القابلة والممرضة لدولة كردستان الوليدة؟! (أ. د عبد الله كران، حان زمان الأفكار الكبيرة، 9 كانون الاول، سيربيستيات).
إن نقلة نوعية وتغيرات كبيرة في السياسة بين ليلة وضحاها غير ممكنة، خصوصا أن حزب الاتحاد الديمقراطي يشكل الآن جزءًا مهمًا من جيش نظام الأسد، ومن أسباب بقائه، لكن طرح تركيا لوجه نظرها بطريقة براقة ووضع اقتراح على الطاولة لا بد أنه سيغير الكثير. فتركيا يجب عليها أن تطرح نفسها كقوة مؤثرة في رسم الخريطة الجديدة بدلا من استمرارها في الدفاع عن حدود خريطها المرسومة في عام 1916م، فبهذه الطريقة فقط يمكنها أن تكون لاعبًا قويًا في المنطقة.
صحيح أننا نأتي إلى هذه النقطة من المنطلق الذي أرعب السلطات منذ عام 1925م، ألا وهي: إذا استطاع الأكراد في سوريا أن يستقلوا بدولتهم الخاصة كما فعل الأكراد في العراق، واتحدت هاتان الدولتان الكرديتان، فكيف نتأكد بأننا سنحول دون قيام أكراد تركيا بالاتحاد مع هذه الدولة الكردية.
الجواب بغاية البساطة: لا يمكننا أن نتاكد أبدا ولا يوجد ضمان.
الضمان الوحيد - إذا كان يمكن أن نسميه ضمان - هو أن يكون الأكراد جزءًا لا يتجزأ من الدولة التركية وأن ينعموا بحياة سعيدة بدون خلطات الكراهية والتفرقة العنصرية وعندها هم أنفسهم لن يقبلوا بالانفصال.
فبعد مئة عام على تشتت الأكراد بين أربع دول مختلفة نجد الأكراد اكتسبوا هويات مختلفة بسبب الفروقات الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية بين هذه المجموعات الأربعة. فحين وجد بعضهم تحت حكم دكتاتوري وجد قسم آخر تحت مظلة أنظمة تتمتع بنوع من الديمقراطية، وفي حين استطاع قسم من هذه المجموعات أن يشكل خليطًا متجانسًا مع الأعراق الأخرى في منطقته، انعزل قسم آخر ونأى بنفسه. فأكراد اليوم هم محصلة أربعة سلاسل تاريخية مختلفة، وبالتالي لا يمكننا أن نتوقع نفس الرغبة ونفس الحمية والسعي لتشكيل دولة كردية في الشرق الأوسط الجديد.
كل استطلاعات الرأي تبين لنا أن قسمًا كبيرًا من الأكراد في تركيا يدعمون البقاء على أساس إدارات لا مركزية وعلى أساس المساواة في المواطنة. في رأيي، إن إعادة التفكير في نظرة تركيا لكردستان سوريا لن تضعف من هذا الميل باتجاه دولة على أساس المساواة وإنما سيزيدها قوة وسيزيد حبهم لتركيا، لا يمكن التنبؤ بما سيلقيه القدر في طريقنا لكن يمكننا القول إنه: إذا كان على الأتراك والأكراد الاستمرار في طريق وحدتهم، لن يتحقق ذلك إلا إذا كانت الوحدة عن طيب خاطر من كليهما.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس